تصادف اليوم الإثنين، حلول شهر كامل على وقوع الزلزال المدمر في الجنوب التركي يوم 6 شباط/فبراير 2023.
وقبل يومين، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن الحكومة التركية عازمة على جعل تركيا واحدة من أسرع البلدان استجابة ضد الكوارث وأكثرها فاعلية واستعدادا في هذا المجال.
كلام أردوغان جاء في كلمة ألقاها، خلال اختتام اجتماع “درع المخاطر الوطنية”، المنعقد في مدينة إسطنبول.
الرئيس التركي أضاف أن الزلازل شكل بداية بالنسبة لتركيا لسن سياسات جديدة لمكافحة آثار وتداعيات الكوارث.
وجدد الحرص على تعزيز استعدادات تركيا لمكافحة الزلازل والكوارث وتجاوزها بأقل خسائر بشرية ومادية ممكنة.
وفي هذا السياق، أكد عدد من المحللين والمهتمين بالشأن التركي، أن “تعامل تركيا الناجح مع كارثة الزلزال يُعيد إلى الأذهان نجاحها في التعامل مع أزمة (كورونا) قبل أكثر من عامين، وكيف نجحت في تحويل الأزمة من محنة إلى منحة”.
وأشار المراقبون في حديثهم لـ”وكالة أنباء تركيا”، إلى أن “تركيا اليوم تتعامل بمهنية واحترافية عالية مع كارثة الزلزال الذي ضرب 10 ولايات جنوبي تركيا وتسبب بخسائر بشرية ومادية كبيرة”.
ومنذ 6 من شباط/فبراير الماضي وحتى اليوم، لم تهدأ الحكومة التركية بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث بدأت على الفور باستنفار كل طاقاتها للتخفيف من معاناة المنكوبين في الولايات العشر المتضررة من جراء الزلزال.
وحول ذلك قال الإعلامي الدكتور أيمن خالد لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “على حجم وشدة الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي جاء حجم التحدي والاختبار لتركيا الدولة للتعامل مع تداعيات هذه الكارثة الخارجة عن وصف التوقعات وبدأ الاختبار من عدة جوانب”.
وأضاف خالد “لقد نجحت تركيا ابتداء من لحظة إعلان الكارثة ومخاطبة الرأي العام بشقيه الداخلي والدولي، وإعلان ووصف حجم الكارثة وآلية التعامل معها وسرعة نقل الجهد بأنواعه إلى موقع الكارثة وتوزيع وإدارة المهام، من حيث توجيه أعمال الإنقاذ والإغاثة وحفظ الحالة الأمنية وتهيئة أجواء تنفيذ حالة الطوارئ بالدرجة القصوى”.
وأشار إلى “تنوع حجم المسؤوليات الملقاة على جانب الدولة يمثل قدرة ومرونة الأداء المطلوب مع كارثة الزلزال التي تمثل الدقائق فيها إشكالية كبيرة، وذلك لتعلق الأمر بأرواح مئات الآلاف التي تنتظر الإغاثة آنيا والأمر يتطلب تحريك كل مؤسسات الدولة بدءًا من مؤسسة الرئاسة مرورا بالمؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية لاستيعات حجم ما تتطلبه هذه الكارثة”.
وأضاف خالد “لقد تابعنا في الداخل التركي وتابع معنا العالم كله كيف جرت أعمال فرق الإنقاذ لأرواح مئات الآلاف من العالقين تحت الأنقاض، وطريقة إخراجهم والتعامل معهم طبيا ونقلهم إلى المؤسسات المتخصصة سواء الطبية أو من كانوا بحتاجون إلى مراكز ومخيمات الإيواء السريعة، وما يتطلبه هذا الأمر من التعامل مع المساعدات الإغاثية الحكومية والشعبية والدولية، والمحافظة على توازن الحالة الاقتصادية، وهذا هو أخطر الملفات في تلك اللحظة وما زال هذا الاختبار على درجته العالية”.
وزاد قائلاً “حقيقة وصف حالة التعامل مع حجم كارثة الزلزال تتنوع جوانبها وقراءاتها بل أن ما حصل يضع المتابع للحدث أمام إشكالية وصف الأولويات كيف تمت وبأية طريقة تم التعامل بإدارة تلك الأزمة مع مجموع تلك الأزمات التي فرضتها الكارثة. هذا الأمر الذي يدفعنا للسؤال! هل نحجت تركيا فعلا في إدارة أزمة كارثة الزلزال من خلال النظر إلى مراحل تلك الأزمة؟، نقول: إن أي أزمة تعيش ثلاث مراحل أولها مرحلة ما قبل وقوع الأزمة. والثانية مرحلة وقوع الأزمة والتعامل معها مباشرة . والمرحلة الثالثة هي مرحلة ما بعد الأزمة”.
ومضى موضحاً، أنه “ضمن هذا الوصف تبدو مرحلة ما قبل الأزمة أو الكارثة قد نجحت فيها الدولة من ناحية التحذيرات منذ سنوات والمطالبة من الناس الذين يسكنون في البنايات القديمة للتقدم والدخول في برامج تطوير الإسكان تحت مساعدة وإشراف الدولة، وتجديد ما كان يعتبر في دائرة المخاطر من حدوث الزلازل كظاهرة ممكنة الحدوث تاريخيا وقدريا. إضافة إلى النجاح الواضح جدا من ناحية رصد ميزانية الطوارئ وامتلاء مخازن الدولة الإغاثية التي كانت التحدي الآخر”.
وتابع خالد “لقد شاهدنا وشهد العالم كيف كانت تجري عمليات توزيع المواد المطلوبة من الغذاء والدواء واحتياجات إدامة الحياة سواء مما كان متوفرا في مخازن الدولة، أو من ناحية إدارة حملات المشاركة الشعبية المذهلة التي قام بها المواطنون الأتراك تحت إشراف وتنسيق جهات الدولة بكافة اختصاصاتها، وتطبيق حالة الطوارئ بالشكل الأمثل، وتفعيل الجانب الإعلامي بحرص شديد ومواجهة الإشاعات المغرضة التي كانت تريد النيل من استقرار وسمعة تركيا. وهنا كان نجاح تركيا واضحا في إدارة المرحلة الثانية من الأزمة وهي مرحلة وقوعها . أما المرحلة الثالثة من الأزمة وهي مرحلة تقييم واستخلاص الدروس مما حصل ووضع الخطط المطلوبة لمواجهة ما يتوقع أن يحصل مستقبلاً، فذلك سيعتمد اعتمادا مباشرة على القدرة المتوقعة في رسم السياسة المسقبلية من الناحية والسياسية والاقتصادية بل والاستراتيجية عموما لمواجهة خطر الكوارث الطبيعية بحجم الزلازل”.
وأعرب عن اعتقاده أن “تركيا قادرة على تحويل حجم هذه الكارثة الطبيعية إلى فرصة مستقبلية لإعادة بناء وإعمار ما دمرته كارثة الزلازال، وخلق حالة مستقبلية مشرقة لإدارة المستقبل ضمن تصور ووصف تركيا الدولة الكبيرة إقليميا وعالميا، والعالم يحتاجها كما تركيا القوية كما شهدنا في سياستها الخارجية، وأكثر من ذلك ما شاهدناه في تعاملها بنجاح في إدارة ملفاتها الداخلية والخارجية منذ وقوع كارثة الزلزال إلى هذه اللحظة، التي ما زالت تركيا تلعب الدور المميز بإدارة ملف الأزمة”.
وختم خالد بالقول، إن “الاختبار المستقبلي يعتبر مهما جدا بانتظار الوعود التي أطلقتها الدولة بإعادة الإعمار وتعويض المصابين والمنكوبين بأفضل ما يمكن . والقراءات تشير إلى النجاح المتوقع قياسا بالنجاحات التي تحققت في السنوات الأخيرة في إدارة كثير من الأزمات التي اختبرت بها المؤسسة الحاكمة الآن . لذلك الأيام والأشهر المقبلة تعتبر مرحلة الاختبار المرتقبة”.
وكان اللافت للانتباه حجم التفاؤل داخل تركبا وخارجها، أن تركيا وشعبها سيتغلبون على الكارثة بأسرع وقت ممكن، وكانت الوعود التي أعلن عنها أردوغان للمتضررين والمنكوبين بإعادة إعمار ما تهدم وتعويض ما تسبب به الزلزال من خسائر، أكبر دليل على أن تركيا ماضية في طريق الخروج من تلك الأزمة أقوى مما كانت عليه قبل وقوع الزلزال.
وفي هذه النقطة، قال الناشط السياسي مصطفى النعيمي لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “بإمكان أي شخص سواء كان طرفا أو مراقبا للزلزال أن يرى بأم عينه الحالة المعنوية المرتفعة وحالة التكامل في إدارة كارثة الزلزال، وكيف تعاملت معها السلطات التركية بأعلى درجات الوعي والمتمثل في تأمين الغذاء والماء للناجين من الزلزال، وكان دور فرق منظمة هيئة الإغاثة الإنسانية التركية ومنظمة وقف الديانة التركي بارز في إيصال الوجبات الساخنة للناجين من الزلزال، والتعاون الكبير الذي أبداه المتضررون مع الجهات العاملة في إدارة الكارثة بحيث أصبح الجميع يعمل ضمن خلية الإنقاذ من خلال المشاركة بما يستطيع تقديمه”.
وتحدث عن “حالة الوئام التي كان يبديها الشعب التركي مع كل من تعاطف معهم وقدم لهم الخدمات، كانت مشرفة وساهمت بشكل كبير في لملمة جراحهم، وكذلك الجالية السورية المتواجدة في الجنوب التركي وتكامل المسؤولية التي أبدتها، وكان الحس الإنساني يخيم على الجميع فالكل كان يخدم الكل وذلك للوصول إلى مرحلة التعافي المبكر من الآثار الكارثية التي أحاطت بالمتضررين، ربما لم تقتصر الأضرار على الجسدية فقط وإنما وصلت إلى النفسية نتيجة لتلك الصدمات التي تلقاها من عايشوا الزلزال، وأنا منهم”.
وتابع النعيمي “كنت أوصل عملي ليلا ونهارا لإيصال أنصع الصور حول عمل فرق المنقذين عبر وسائل الإعلام المرئية التركية المحلية والعربية والدولية، وكان جل اهتمامي إيصال صوت المكلومين وتحفيز المجتمع الدولي لتقديم المزيد من الدعم والمشاركة في الفرق ومعدات الإنقاذ والفرق الطبية للحيلولة دون ارتفاع عدد الضحايا”.
ومضى بالقول “نعم كان يوما عظيما وأشبه بالقيامة الصغرى، هكذا حدثني الكثير ممن فقدوا ذويهم وكنت على تواصل دائم مع الأصدقاء من الذين كان يقطنون ولاية أنطاكيا والتي فقدت فيها 4 أشخاص من أبناء عمومتي، ورغم المصاب الكبير إلا أني كنت أغطي إعلاميا تطورات الزلزال ووصول المساعدات الإنسانية وفرق الإنقاذ والجسور الجوية التي قدمت من كافة الدول تجاه الجنوب التركي وشمال غربي سوريا عبر معبر باب الهوى ومعبري الحمام والراعي وباب السلامة”.
وبيّن النعيمي أن “الحكومة التركية نجحت في إدارة كارثة الزلزال بشكل متوازن، لكن حجم الكارثة التي ألمت بعشرة ولايات ألقت بظلالها على كامل تركيا”، مبينا أنه عاين بشكل مباشر من خلال تغطيته لكارثة الزلزال ومنذ اليوم الثاني بدأت مواكب الفرق الاسعافية وفرق إدارة الكوارث والآليات الثقيلة تنتشر بشكل تدريجي، ومن ثم في اليوم الرابع للزلزال بدأت طليعة قوافل وطواقم الإنقاذ الدولية تل إلى المناطق الأشد حاجة، وقامت وعلى الفور المساهمة في انتشال العالقين تحت الركام والمهددين بالخطر وفقا قوائم الأولويات، وكان هنالك دور هام وبارز للجالية السورية التي أبدت تعاون وثيق مع الفرق والبحث عن المفقودون تحت الركام وإيصال أصواتهم للفرق العاملة على إدارة الكوارث، مما ساهم في رفع أعداد الناجون من الزلزال المدمر الذي ضرب الجنوب التركي، حسب تعبيره.
ووسط كل ذلك لا بدّ من التذكير بكلام الرئيس أردوغان في خطاب ألقاه عقب ترأسه اجتماع مجلس الحكومة الرئاسية بشأن جهود الاغاثة في المنطقة بعد الزلازل التي ضربت مدينة كهرمان مرعش، إنه “مثلما محينا آثار الدمار وسلمنا مساكن جديدة لأصحابها في فترة قصيرة من الزمن بعد الكوارث سابقًا، بإذن الله تعالى سنفعل الشيء نفسه هنا. حيث سنقدم الدعم المادي والمعنوي لكل فرد من مواطنينا، وسنتأكد من استمرار جهود المساعدة والإسكان بطريقة منظمة”.
وأضاف النعيمي “هدفنا هو استكمال تشييد المباني عالية الجودة والآمنة في غضون عام بما يكفي لتلبية احتياجات الإسكان في منطقة الزلزال برمتها. في غضون ذلك، نخطط لتلبية احتياجات الإسكان المؤقتة لضحايا الزلزال من خلال الاستفادة من جميع وسائل وموارد بلدنا بما في ذلك الخيام والحاويات والمباني الجاهزة والمهاجع وغرف الفنادق ودور الضيافة العامة المخصصة لهذا الغرض، إلى جانب المنازل المستأجرة في مقاطعات أخرى. أطلب من مواطنينا في منطقة الزلازل التحلي بالصبر لمدة عام”.
وفي 6 شباط/فبراير الجاري، ضرب زلزال جنوبي تركيا وشمالي سوريا بلغت قوته 7.7 درجة، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجة ومئات الهزات الارتدادية العنيفة، ما خلف خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات في البلدين، حيث أكد مدير عام قسم الزلازل والحد من المخاطر في “آفاد” التركية أورهان تتار أنه “أعنف زلزال يضرب منطقة الأناضول منذ ألفي عام”.