تقاريرهام

كيف نجح أردوغان بزيادة متانة علاقة العالمين العربي والإسلامي بتركيا؟ (تقرير)

أجمع عدد من المحللين والمهتمين بالشأن التركي، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نجح بتوطيد علاقات العالمين العربي والإسلامي بتركيا وزاد من متانتها.

ومن أبرز ما يميز تركيا، حسب مراقبين، هو أنها “تتبع سياسة خارجية متعددة الأبعاد واستباقية وفعالة وذات رؤية مستقبلية، وتتمنى أن يسود السلام والاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط، وتدعم بشكل فعال وقوي الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف، وتقوم بمبادرات لتجاوز الأزمات وحل المشاكل في كافة المجالات”.

وتولي تركيا اهمية كبيرة لعلاقاتها بالعالمين العربي والإسلامي، ومن أجل ذلك سعت للتحالفات مع دول إسلامية كبرى، في حين يؤكد أردوغان بين الفترة والأخرى أنه “من المهم أن نوحد قوانا في العالم الإسلامي، وتركيا مستعدة لمشاركة خبراتها في هذا الصدد”.

وبشكل مستمر يلفت أردوغان الانتباه، إلى أن المهمة الأساسية لتركيا هي الاهتمام بمشاكل أشقائها المسلمين أينما كانوا حول العالم حسب تعبيره.

وفي هذا الصدد، رأى الكاتب الصحفي مصطفى إبراهيم رئيس تحرير “موقع 180 ترك”، أن “الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زاد من متانة علاقات العالمين العربي والإسلامي بتركيا، وذلك بحبه لكل العرب والمسلمين، واهتمامه بقضايا الأمتين العربية والإسلامية، وتأكيده الدائم بالاخوة التي تجمع بين المسلمين جميعاً من جميع الأجناس والعرقيات والجنسيات، وتصريحه المستمر بالاخوة بين جميع أبناء الأمة الإسلامية”.

وأشار إبراهيم في حديثه لـ”وكالة أنباء تركيا”، إلى أن “خطاب اردوغان الذي رد فيه على تصريح المرشح الرئاسي كمال كيليتشدار أوغلو بأنه علوي، وقد قال أردوغان عن ذلك بأنه لا فرق بين أبيض وأسمر أو أحمر إلا بالتقوى والعمل الصالح، وذلك اتباعاً للحديث النبوي الشريف الذي يتضمن هذا المعنى”، مؤكدأً أن “أردوغان محبوب جدأً لدى الأوساط العربية وجميع الجنسيات الإسلامية المقيمة في تركيا، ومعظمهم يعتبرونه قائد العالم الإسلامي ورمز يقتدى به ومثال يحتذى”.

ودعا إبراهيم باقي القادة والمسؤولين الأتراك والعرب إلى “الاقتاداء بأردوغان في محبته للأمتين العربية وألإسلامية واهتمامه بقضاياهما، والعمل على حل المشكلات العربية والإسلامية، ونبذ العنصرية والتعصب للجنس أو العرق”، منتقداً “أسلوب المعارضة التركية في إثارة النعرات الطائفية، وتشجيع العنصرية، وإطلاق الأكاذيب حول العرب والسوريين المقيمين في تركيا، وإلصاق التهم الباطلة بهم، والادعاء بأنهم سبب مشاكل ارتفاع الاسعار، والتضخم، وجميع الأزمات التي تحدث في تركيا، والتي هي جزء من المشاكل والأزمات التي تحدث في العالم أجمع”.

وذكر أن “الله تعالى أكد أن البشرية كلها أخوة من أب واحد وأم واحدة وذلك في قوله تعالى: (يا ايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم)، وقد أكد الله أن هناك أخوة خاصة بين المؤمنين وهي أخوة إضافية فوق الأخوة البشرية وفي ذلك يقول الله تعالى: (إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم)”. وتابع أن “الله أيضاً ذكر في كتابه العزيز أن المسلمين جميعأً أمة واحدة وذلك في قوله تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)”.

وطالب المعارضة التركية بـ”معرفة هذه القيم السامية والعمل بها، بدلاً من تأجيج الخلافات  والعداوات بين العرب والأتراك”، مشيراً إلى أن “تركيا منذ تأسيسها القديم والحديث وهي تجمع أعراقاً مختلفة وجنسيات مختلفة، وتجمع بين التركي والعربي والكردي، والشركسن، والألازيغ، والتركمان، والجورجيين، والأرناؤوط، والبوشناق، والارمن، وكثير من أفراد هذه الجنسيات والأعراق، تولوا مناصب مهمة وصلت إلى منصب الصدر الأعظم في الدولة العثمانية، وهو ما يضاهي رئيس الوزراء، والرجل الثاني في الدولة بعد الخليفة العثماني”.

ولفت إلى أن “هناك مناطق في تركيا سميت باسم العرقيات التي نزحت إلى المدن التركية في الأزمات مثل منطقة يني بوسنا التي استوطنها البوسنيون عندما فروا إلى اسطنبول والمدن التركية الأخرى هرباً من جحيم  الحرب البوسنية الأولى، وكذلك منطقة أرناؤوط كوي وهي تعني قرية الأرناؤوط أو الألبان لأنه استوطنها الألبان الذين نزحوا إليها من البلقان أيضاً، وكذلك قرية التوانسة التي سكنتها مجموعة من الجنود التونسيين الذين سكنوا بها بعدما شاركوا في الحرب العالمية الأولى، ولم يستطيعوا العودة إلى بلدهم تونس”.

وتعتبر تركيا من الدول البارزة وبقيادة رئيسها أردوغان، التي تدعو العالم الإسلامي إلى الوحدة أكثر من أي وقت مضى، وتؤكد أنه في هذه الفترة يجب على الدول الاسلامية أن توحد صفوفها وتتحد من خلال وضع المشاكل جانبا، وهو ما يشير إليه أردوغان في مختلف المحافل التي يلقي فيها خطاباته.

أمّا فيما يخص الدول العربية، فقد فرضت تركيا نفسها بقيادة أردوغان لدى الدول العربية، وعملت على تطوير علاقاتها مع الدول العربية تحت مظلة جامعة الدول العربية، ووقعت في هذا الإطار مذكرة تفاهم مع جامعة الدول العربية في عام 2004، كما أن جامعة الدول العربية اتخذت قرارا في الاجتماع الذي عقدته على مستوى وزراء الخارجية في عام 2006، أشارت بموجبه إلى ضرورة تعزيز التعاون بين تركيا والدول العربية عن طريق “منتدى التعاون التركي العربي” الذي كان من المقرر إنشاؤه في ذلك الوقت.

كما أن موافقة الدول العربية في ذلك الاجتماع وبالإجماع على دعم ترشح تركيا لعضوية مجلس الأمن الدولي غير الدائمة للفترة 2009-2010 حددت بشكل قاطع وجهة العلاقات التركية العربية.

من جانبه، قال المحلل السياسي مأمون سيد عيسى في حديثه لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “تركيا تشترك مع الدول العربية في الدين الإسلامي والقرب الجغرافي، وتقارب الرؤى في ملف النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، والأهم عبر التاريخ المشترك حيث كانت تركيا وأغلب الدول العربية تشكل دولة واحدة تحت الحكم العثماني واستمر ذلك مئات السنين”.

وأضاف “من بين الدول الإسلامية تعتبر تركيا الدول الأولى في توفر عناصر القوة لديها عسكريا واقتصاديا وسياسيا، وبالتالي من مصلحة الدول العربية بناء تحالف مع تركيا، وكذلك من مصلحة تركيا أيضا ان تبني ذلك التحالف، وقد وجدنا الدعم العربي لتركيا في أكثر من ازمة مرت بها وهذا هو واجب الأخوة”. وكان من اللافت للانتباه حجم الدعم والتضامن العربي والإسلامي مع أردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية 2023، إضافة إلى ترقب العالمين العربي والإسلامي لها، ما يؤكد متانة العلاقات المشتركة بينهم وبين أردوغان.

وفي هذا الجانب، قال إبراهيم الديب، رئيس مركز قيمى هويتى لدراسات القيم والهوية، ومؤسس مشروع الروح العثمانية لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “هناك سبعة اسباب أسست لنجاح ومتانة علاقلات أردوغان-تركيا مع العالمين العربي والإسلامي، أولها امتلاك رؤية استراتجية حرة واستراتجية عمل واضحة، وثانياً: نحت والتزام سياسة جديدة ببناء علاقات تقوم على منظومة قيم ومبادىء، وعلى الاحترام المتبادل، والتحرر من غطرسة وابتزاز النظام العالمى الغربي، وتحقيق أكبر قدر من المصالح المتبادلة للشعب التركي والعربي والدول الإسلامية، والالتزام العملى وتحقيق إنجازات وقصص نجاح متتالية تعزز الثقة، وبناء وتطويرالعلاقات المتدرجة إلى الشراكات إلى التحالفات، والتعاون الشامل فى كل الملفات ذات العلاقة”.

وثالث الأسباب، هو “الإنجازات الدخلية لتركيا والبناء المستمر للقوة الذاتية، وأثره الواضح في التحرر التدريجي الناعم من غطرسة وعباءة الغرب، مما عزز الثقة في فرص نجاح العلاقات الجديدة مع تركيا، ورابعاً ضيق النظم والشعوب الإسلامية والعربية من غطرسة وابتزاز الغرب، والبحث عن بديل دولي كبير للتحالف معه والاستناد إليه”، حسب الديب.

أمّا خامس الأسباب، حسب الديب، فهو “إحياء القوة العثمانية الناعمة الكامنة فى نفوس كل مسلمي العالم قادة ونخب وحكام وشعوب، تجاةه دولة الخلافة الإسلامية الأخيرة ومجد الإسلام العظيم، وسادساً مصداقية الرئيس والحكومة التركية على مدار 22 عاما متتالية، قضت خلالها على محاولات التشويه والتشكيك فى أردوغان وحزبه، ونحتت وعززت الثقة في أردوغان وحزبه ورجاله وأجياله التالية”.

ومن الأسباب الأخرى، السبب السابع وهو “شمولية سياسة الانفتاح والتواصل والتعاون والشراكة التركية العربية الإسلامية على عدة مسارات أهمها: المسار الرسمي للدولة، المسار الخيري والاجتماعي والإنساني، المسار الشعبي وبناء خطوط تواصل مع النخب الثقافية العربية والإسلامية، وخاصة الجهود المميزة لإعلام تلك المرحلة التاريخية فى إعادة العلاقات التركية العربية وإزالة الحواجز النفسية المفتعلة من قبل أعداء تركيا والعرب والمسلمين، ومن بين هؤلاء الدكتور ياسين أقطاي، والأستاذ حمزة تكين، اللذين أُرسلا لإحياء الحب الكامن ولبناء العلاقات والروابط الاستراتجية لمستقبل مشرق قادم، وعلى هذا الدرب تسير مؤسسة قيمي هويتي لدراسات القيم والهوية، لتفكيك وإزالة العقبات والأسوار وتفكيك التاريخ المزيف والقنابل الموقوتة التي صنعتها المراكز البحثية والأكاديميات الغربية الخبيثة، التي أُسست خصيصا لصناعة تاريخ كاذب للدولة العثمانية، ومحاولة الفصل التام بين العرب وتركيا لحساب الهيمنة الغربية على المنطقة”، حسب قوله.

تجدر الإشارة إلى أن العالم الإسلامي والعربي، يُقيم وزنا لتركيا وخصوصا في هذه المرحلة الحرجة، من انتشار معاداة الإسلام  بشكل لا مثيل له، وفي ظل الأزمات الكبرى التي يشهدها العالم.

ويؤكد كثير من العلماء والدعاة، على أن “تركيا دولة محورية في العالم الإسلامي، أولاً لتاريخها الكبير فهي وريثة الدولة العثمانية التي كانت دار الخلافة ومجمع العالم الإسلامي، وكذلك لاهتمام الدولة التركية الحالية بقضايا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ودفاعها عن قضايا المظلومين واحتضانها لكثير من طالبي الحرية وطالبي العدالة”.

زر الذهاب إلى الأعلى