
أكاديمي تركي: تركيا والعراق كل منهما بمثابة بوابة للآخر على الشرق والغرب
شدد مدير مركز أورسام للأبحاث البروفيسور أحمد أويصال، أن “تركيا والعراق لا يمكن الفراق بينهما”، مشيرا إلى أن “تركيا والعراق يرغبان في تحسين العلاقات بينهما، حيث إن كلا منهما بمثابة بوابة للآخر، على الشرق والغرب”.
كلام أويصال جاء في مقال نشره في صحيفة “الشرق” القطرية.
وجاء في المقال:
رغم أن العراق تأسس كدولة حديثة في 1921، إلا أن أرضه تعد مهداً لأقدم وأهم الحضارات، التي تعايش فيها العرب والأكراد والأتراك لقرون طويلة.. وصول الأتراك إلى العراق يمتد إلى أكثر من 1000 عام، منذ بدايات العصر العباسي. ثم تقلد الأتراك أعلى مناصب الحكم في هذه البلاد مع صعود السلاجقة حتى دمرتهم غزوات المغول. لاحقًا خلال الفترة العثمانية، ازدهر العراق بالزراعة والتجارة لدرجة أن العثمانيين كان لديهم قول مأثور: “لا محبوب مثل الأم ولا بلد مثل بغداد”، دليلاً على إعجاب الأتراك بالعراق.
ومن خلال شراكة العثمانيين مع الألمان، كان مشروع السكك الحديدية بين برلين وبغداد يشبه مشروع الصين الأخير “الطريق والحزام”. ولو كان مكتوبا لهذا المشروع الكبير الاكتمال، لكان غير ميزان التجارة والقوة لصالح الدولة العثمانية، ولأفاد الشعب العراقي كثيرًا. ولكن أعاقت الحرب العالمية الأولى انجاز هذا المشروع، حيث غزت بريطانيا العظمى المنطقة وسيطرت على العراق وموارده النفطية المكتشفة حديثًا. جميع مكونات الشعب العراقي آنذاك دعمت الدولة العثمانية ضد الغزو البريطاني، الشيعة والسنة والأكراد والعرب والتركمان وغيرهم. بعد تلك الحرب، سياسة “فرق تسد” التي تبنتها بريطانيا في عموم منطقتنا، وما تلاها من عدم استقرار سياسي في العراق، لم تسمح لهذا البلد أن يحقق التقدم والازدهار الذي يتناسب مع إمكاناته الحقيقية.
تم رسم الحدود بين العراق الجديد وتركيا وفقا لمعاهدة أنقرة لعام 1926، التي تحظر على الطرفين أيضا إيواء أي مجموعات معادية ضد بعضهما البعض. وبعد استقلال العراق عن بريطانيا، تحسنت العلاقات الثنائية بين تركيا والعراق. وفي عام 1932، زار الملك فيصل الأول تركيا ثم عين أخاه الأمير زيد سفيراً في تركيا. وفي عام 1937، وقعت تركيا والعراق على معاهدة عدم الاعتداء “ميثاق سعد آباد” التي شملت إيران وأفغانستان أيضًا. واستمر نهج مماثل في العلاقات بين البلدين بعد الحرب العالمية الثانية مع إنشاء حلف بغداد، الذي ضم فيما بعد إيران وباكستان والمملكة المتحدة، لكن العراق انسحب منه بعد الانقلاب العسكري الذي قام به عبد الكريم قاسم في عام 1958.
واستمرت العلاقات التركية العراقية خلال حكم صدام على الرغم من أن سياسات صدام في “التعريب القسري” كانت تقمع التركمان وغيرهم من الأقليات غير العربية. وسمحت حكومة صدام بالعمليات التركية داخل العراق. في الواقع، تلزم معاهدة أنقرة الطرفين بمنع الجماعات الإرهابية من مهاجمة أي من البلدين. وتدهورت الصادرات التركية إلى العراق خلال الحظر الأمريكي على العراق خلال التسعينيات. وتزامن سقوط صدام حسين مع وصول حزب العدالة والتنمية حديثا إلى السلطة حيث لم يسمح البرلمان التركي وقتها للقوات الأمريكية باستخدام أراضيه لغزو العراق.
لم يجلب الغزو الأمريكي للعراق أي استقرار أو ديمقراطية حقيقية أو ازدهار، ثم غادر الرئيس أوباما العراق ليفسح المجال لزيادة النفوذ الإيراني في هذا البلد، مما أضر بالمصالح التركية.
لقد استهدف ظهور داعش كلاً من تركيا والعراق. وبالمثل، فإن وجود حزب العمال الكردستاني الإرهابي PKK يضر أيضًا باستقرار وأمن البلدين والعلاقات بينهما.
واليوم، تظل قضية الـ PKK هي القضية الشائكة بين العراق وتركيا، لأن الولايات المتحدة وإيران وبعض الأطراف الكردية تدعم الـ PKK أو تتعاطف معه. وعلى عكس فصيل البارزاني، فإن فصيل الطالباني في السليمانية يتسامح مع أنشطة الـ PKK في مناطقهم.
بعض الفصائل الشيعية الموالية لإيران والمنتمية للحشد الشعبي تتعاون أيضًا مع جماعات الـ PKK. ولكن مؤخراً نشهد تحسناً في الادراك العراقي لخطورة الـ PKK، في أربيل وبغداد.
أما القضية الإشكالية الأخرى بين البلدين فهي قضية المياه، وكدولة مصدر، قامت تركيا ببناء السدود حول نهري دجلة والفرات لإنتاج الكهرباء والزراعة، ولا تقوم بتحويل الأنهار مثل إيران. نحن نسمع باستمرار أن العراقيين يطالبون تركيا بإطلاق المزيد من المياه، لكن المشكلة في العراق هي سوء إدارة الموارد المائية، وزيادة نسبة التلوث والتبخر. ويعاني العراق أيضاً من مشاكل أخرى في البنية التحتية فيما يتعلق بالكهرباء والنقل.
على الجانب الإيجابي، ترغب تركيا والعراق في تحسين العلاقات بينهما، حيث إن كلا منهما بمثابة بوابة للآخر، على الشرق والغرب.
وتستمر العلاقات الاقتصادية والسياسية في التحسن بشكل ملحوظ، بخاصة بعد فترة المالكي التي شهدت أسوأ مراحلها.
وبعد وصول حكومة السوداني تسارع هذا الاتجاه، في ظل محاولة هذه الحكومة تحقيق التوازن وتنويع العلاقات مع الجيران.
وقد لاقت الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى العراق ترحيباً من جميع الجهات الفاعلة في العراق تقريباً.
وشهدنا محادثات واعدة حول التعاون الأمني ودعم تركيا لمشروع قناة التنمية. في ظل التحولات الدولية والإقليمية الرهينة، سنرى مزيدا من التقارب بين العراق وتركيا.