“وسيط دولي من الطراز الأول”.. بهذه الكلمات أشاد محللون ومراقبون بالدور القطري بإنجاح الاتفاق الأمريكي الإيراني وصفقة تبادل المحتجزين، ليكون نجاحاً جديداً يضاف إلى سجل نجاحات الدبلوماسية القطرية.
في 18 أيلول/سبتمبر الجاري، أعلنت دولة قطر، بدء تنفيذ الاتفاق الأمريكي الإيراني وتبادل المحتجزين، لافتة إلى إطلاق سراح 5 أمريكيين محتجزين في إيران، وذلك بعد أن تم تبادلهم مع عدد من المحتجزين الإيرانيين في أمريكا، في صورة على نجاح قطر برعاية ملف تفاوضي دولي جديد.
ويعتبر إطلاق سراح الأمريكيين المحتجزين في إيران إنجازًا دبلوماسيًا مهمًا لدولة قطر، ويُعد خطوة مهمة نحو تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران.
ولعبت دولة قطر دورًا محوريًا في الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن إطلاق سراح الأمريكيين المحتجزين في إيران، حيث عقدت محادثات بين الجانبين في الدوحة في الفترة الأخيرة.
وفي هذا الصدد، قال الصحفي والمحلل السياسي القطري طلال السادة لـ “وكالة أنباء تركيا”، “أعتقد أن تنفيذ هذه الصفقة يعد نجاحا يضاف إلى النجاحات المتوالية التي تحققها الدبلوماسية القطرية، حيث شهدنا في السنوات القليلة الماضية العديد من الوساطات القطرية ولعل آخرها الاتفاق بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الحاكمة في أفغانستان، والذي أدى إلى انسحاب القوات الامريكية من أفغانستان بعد مفاوضات استمرت عدة سنوات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان استضافتها مدينة الدوحة العاصمة القطرية”.
وأضاف “ولا شك أن تنفيذ هذه الاتفاقية وهذا النجاح الجديد للدبلوماسية القطرية، ينسجم بشكل كامل مع النهج الذي تسير عليه القيادة القطرية فيما يتصل بالسعي المستمر لتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم، والتركيز على حل الإشكاليات بالحوار وبالدبلوماسية الهادئة تجنبا لمزيد من التوتر الذي قد تسفر عنه مثل هذه الإشكاليات”.
واعتبر أن “هذا النجاح يدل بشكل قاطع على مكانة دولة قطر كشريك دولي موثوق به في مجال الوساطة لحل مثل هذه المشكلات بين الدول، إلى جانب أن هذا النجاح يؤكد بشكل قاطع على الثقة التي تحظى بها دولة قطر كطرف محايد ونزيه يسعى باستمرار حل مثل هذه الإشكاليات بالطرق السلمية”.
ورأى أن “تحقيق هذا النجاح عبر الإفراج عن خمسة من الأمريكيين، كانوا في السجون الايرانية، وخمسة إيرانيين كانوا في السجون الأمريكية، وكذلك الإفراج عن الأموال المجمدة لجمهورية إيران الإسلامية والتي تم تحويلها من حسابات في كوريا الجنوبية إلى الدوحة ليتم نقلها بعد ذلك إلى الإيرانيين، يعطي مزيداً من الثقة لدولة قطر في بذل مزيد من الجهود للمساهمة في تخفيف حدة التوتر بين الولايات المتحدة وجمهورية إيران الإسلامية”.
وتابع “لعل الطموح الأكبر الآن للدبلوماسية القطرية يتمثل في السعي للوصول إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي الذي وُقع بين الولايات المتحدة وما عرف بمجموعة خمسة زائد واحد مع جمهورية إيران الإسلامية عام 2015، في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما والذي قام الرئيس السابق دونالد ترامب بإلغائه”.
وختم قائلاً “الجهود الآن بدون شك كما أتوقع، ستنصب في هذه المرحلة على السعي لدى كافة الأطراف للعودة إلى إحياء هذا الاتفاق تجنبا لزيادة حدة التوتر في المنطقة، والسعي إلى استبدال هذا المستوى من التباعد والشد والجذب في هذا الإطار إلى مزيد من التقارب عبر الحوار لحل كافة إشكاليات المنطقة بالطرق الدبلوماسية، التي دأبت دولة قطر على استخدامها لحل العديد من الإشكاليات التي تعاني منها منطقتنا”.
وقال وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبدالعزيز بن صالح الخليفي، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية “قنا”، إن “تنفيذ هذا الاتفاق له دلالة على مكانة دولة قطر كشريك دولي موثوق به في مجال الوساطة، وثقة الأطراف كافة في نزاهتها وحيادها، كما يمثل نجاحاً جديداً يضاف إلى النجاحات المشهودة للدبلوماسية القطرية في عدد من الملفات الإقليمية والدولية”.
بدوره، أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن خالص شكره وتقديره لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لدوره الفعال في بدء تنفيذ الاتفاق وعملية تبادل المحتجزين بين أمريكا وإيران.
من جهته، الباحث السياسي العراقي نظير الكندوري قال لـ “وكالة أنباء تركيا”، إنه “يمكن اعتبار الصفقة المبرمة بين الولايات المتحدة وإيران، هي صفقة اضطرار لكلا الطرفين، فكل طرف من أطراف الصفقة له أسبابه التي دفعته يبرم هذه الصفقة، فمن الجانب الأمريكي تواجه إدارة بايدن تحديات كبيرة فيما يتعلق بالانتخابات الأمريكية، لا سيما وأن إدارة بايدن لم تحقق أي نجاح حقيقي يذكر على مستوى السياسة الخارجية، فهي فشلت في ردع روسيا بالموضوع الاوكراني، وكذلك لم تستطع تحجيم التحدي الصيني، بالإضافة إلى الانسحاب المذل من أفغانستان وتسليم البلاد لحركة طالبان، وغيرها من الملفات الفاشلة، فكان لا بد لإدارة بايدن تحقيق نصر سياسي حتى لو كان بسيط لتشغيل آلتها الدعائية في الانتخابات المقبلة عام 2024”.
وزاد بالقول، إنه “من الجانب الإيراني، فالأخيرة مضطرة لتحقيق مكسب مالي لتخطي الحالة المعاشية الصعبة التي يعيشها الشعب الإيراني المتأهب للانفجار، ومبلغ الستة مليارات يساهم في تخفيف وطأة العقوبات الأمريكية على البلاد، لاسيما حينما بدأت التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام، تُنظم بشكل دوري وأصبحت شعبية النظام في الحضيض في ظل هذا التردي الاقتصادي”.
ومضى موضحاً “لكننا نعتقد، أن المكسب الأكبر والحقيقي، هو للدبلوماسية القطرية التي استطاعت جمع الطرفين وإبرام مثل هذه الصفقة، وما لها من دلالات في توقيتها وبنودها”.
والأربعاء، أعرب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، عن أمله أن “تؤدي صفقة تبادل السجناء بين واشنطن وطهران إلى خلق بيئة أفضل للتوصل إلى اتفاق كامل بشأن القضية النووية وأي قضية أخرى عالقة”.
وقال آل ثاني في مقابلة مع شبكة “سي أن أن”، إن “قطر فخورة جدا بتسهيلها عودة 5 سجناء أميركيين ضمن صفقة تبادل السجناء مع إيران”، مضيفًا “كنا فخورين للغاية برؤية قطر تساعد في إعادة هؤلاء الأشخاص إلى عائلاتهم”.
ورداً على سؤال عما إذا كان الاتفاق يمكن أن يمثل تقارباً في العلاقات الأميركية الإيرانية قال آل ثاني “لا أستطيع أن أدعي أن هذا سيؤدي إلى التوصل لاتفاق نووي، لكنه سيوفر بالتأكيد بيئة أفضل”.
وأضاف “ما حدث كان في الواقع لبنّة كبيرة لإعادة بناء الثقة بين البلدين”.
وكان رئيس الوزراء القطري قد أكد في منشور على منصة “إكس”، أن “قطر مستمرة بالمساهمة في كل ما من شأنه تعزيز أمن المنطقة والعالم”.
يذكر أنه في آب/أغسطس الماضي، قال وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي، إنه “انطلاقاً من مبادئ دولة قطر وبناء على التوجيهات السامية لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، لعبت دولة قطر لعبت دوراً محورياً في تيسير الحوار بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، لإطلاق سراح عدد من السجناء وإنشاء قناة مصرفية تعالج عدداً من المسائل المتفق عليها بين الطرفين”.
ونوّه أن دولة قطر بذلت جهوداً كبيرة باعتبارها وسيطاً دولياً موثوقاً لتحقيق التقارب بين الجانبين الأمريكي والإيراني، مؤكدا على الدوحة وضعت عددا من الضوابط الواقعية والمبادرات الإيجابية للطرفين حتى تصل لهذا النوع من التوافق وتحقيق الهدف من هذا الاتفاق.
وعن دلالات نجاح دور قطر في تنفيذ هذا الاتفاق وما يعنيه بالنسبة لقطر، أوضح الكندوري قائلاً، إنه “على الرغم من نجاح قطر في لعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن، فإنه لا يعتبر النجاح الأول لقطر في مجال الوساطات، فقد سبق أن لعبت قطر دور الوسيط في ملفات معقدة عديدة، سواء بين الدول أو بين الجماعات المسلحة، مثال ذلك وساطتها في بعض دول إفريقيا والدول الآسيوية، ومن أبرز تلك الوساطات التي لعبتها قطر، هي اتفاق السلام الذي أبرم بين الولايات المتحدة وحركة طالبان والتي أسفرت عن انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان وإحلال السلام هناك بعد حرب استنزاف للطرفين لمدة 20 سنة”.
وتابع “فيما تأتي الوساطة الأخيرة بين طهران وواشنطن، تتويج لجهود قطر بطرح نفسها كوسيط دولي من الطراز الأول، وفرض نفسها على الساحة الدولية كلاعب سياسي دولي من الطراز الأول”.
ومضى بالقول “وبالطبع هناك مكاسب أخرى من هذه الصفقة، فكما نعلم أن إيران وكذلك تركيا كان لهما موقف إيجابي في حماية قطر من الحصار الذي فُرض عليها من جيرانها العرب، وكانا يشكلان العامل الأساسي الذي حال دون التدخل عسكريا لإسقاط النظام القطري. وبذلك فإن من المهم أن تبقي قطر علاقات قوية مع إيران أو تركيا والتعامل معهما كحليف استراتيجي يقف معها في أوقات الشدة”.
وحتم قائلا “يأتي إبرام مثل الصفقة التي حصلت فيها إيران على 6 مليارات دولار، كسابقة لقطر تجاه إيران وستحتفظ إيران هذا الجميل لقطر مستقبلا”.
ويؤكد مراقبون، أن “قطر ساهمت بقوة في إبرام الصفقة، بعد أكثر من عامين من المفاوضات الماراثونية، واحتضنت الدوحة عدة جولات تفاوضية مهمة بين الوفود الإيرانية والأميركية وخاصة بشأن الشق المالي للصفقة”.
و”جاء دخول قطر على خط الوساطة بين الجانبين الإيراني والأميركي في ملف تبادل السجناء بغية خفض التوترات في المنطقة، فيما كان هذا الدور سابقاً يقتصر على سلطنة عمان، الوسيط التاريخي بين إيران والولايات المتحدة منذ عقود بحكم علاقاتها الوطيدة مع الطرفين، فضلاً عن سويسرا التي ترعى سفارتها في طهران المصالح الأميركية في إيران”، بحسب ما نقل موقع “العربي الجديد” القطري.
ويأتي تبادل السجناء بين إيران والولايات المتحدة وسط تصاعد التوترات بشأن محاولة إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، ومواصلة إيران نشاطها النووي الذي تعترض عليه دول الغرب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، حسب مراقبين.