قارن محللون ومهتمون بملف التطورات بين أذربيجان وأرمينيا، بين الجيش الأذري وتعامله الإنساني مع المدنيين العُزل، وبين القوات الأرمينية التي ارتكبت المجازر وهجّرت السكان، بحسب تعبيرهم.
ولفت المحللون في حديثهم لـ”وكالة أنباء تركيا”، إلى أن منطقة إقليم “قره باغ” وسكانها كانوا شهودا ومشاهدين على الفرق يوم دخل الجيش الأرميني إلى قره باغ، حيث ارتكب المجازر إضافة إلى الانتهاكات الأخرى من قتل واضطهاد وتهجير، بعكس الجيش الأذري الذي ساند ومدّ يد العون للأهالي وخصوصا الأرمن، بهدف حمايتهم وتقديم العون لمن يود الخروج من الإقليم أو حتى العودة إليه، وفق كلامهم.
وتسعى أرمينيا جاهدة لتوجيه التهم إلى أذربيجان وجيشها بتهجير الأرمن قسراً من “قره باغ”، مدعومة بأطراف غربية وبماكينات إعلام غربية، للترويج لتلك الاتهامات وتعزيزها، في تجاهل تام لما ارتكبته وترتكبه القوات الأرمينية بحق المدنيين على وجه الخصوص، وذلك منذ العملية العسكرية التي شهدها الإقليم عام 2020.
في 27 أيلول/سبتمبر 2020 أطلق الجيش الأذري عملية لتحرير أراضيه المحتلة في قره باغ، عقب هجوم شنته القوات الأرمينية على مناطق مأهولة بالسكان.
وكان اللافت للانتباه آنذاك، أن القوات الأرمينية كانت تتعمد قصف المناطق السكنية من إقليم قره باغ الذي كانت تحتله، في حين رد الجيش الأذري بعملية عسكرية أسفرت عن تحرير أكثر من 30 قرية في الإقليم المحتل من قبل أرمينيا، حيث كانت الأهداف التي تستهدفها أذربيجان عسكرية وليست مأهولة بالمدنيين.
وقالت تركيا حينها وعلى لسان المتحدث باسم حزب “العدالة والتنمية” عمر تشيليك في بيان، إن “أرمينيا ومن يدعمونها يتصرفون كشبكة لارتكاب المجازر ولا يخضعون حتى لقانون الحرب”، مؤكدا أن “هذه الهجمات والمذابح لن تمر دون عقاب، وأرمينيا مذنبة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية”.
وفي 19 سبتمبر 2023، أعلنت أذربيجان إطلاق عملية ضد الإرهاب “بهدف إرساء النظام الدستوري في قره باغ” انتهت بعد يوم واحد باتفاق لوقف العملية، وتخلي المجموعات المسلحة غير القانونية والقوات المسلحة الأرمينية الموجودة في قره باغ عن سلاحها، وإخلاء مواقعها العسكرية.
وتوضيحا للمعاملة التي امتاز بها الجيش الأذري مقارنة بانتهاكات القوات الأرمينية بحق المدنيين، قال مختار فاتح بي ديلي، وهو طبيب وباحث في الشأن التركي وأوراسيا لـ “وكالة أنباء تركيا”، إن “الجيش الاذري البطل وبعد مرور 30 عاما على الاحتلال الأرميني للأراضي الأذرية في منطقة قره باغ الاذرية ، تمكن من تحرير أراضي الإقليم عقب معركة دامت لمدة 44 يوما (في 17 أيلول/سبتمبر 2020)”.
وأشار إلى أن “أرمينيا وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، شنت هجمات ضد جنود ومدنيين من أطفال ونساء وكبار سن من أذربيجان، ومارسوا القتل والتدمير بدم بارد بحق مئات المدنيين من وأقدموا على تعذيب الأسرى، ليرتكبوا في 26 شباط/فبراير 1992، واحدة من المذابح الأكثر دموية في القرن العشرين، حيث أقدمت المليشيات الأرمينية من خلال مجزرة خوجالي على قتل 613 مواطنًا أذرياً دون التمييز بين الأطفال وكبار السن والنساء، بينهم كانت 106 امرأة، و70 من كبار السن، و63 طفلًا، فيما أسرت مليشيات القوات الأرمينية ألفًا و275 أذرياً، 150 منهم في عداد المفقودين حتى اليوم”.
وتابع “لقد نجا من هذه المجزرة البشعة 487 شخصاً ولكنهم أصيبوا بجروح بالغة، بينهم 76 طفلاً، فيما اختفت 8 عائلات بالكامل خلال المذبحة ولا نعرف شيئاً عنهم إلى يومنا هذا، وفقد 25 طفلاً كل والديهم في هذه المجازر، فيما فقد 130 طفلاً أحد والديهم”.
وزاد موضحا أنه “بالإضافة إلى القتل والتهجير والتدمير التي مورست ضد أتراك أذربيجان في منطقة قره باغ، بلغت قيمة الأضرار التي لحقت بالدولة الأذرية بسبب الاحتلال أكثر من 170 مليون دولار”.
وقال أيضا “تُبين فحوصات الطب الشرعي وشهادات الشهود العيان على المذبحة، تثبت بوضوح بتعرض أتراك الأذربيجان في مدينة خوجالي للتعذيب الوحشي الجسدي على يد العصابات والجيش الأرميني، مثل سلخ جلد الرؤوس وقطع الأنف والآذان والأعضاء التناسلية وقلع العيون، وتظهر الصور والتسجيلات المصوَّرة التي التقطت في ذلك الوقت، تعرض الضحايا لقطع رؤوس وحرقها وفتح بطون النساء الحوامل، ما كشف هول المذبحة ووحشية المجرمين دون تمييز بين الأطفال والنساء وكبار السن”.
ومضى قائلا “الميليشيات الأرمينية احتلت قره باغ والمناطق المجاورة بقوة السلاح، مستخدمة الأسلحة الروسية قبل حوالي 30 عاما، وبمساعدة لوبي الجاليات الأرمينية المنتشرة في أوروبا وخاصة في فرنسا وأمريكا وغيرها، بالمال والدعم اللوجستي على صعيد الإعلام”.
وأضاف أنه “إذا عدنا للخلف قبل ثلاث سنوات، كان هناك تصاعد للهجمات من قبل القوات الأرمينية والمليشيات والعصابات الأرمينية الانفصالية على المدنيين الأذريين، وقصف للقرى الواقعة على خط التماس بالأسلحة الثقيلة، وكان يوم 27 أيلول/ سبتمبر 2020، بمثابة القشة الأخيرة التي قضت على أحلام الأرمن بالتوسع واستمرار الاحتلال لأكثر من 20% من أراضي أذربيجان، حيث بدأ الجيش الأذري البطل عملية مضادة في نفس اليوم بأمر من الرئيس إلهام علييف، وحرر القسم الأكبر من الأراضي المحتلة في قره باغ وبقية مدينة خانكندي والبلدات المجاورة لها”.
وزاد بالقول “والآن وبعد تحرير كامل الأراضي المحتلة في قره باغ أرسلت الحكومة الأذرية، وقودا لتلبية احتياجات السكان الأرمن والمساعدات الإنسانية خلال فترة قصيرة، خاصة لأنظمة التدفئة لرياض الأطفال، والمدارس، فضلاً عن احتياجات المساعدات الطبية الطارئة وخدمات الإطفاء وكذلك تمديد شبكة الكهرباء في إقليم قره باغ، ولم تمارس القتل والتدمير والتهجير الممنهج كما فعل الميليشيات الأرمينية قبل أكثر من 30 عاما”.
وختم قائلاً “شكّل إقليم ناغورنو قره باغ الاذري الذي يقطنه الاذربيجانيون والأرمن محور نزاع مديد، وخاضت الجمهوريتان السوفيتية السابقتان، أذربيجان وأرمينيا، حربان بشأنه، إحداها بين 1988 و1994 راح ضحيتها 30 ألف قتيل، والثانية في 2020 انتهت بالهزيمة الساحقة لأرمينيا، ومن خلال هذا الاحتلال، تسببت أرمينيا في تهجير نحو مليون من أتراك أذربيجان من أراضيهم ومدنهم وقراهم وبلداتهم، ولكنهم يعودون إليها مرة أخرى بعد تحريرها من رجس العصابات والمليشيات الأرمينية الانفصالية”.
وطوال سنوات الصراع، وردت تقارير عديدة عن قيام القوات الأرمينية بقصف المناطق المدنية في البلدات والقرى الأذرية القريبة من الخطوط الأمامية، وقد تسببت هذه الهجمات في وقوع إصابات في صفوف المدنيين وانتشار الخوف بين السكان المحليين، حسب مراقبين.
وكانت إحدى العواقب الأكثر مأساوية للصراع في قره باغ هي التهجير القسري للسكان الأذريين من منازلهم، حيث كان لهذا النزوح تأثير مدمّر في حياة هؤلاء الأفراد، إذ اقتُلعوا من مجتمعاتهم وتُركوا لمواجهة مستقبل غامض كنازحين، وفق المراقبين كذلك.
وقبل أيام، تواجهت أرمينيا وأذربيجان خلال جلسة مجلس الأمن الدولي بشأن ملف ناغورني قره باغ، إذ شدد الوزير الأرميني الذي تحدث أولا، أنه لا يوجد “طرفان في هذا الصراع بل معتدٍ وضحية”، فيما ندد نظيره الأذري بـ”حملة تضليل” تشنها أرمينيا المتهمة بـ”إمداد الانفصاليين ودعمهم” في ناغورني قره باغ، واصفا مجلس الأمن بأنه “منحاز”.
من جهتها طالبت فرنسا أذربيجان بتقديم “ضمانات ملموسة” لإحلال السلام في هذه المنطقة.
وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي أحمد حسن لـ “وكالة أنباء تركيا”، إن “ما يحصل حاليا من تصريحات يعكس كيف تقلب الحقائق لأجل السياسة في العالم، فرغم أن الأرمن محتلون بقرار الأمم المتحدة إلا أن عدة دول تعاملت بالعكس على أنهم تعرضوا لترحيل قسري وهي مخالفة صريحة للواقع القانوني والسياسي وواقع الأرض”
وأشار إلى أن “أذربيجان ضربت مثلاً جيداً جدا للتعامل مع الخصوم بعكس ما تعاملوا به، لأن الهدف هو ضمان السلام في المنطقة، لذلك يمكن أن يضاف هذا التعامل الإنساني كانتصار سياسي وأخلاقي مع الانتصار العسكري والأمني الذي حققته أذربيجان وحلفاؤها”.
يشار إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هنأ الجيش الأذري المنتصر على “نجاحه التاريخي وموقفه الإنساني تجاه المدنيين”.
وأكد أنه “مع النصر الأخير (العملية ضد الإرهاب في قره باغ قبل نحو أسبوع) فُتحت نوافذ فرص جديدة من أجل تطبيع شامل في المنطقة”.
ودعا الرئيس أردوغان أرمينيا إلى مصافحة يد السلام الممدودة إليها واتخاذ خطوات صادقة لإحلال السلام في المنطقة.