تقاريرهام

الجيش التركي في غزة.. فكرة تراود الكثيرين فما هي فائدتها وما مدى إمكانية تحققها؟ (تقرير)

تباينت الآراء حول مسألة يصفها مراقبون أنها “على درجة عالية من الأهمية”، كونها تتعلق بالقضية الفلسطينية والتطورات التي تعيشها غزة من جراء العدوان الإسرائيلي عليها خلال الأيام الماضية والتي جاءت عقب عملية “طوفان الأقصى”.

وتتلخص المسألة بفكرة إرسال قوات من الجيش التركي إلى غزة كقوات سلام، وفيما إذا كانت هذه الفكرة قابلة للتطبيق بالاتفاق مع كل الأطراف المعنية أم لا.

بعض الآراء تشير إلى أن “الفكرة قابلة للتطبيق نظريًا، ولكن هناك العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها قبل أن تصبح حقيقة واقعة”.

آراء أخرى ترى أنه “يجب أن تتوافق الفكرة مع مصالح جميع الأطراف المعنية، فتركيا لديها مصالح سياسية واقتصادية في المنطقة، ومن المرجح أن تدعم فكرة إرسال قوات إلى غزة إذا كانت تعتقد أن ذلك سيساعد بتحقيق أهدافها، أما إسرائيل فهي تعارض أي تدخل تركي في قطاع غزة، لأنها ترى ذلك تهديدًا لأمنها القومي، في حين أن السلطة الفلسطينية، فهي تدعم أي جهود تهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة”.

محللون ومراقبون يرون أنه “يجب أن يكون هناك دعم من المجتمع الدولي لإرسال قوات تركية إلى غزة، فالولايات المتحدة ودول غربية أخرى تعارضان أي تدخل تركي في المنطقة، ولذلك، يجب على تركيا أن تجد طريقة لكسب دعم المجتمع الدولي، أو على الأقل عدم معارضته”.

ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يكثف من اتصالاته بعدد من قادة الدول لتباحث تطورات الأوضاع الفلسطينية، مؤكدا أنه يتعين على الدول كافة رفع صوتها لضمان وقف إطلاق النار في غزة في أقرب وقت، وأن الاشتباكات باتت تشكل تهديداً للسلام العالمي.

كما أكد أردوغان أن “تركيا ستسعى لمنع إراقة مزيد من دماء الأبرياء ومنع وقوع مزيد من المآسي الإنسانية وحل الصراعات في فلسطين قبل أن تصل إلى نقطة اللا عودة”.

وأعقب تصريحات أردوغان، تصريحات لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي أكد قائلا “لن نسمح مطلقاً باستمرار معاناة الفلسطينيين، ولن نتغاضى عن مثل هذه الجرائم سواء كانت ضد الفلسطينيين أو أي أحد آخر”.

ورصدت “وكالة أنباء تركيا” آراء محللين وناشطين للتعقيب على فكرة إرسال قوات من الجيش التركي إلى غزة، حيث قال الباحث السياسي رشيد حوراني، إنه ” لا يوجد جو دولي عام يدعو لإدخال قوات إلى غزة، إنما نراه هو تقديم دعم عسكري كبير للجانب الإسرائيلي من أمريكا وبعض الدول الأوروبية فقط، أما عن إرسال قوة من الجيش التركي فهو ممكن في إطار عمل لحلف الـ (ناتو) على غرار ما فعلته بإرسال كتيبة إلى كوسوفو”.

وأضاف “لكن الوضع في غزة يختلف عما هو في كوسوفو، ولذلك لا أرى إمكانية أن تركيا قادرة على فعل ذلك، كما أنه لا يمكنها إرسال قوات داعمة لحلفائها على غرار ما فعلته في ليبيا”.

ورأى أنه “من الممكن إرسال قوة لأغراض العمل الإنساني”، متابعا “وحتى هذه أرى أن فرص تركيا لفعل ذلك قليلة بسبب بدء بعض المنظمات الغربية بالقيام بهذا العمل وتعنت الجانب الإسرائيلي وتهديده لمصر مثلا في حال أدخلت المساعدات”.

ورأى مراقبون أن “تركيا تريد لعب دور وساطة إلى جانب الفلسطينيين من خلال طرح نفسها كضامن لهم كما فعلت مع أتراك قبرص”، مشيرين إلى أنه “ربما يفكر صانع القرار التركي أن تؤول الأمور إلى إرسال قوة عسكرية تركية إلى فلسطين كجزء من جهود ضمان الأمن هناك على أنها ستكون خطوة متقدمة ولن تكون في مصلحة إسرائيل أبدا”، حسب موقع “الجزيرة” القطرية.

الناشط الفلسطيني عمر القيصر قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “هذا الاقتراح لن يحظى بموافقة أطراف إقليمية ودولية لما يمثله من تهديد لدولة الاحتلال وكذلك لأطراف إقليمية كمصر والأردن اللتين تتربحان من ظهر القضية الفلسطينية على مدار 76 سنة من خلال الدعم المالي من قبل الولايات المتحدة أو ما يسمى بالمال السياسي، واللتين اكتسبتا أيضا بعدا دوليا كبيرا من خلال القضية الفلسطينية، وبذلك يتراجع دورهما ويتحول ثقل القضية الفلسطينية بيد تركيا ومن خلالها قطر”.

وتابع “كذلك لن توافق على الفكرة لا إسرائيل ولا أمريكا لما يتمثل من خطر وجودي على إسرائيل، ما يؤدي إلى إمكانية الاشتباك العالية بين الأتراك والاحتلال إذا نشبت أي احتكاكات مع المقاومة، بالإضافة إلى إمكانية الاستقلال الاقتصادي عن الكيان وبناء مرفأ ومطار وإمكانية دخول دعم هائل للمقاومة بالمال والسلاح دون الحاجة إلى حدود برية مع مصر، فمصر عبر التاريخ لها ارتباط عضوي مع فلسطين ومن هنا جاءت أهميتها، إلا أن دورها الحقيقي تراجع كثيرا، لذلك استبعد قبول الاحتلال وأطراف عربية لمثل هذه الفكرة”

وتحدث مراقبون عن بعض السيناريوهات المحتملة حول فكرة إرسال قوات من الجيش التركي إلى غزة ومنها:

  • تدخل عسكري تركي: في هذا السيناريو، ترسل تركيا قوات إلى غزة لفرض السلام ووقف القتال بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وهذا السيناريو من المرجح أن يواجه معارضة شديدة من إسرائيل، وقد يؤدي إلى صراع مسلح بين الجيشين التركي والإسرائيلي.
  • تدخل تركي بموافقة إسرائيل: في هذا السيناريو، تحصل تركيا على موافقة إسرائيل على إرسال قوات إلى غزة، وفي هذه الحالة، من المرجح أن يكون التدخل التركي أكثر سلمية، وقد يساعد في تحقيق الاستقرار في المنطقة.
  • تدخل تركي برعاية الأمم المتحدة: في هذا السيناريو، ترسل تركيا قوات إلى غزة برعاية الأمم المتحدة، وفي هذه الحالة، من المرجح أن يكون التدخل التركي أكثر قبولًا من الأطراف المعنية، وقد يساعد في تحقيق سلام دائم في المنطقة.

من جهته، قال الحقوقي عبد الناصر حوشان لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “الفكرة قابلة للتطبيق لكن تحتاج إلى موافقة دولية، لأن ما يجري في غزة هو عدوان على الشعب الفلسطيني، وما يجري هو نزاع دولي مسلح”.

وأضاف “يمكن أن يدخل الجيش التركي إلى غزة في حال تم عقد اجتماع وجلسة طارئة للجمعية الأمم المتحدة، واعتبار أن العملية الإسرائيلية على غزة هو عدوان، عند ذلك يمكن لأي دولة في العالم تقديم المساعدة لغزة دون موافقة أحد وإرسال قوات إلى غزة لحماية المدنيين”.

وأشار حوشان إلى أنه “يمكن أن يحصل ذلك في حال كان هناك تحرك من مجلس الأمن الدولي ومنح تفويض بالتدخل العسكري تحت الفصل السابع لفض النزاع أو لفرض وقف لإطلاق النار في المنطقة، ويمكن لمجلس الأمن تكليف تركيا أو دولة أخرى بنشر قواتها هناك، حسب تعبيره.

واعتبر أن “دخول القوات التركية سيقلب كل الموازيين لأنه بالأصل هناك إجماع دولي غربي ونية لإبادة سكان غزة وطردهم من المنطقة إلى سيناء وباتجاه مصر وضم غزة للأراضي المحتلة، وبالتالي يمكن لتركيا منع إسرائيل من تحقيق أهدافها،”.

ولفت حوشان إلى أنه “يمكن لتركيا أن تتدخل باعتبارها عضو في الـ (ناتو)، ويمكن إيجاد طريقة ما لإيجاد طريقة ما للتفاهم مع الدول الأعضاء في الحلف وفق تفاهمات مع دول الحلف، وفق رأيه، مؤكدا أن “تركيا لن تترك غزة لوحدها وذلك لأسباب عدة على رأسها الأسباب التاريخية”.

وسيكون لتدخل قوات من الجيش التركي إلى غزة آثار كبيرة على المنطقة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فمن الآثار الإيجابية المحتملة للتدخل التركي:

  • وقف القتال بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية: يمكن أن يؤدي التدخل التركي إلى وقف القتال المستمر بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، مما يؤدي إلى استقرار المنطقة.
  • تحسين الأوضاع الإنسانية في غزة: يمكن أن يساعد التدخل التركي في تحسين الأوضاع الإنسانية في غزة، من خلال تقديم المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار.
  • تعزيز الاستقرار الإقليمي: يمكن أن يساعد التدخل التركي في تعزيز الاستقرار الإقليمي، من خلال لعب دور وساطة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية.

ومن الآثار السلبية المحتملة للتدخل التركي حسب مراقبين:

  • تصاعد التوتر بين تركيا وإسرائيل: يمكن أن يؤدي التدخل التركي إلى تصاعد التوتر بين تركيا وإسرائيل، ما قد يؤدي إلى صراع مسلح بين البلدين.
  • رفض المجتمع الدولي للتدخل التركي: يمكن أن يرفض المجتمع الدولي التدخل التركي، ما قد يؤدي إلى عزل تركيا في المنطقة.

وبشكل عام، فإن الآثار المحتملة للتدخل التركي إلى غزة غير مؤكدة، وستعتمد على العديد من العوامل، بما في ذلك طبيعة التدخل التركي وموقف الأطراف المعنية، حسب مراقبين.

بدوره، قال المحلل السياسي محمد اليمني لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “لدى الرئيس أردوغان النية والرغبة القوية بإرسال قوات من الجيش التركي إلى غزة، ولكن السؤال هل ستساعد هذه القوات محور المقاومة ومعظم الكتائب أم لا؟، وإن كانت الرغبة القوية متواجدة وقابلة للتنفيذ والتطبيق من قبل أردوغان فهذه ستغير موازين كثيرة في هذه الحرب بين الاحتلال الإسرائيلي وبين محور المقاومة”.

ورأى أن “ما يجري هو بداية شرارة حرب شاملة إقليمية بدأت من العراق ومن ثم لبنان وكذلك سوريا واليمن”، لافتا إلى أن “السؤال الأبرز اليوم هو ما مدى قابلية تحقيق فكرة إرسال قوات من الجيش التركي إلى غزة؟”.

تواجد الجيش التركي في غزة، لو حصل في وقت ما، فإنه بكل تأكيد سيكون له تداعيات إيجابية لصالح القضية الفلسطينية والسلام في المنطقة، ولصالح الراغبين بكبح آلة القتل الإسرائيلية.

ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، تواصل إسرائيل شن عدوان مكثفة على المدنيين في قطاع غزة، مخلفة آلاف الشهداء والجرحى، إلى جانب تعمدها قطع إمدادات المياه والكهرباء والغذاء والأدوية.

وردا على اعتداءات إسرائيلية يومية بحق الشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة، أطلقت “حماس” وفصائل فلسطينية أخرى في غزة عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري حيث اقتحمت في بدايتها مستوطنات ومواقع عسكرية إسرائيلية في غلاف قطاع غزة محققة نتائج ملموسة.

زر الذهاب إلى الأعلى