تقاريرهام

اتفاقيات أبراهام لـ”السلام والمحبة” مع إسرائيل.. حبر على ورق تحول لدماء ومجازر في غزة (تقرير)

قال عاقدو “اتفاقيات أبراهام” إنها “ستؤدي إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط”، وذلك من خلال تطبيع العلاقات بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ودول عربية، وتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني بين هذه الدول.

ومع ذلك، فإن ما يجري في فلسطين منذ إبرام هذه الاتفاقيات يشير إلى عدم التزام المطبعين بها تجاه ما يجري في فلسطين، ففي الوقت الذي يتحدث فيه المطبعون عن السلام والتعاون، فإنهم يغضون الطرف عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وعن انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الاحتلال ضد الفلسطينيين.

ووسط كل ذلك يطفو على السطح أسئلة عدة منها: أين هي هذه الاتفاقيات من مجازر غزة؟ وأين دعوتها للسلام والمحبة؟ وهل تبين أنها مزيفة وبدون أي قيمة؟.

المحلل والمفكر الاستراتيجي الجزائري بودراع رضا، قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “الاتفاقات تأتي في حالتين فقط حالة السلم وحالة الحرب، ففي السلم تكون قائمة على المصالح المشتركة، وفي الحرب تقوم على فرض إرادة الأقوى وإخراج إرادة الخصم من الفعل المقاوم، فالاستسلام بمقابل أو بدونه  يكون هو عنوان الاتفاقية”.

وأضاف رضا أنه “عندما نحاول توصيف اتفاقية أبراهام من حيث التشخيص والمبدأ، نجد أنها جاءت ضمن سلسلة اتفاقات يحكمه صراع طويل بين احتلال وشعب محتَل، وهذه السلسلة بدأت أولا بوعد بلفور  وكان شعارها شعب بلا أرض.. وجد أرضا بلا شعب”.

وتابع “وثانيا النكبة، وكان شعارها إسرائيل من الفرات إلى النيل، ثم اتفاقية السلام بأوسلو التي سميت باتفاقية الشجعان وكان شعارها السلطة المحدودة مقابل السلام، وصولا إلى اتفاقية أبراهام و شعارها التطبيع مقابل الازدهار”.

وزاد رضا قائلاً “لسنا بحاجة لنبش الكثير من الأسرار لمعرفة الهدف، فقد أعلنه نتنياهو على منبر الأمم المتحدة ورفع خريطة الشرق الأوسط الجديد  وفيها الحدود  الجديدة لإسرائيل الكبرى وليس فيها فلسطين كلياً”.

وختم قائلاً “إذا كل تلكم الاتفاقات المتسلسلة كانت ضمن خطة متدرجة الهدف منها تصفية القضية الفلسطينية سياسياً”.

يشار إلى أن 4 دول عربية، هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، وقعت اتفاقيات لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بوساطة أمريكية، وذلك عام 2020، وأطلق عليها اسم “اتفاقيات أبراهام”.​​​​

عام 2021، شدد رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن “اتفاقية أبراهام لا تتلاءم مع سياسة قطر لأنها لا تقدم أي أفق لإنهاء الاحتلال”.

وتابع “لا يمكن الاعتماد على التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل ما دام الاحتلال قائما”.

وشدد المسؤول القطري قائلا “بالنسبة لسياساتنا الخارجية فخطوات اتفاقية أبراهام لا تتلاءم معنا، حاليا لم نشهد السلوك والموقف المناسبين من إسرائيل للتوصل لحل سلمي مع الفلسطينيين، وهذا هو جوهر المشكل بين الدول العربية وإسرائيل، وهو احتلال الأراضي الفلسطينية”.

ويرى مراقبون أن عدم التزام المطبعين باتفاقيات التطبيع أبراهام تجاه ما يجري في غزة ستؤدي إلى عدة آثار سلبية، منها: استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، مما يؤدي إلى استمرار معاناة الشعب الفلسطيني، وإلى تفاقم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مما قد يؤدي إلى اندلاع مواجهات جديدة بين الجانبين، كما يؤدي عدم الالتزام باتفاقيات التطبيع إلى ضعف الموقف العربي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، مما قد يسهل على إسرائيل تحقيق المزيد من المكاسب، وفق تعبيرهم.

ومنذ بدء انطلاقة قطار التطبيع العربي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، عبّر ناشطون فلسطينيون ومحللون ومراقبون عن الخشية من تبعات هذه الاتفاقيات، معتبرين أنها “ستعطي إسرائيل قوة للاستقواء على الشعب الفلسطيني وقيادته، وتستغله لتسريع تهويد القدس والأقصى المبارك، وسوف تعتبره دعما لمواقفها العدوانية”.

كما وطالب الرافضون لهذه الاتفاقيات التّطبيعيّة مع الكيان الصّهيوني، الدول المطبعة بعدم الاستجابة للضّغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكيّة، مؤكدين أنّ وقوف الحكومات مع شعوبها الرّافضة للتطبيع هو الضّمانة لها والحماية لوجودها وليس الارتماء في أحضان العدوّ الصّهيونيّ والخضوع للإملاءات الأمريكية، وفق رؤيتهم.

وتحدث بعض المراقبين عن أسباب عدة لعدم التزام المطبعين باتفاقيات التطبيع أبراهام تجاه ما يجري في غزة، منها: أن الدول المطبعة تسعى إلى تحقيق مصالح اقتصادية وأمنية من خلال التطبيع مع إسرائيل، ولذلك، فإنها تغض الطرف عن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، وذلك من أجل الحفاظ على هذه المصالح، وهي حبر على ورق أنتج دماء ومجازر في غزة.

ومن الأسباب الأخرى، أن الولايات المتحدة الأمريكية تمارس ضغوطاً على الدول المطبعة لضمان التزامها باتفاقيات التطبيع، ولذلك، فإن هذه الدول تلتزم بشكل ظاهري بهذه الاتفاقيات، لكنها في الواقع لا تقوم بتنفيذها على أرض الواقع.

يضاف إلى تلك الأسباب، المواقف السياسية الداخلية، إذ تواجه بعض الدول المطبعة معارضة داخلية لقرار التطبيع مع إسرائيل، ولذلك، فإن هذه الدول تحاول التقليل من حدة هذه المعارضة من خلال عدم التركيز على القضية الفلسطينية.

بدوره، قال الكاتب الصحفي عدنان أبو شقرة لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “بالنسبة لهذه الاتفاقيات، فنحن نعلم أنها لو لم تكن لمصلحة إسرائيل لما تم توقيعها، ونعلم أن هذه الاتفاقات هي اتفاقات سلام اقتصادي وسلام مقابل السلام ولن تفيد الدول العربية إلا بزيادة القمع على شعوبها”.

وتابع “القضية الثانية التي كنت أعتبرها من القضايا الخطيرة في هذه الاتفاقيات، هي عملية تطبيع الوعي العربي برؤية الصهيوني في الدول العربية، وكأن الأمر تحصيل حاصل، وبالتالي هنا تكمن خطورة الأمر بأن تجعل غير الطبيعي طبيعي في هذا الموضوع”.

ومضى قائلاً “النقطة الثالثة، هي أن الدول التي وقعت هذه الاتفاقيات هي دول وظيفية، أي عندها وظيفة بالأساس وهي خدمة الاستعمار”، متابعا “ونعلم أن جزءً من هذه الدول لم يكن لها دور فاعل بقضايا الأمة ولكنها كانت متأمرة دائما على هذه الأمة، ولذلك لا تستغرب إذا تمت المجازر في غزة”.

وزاد قائلاً “إن أخذنا الإمارات على سبيل المثال، فإن الشيخ زايد كان يتحدث عن فلسطين ويدعم فلسطين ولكن من بعده انتهت القضية، وأصبحت فلسطين بالنسبة لجزء من الدول العربية قضية لخراب علاقتهم مع الدول الغربية، وباتوا يُحملون القضية الفلسطينية مسؤولية فشلهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وحاليا ما يجري في غزة جرى في لبنان عام 1982، وبعدها أدت إلى مجازر صبرا وشاتيلا ولم يتحرك العرب في ذاك الوقت ولم يكونوا يريدون أن يتحركوا، وهذا ما يجري حاليا في غزة”.

ولفت إلى أن “هذه الاتفاقيات ليست اتفاقيات ستؤدي إلى سلام بل اتفاقيات استسلام للجانب الصهيوني، ومن كان يظن أن إسرائيل والكيان الصهيوني حريص على إقامة سلام فهو لا يقرأ ما يكتبون هم، فنتنباهو قال لن نقيم دولة فلسطينية وما يمكن فعله مع الفلسطينيين هو سلام مقابل سلام ولكن ضمن السيطرة الصهيونية على الأراضي الفلسطينية”.

وبيّن أن “الصهيوني يهتم بالسلام فقط في حالة واحدة، عندما تفرض عليه بقوة السلاح، ولكن هو لن يسالم، فالقضية عند الكيان الصهيوني أنه يعتبر أن أي خسارة له في أي معركة هو أنه أصبح مهدد موجوديا، وقد رأينا ذلك في معركة طوفان الأقصى”.

وذكر أن “المعركة تراها إسرائيل مع الدول العربية بأنها معركة حدود من لبنان إلى سوريا إلى الأردن إلى مصر، ولكن المعركة مع الشعب الفلسطيني تراها معركة وجود، ولذلك نرى هذا الاستشراس وهذا القتل وهذا الإجرام ضد الشعب الفلسطيني في غزة، ومن يظن بعد كل ما جرى أن الكيان الصهيوني حريص على السلام يجب أن يراجع عقله”.

وختم أن “بعض القيادات العربية تعرف ما طبيعة هذا الكيان لسبب بسيط هو أنها كيانات وظيفية في خدمة المستعمر، وهي تعرف أن الكيان الصهيوني هو آخر قاعدة استعمارية للغرب في منطقتنا ولذلك يأتي الحرص عليها من كل الأطراف، ولكن السلام لا يكون إلا بحل واحد إما نحن أو نحن”.

ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تواصل إسرائيل شن عدوان مكثفة على المدنيين في قطاع غزة، مخلفة آلاف الشهداء والجرحى، إلى جانب تعمدها قطع إمدادات المياه والكهرباء والغذاء والأدوية.

وردا على اعتداءات إسرائيلية يومية بحق الشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة، أطلقت “حماس” وفصائل فلسطينية أخرى في غزة عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري حيث اقتحمت في بدايتها مستوطنات ومواقع عسكرية إسرائيلية في غلاف قطاع غزة محققة نتائج ملموسة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى