تقاريرهام

شهر على “طوفان الأقصى”.. التزام تركي أخلاقي وإنساني بالوقوف مع غزة (تقرير)

تسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وحتى ما قبل ذلك التاريخ، بموجة غضب تركية لم تهدأ، وما زاد من حدة تلك العاصفة تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومواقفه الداعمة لغزة وسكانها في وجه الاحتلال الإسرائيلي.

فالرئيس أردوغان، وعدة مسؤولين أتراك آخرين عبروا عن موقفهم المناهض للعدوان الإسرائيلي على غزة، وطالبوا بوقف العنف والحفاظ على الحقوق الإنسانية للفلسطينيين.

كان من أبرز ما لفت أنظار العالمين العربي والإسلامي، خطاب أردوغان من ولاية إسطنبول يوم 28 تشرين الأول/أكتوبر 2023، والذي وصفته الأوساط السياسية والدبلوماسية بـ”الخطاب الناري” نصرة لمدينة غزة وما تتعرض له من انتهاكات إسرائيلية، ففي ذلك الخطاب وصف أردوغان دولة الاحتلال الإسرائيلي أنها “مجرمة حرب”، منددا في ذات الوقت بالدعم الغربي والأوروبي لجرائمها بحق الفلسطينيين عامة وسكان غزة خاصة.

ولم يقف أردوغان عند هذا الحد، بل أكد أن “وقف المجازر في قطاع غزة الفلسطيني والحفاظ على المقدسات الإسلامية واجب على عاتقنا”، مضيفاً “لم نترك إخواننا في فلسطين في الماضي ولن نتركهم في المستقبل”.

ولا يقتصر الأمر فقط على موقف أردوغان من التطورات في غزة بعد شهر على انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، بل كانت الدبلوماسية التركية منتفضة لأجل لفت أنظار العالم لما يجري في غزة للتحرك والضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي ومن يدعمها لوقف المجازر بحق الفلسطينيين هناك.

رئيس البرلمان التركي نعمان قورتولموش، أكد أن داعمي إسرائيل في هجماتها على غزة يتحملون المسؤولية أمام التاريخ عن الدماء المراقة، معربا عن رفض تركيا شن الهجمات على المدنيين بغض النظر عن الجهة المستهدفة.

وأوضح  قورتولموش في تصريحات عدة أن تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، تبذل جهوداً لتحقيق سلام دائم وعادل فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأن إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس على حدود عام 1967، والإبعاد الفوري للمستوطنين المغتصبين لمنازل الفلسطينيين ومحلاتهم وقراهم، وضمان حماية الأماكن المقدسة، وبخاصة المسجد الأقصى شرط للحل السياسي للقضية الفلسطينية.

وفي سياق المواقف التركية، يؤكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، وفي كل محفل عربي أو دولي، أنه “يجب منع إسرائيل من استهداف المدنيين وتهجير السكان في غزة، وإعلان وقف كامل لإطلاق النار على الفور”.

ومنذ “طوفان الأقصى” لم يهدأ هاكان فيدان الذي بات يوصف بأنه “رأس الدبلوماسية التركية”، والذي بدأ منذ ذلك الوقت بإجراء مجموعة من الاتصالات مع عدد من المسؤولين والوزراء، بهدف مناقشة تطورات الأوضاع في فلسطين والعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.

الكاتب والمحلل السياسي أحمد العربي، قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “تركيا تاريخيا ومنذ السلطان عبد الحميد اتخذت موقفا ضد زرع الكيان الصهيوني في فلسطين، وبعد تأسيس الكيان التزمت تركيا جانب القبول بالكيان لكونه أصبح أمرا واقعا مقبولا دوليا من الغرب والشرق خاصة، وأنها كانت ولا تزال منتمية لحلف شمال الأطلسي”.

وتابع “وفي عهد أردوغان وحزب العدالة والتنمية، أخذت مواقف تركيا من القضية الفلسطينية تقترب من المطالبة بالعدالة في التعامل مع حقوق الفلسطينيين، خاصة عندما تتصاعد الصراعات بين الكيان والمقاومين في غزة، كما وزاد التوتر بين الكيان وتركيا بعد مهاجمة سفينة مرمرة التركية التي كانت تحضر مساعدات للمدنيين في غزة عام 2010، ضمن أسطول الحرية الذي ذهب لفك الحصار عن أهل غزة أيضا، حيث وقع عدد من الضحايا، وكان الموقف التركي قاسيا من الكيان الصهيوني ولم يتنازل عن حقوق الضحايا ولا عن الاعتذار من الدولة التركية عن هذا الاعتداء، وهذا ما حصل بعد سنوات”.

وأفاد أن “تركيا التفتت في عهد الرئيس أردوغان إلى تصفير المشاكل مع كل العالم وخاصة دول الجوار، و تقوية مصادر تمويلها، لذلك تواصلت مع الكيان الصهيوني للبحث والتنقيب عن النفط والغاز في حوض البحر الأبيض المتوسط، وباشرت بذلك، ولذلك حصلت زيارات متبادلة بين مسؤولي الكيان الصهيوني والدولة التركية، وكانت زيارة أردوغان إلى الكيان وزيارة نتنياهو إلى تركيا على جدول الأعمال”.

ومضى قائلاً، إن “طوفان الأقصى وتداعياتها والهجوم الصهيوني الهمجي على غزة وأهلها، وضع تركيا ورئيسها أمام التزامها الأخلاقي والإنساني والحقوقي لفلسطين مجددا، وظهرت مواقف التنديد وبدأت تتصاعد المواقف، شعبيا ورسميا، حتى وصل الرئيس إلى إعلان تشطيب نتنياهو من أجندة التعامل السياسي من قبل الرئيس أردوغان مع الكيان الصهيوني، إضافة إلى إعلان التزام تركيا أن تعمل جاهدة لأن تساعد في تحقيق مطلب الفلسطينيين بخلق دولتهم على جزء من فلسطين، وهذا على المستوى البعيد”.

وزاد قائلا “أمّا على المستوى المباشر، فقد تحركت الجهات الإغاثية التركية وكذلك الدولة وبدأ بشحن أسطول جوي إغاثي إلى مصر، حيث يتم عبورهم عبر معبر رفح إلى غزة المنكوبة، كما بدأ الرئيس أردوغان حملة دولية وتواصل مع مصر وقطر والإمارات والسعودية وغيرهم من دول العالم، وعمل للقاء وزراء المؤتمر الإسلامي، وكل ذلك لتخفيف الضغط عن غزة، ووقف إطلاق النار، وإيقاف حرب الإبادة الموجهة عليها”.

ومساء الأحد 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، ومع استمرار شنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي “حرباً مدمرة” على غزة، تَوجَّه المصلون في 90 ألف مسجد بعموم تركيا بعد صلاة العشاء، بالتضرع والدعاء إلى الله أن “يحفظ سكان قطاع غزة من كل سوء”.

وذكرت رئاسة الشؤون الدينية في تركيا، في بيان، أن الدعاء لسكان غزة جاء ضمن فاعلية “ندعو من أجل غزة”.

أمّا صحياً وإنسانياً، فقد أرسلت تركيا عدداً من الطائرات المحملة بالمواد الإغاثية وفرقاً طبية إلى جمهورية مصر تمهيداً لوصلها إلى غزة، لكن إغلاق المعبر ومنع قوات الاحتلال دخول المساعدات الإنسانية حال دون ذلك.

وأكد وزير الصحة التركي فخر الدين قوجه، أن تركيا ستنقل أكثر من ألف من الذين يحتاجون إلى علاج عاجل من المرضى والجرحى من مشافي غزة عبر معبر رفح إلى تركيا.

الحقوقي عبد الناصر حوشان، قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “طوفان الأقصى كان مفاجئاً للجميع وأصابهم بالإرباك والذهول انعكست على تصريحات القادة وكبار المسؤولين في العالم ومنها تركيا التي وقفت موقفاً مبدأيا كعادتها في دعم القضيّة الفلسطينيّة عبر الطرق الدبلوماسيّة، وهذا ما تجلّى بزيارة وزير الخارجيّة التركي، إضافة إلى اتصالات الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي رافقها تصعيد إعلامي وسياسي وشعبي داخلي، وكان آخرها اعتصام الآلاف من الشعب التركي أمام قاعدة أنجرليك”.

وتابع “وتدرج الموقف الرسمي بين التحذير والاحتجاج وبين سحب سفيرها أو طرد السفير الإسرائيلي، وهذا ما وصل إليه الموقف التركي، وأعتقد أن تركيا تعمل حالياً استناداً إلى مكانتها في المعادلة الدوليّة التي اكتسبتها من خلال تجاربها في إدارة عدد من النزاعات الإقليمية والدوليّة، على وضع خطة دوليّة أو إقليمية للتدخل لحماية سكّان غزة ووقف العدوان، من خلال تفعيل عدد من الخيارات القانونيّة الدوليّة المتاحة، ومنها واجب التدخّل لإنقاذ سكّان غزّة من جريمة الإبادة الجماعيّة الذي يوجب على جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة القيام به، ومن  الضغط على المجتمع الدولي لوضع حل نهائي للاحتلال”.

والسبت الماضي، أعلنت وزارة الخارجية التركية في بيان، استدعاء السفير التركي في تل أبيب، شاكر أوزكار طورونلار، للتشاور بسبب “عدم استجابة الجانب الإسرائيلي لمطالب وقف إطلاق النار، ومواصلته الهجمات على المدنيين”.

وأضاف البيان أن استدعاء السفير التركي جاء أيضاً بسبب “عدم سماح إسرائيل بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بشكل دائم ومتواصل، ومع الأخذ بعين الاعتبار الكارثة الإنسانية في غزة”.

وفي كل وقت وحين، تؤكد تركيا دعمها للمقاومة الفلسطينية وتصفها بأنها “الأمل الوحيد” للشعب الفلسطيني لتحقيق حقوقه، كما أن تركيا تنظم عدة فعاليات تضامنية مع الشعب الفلسطيني، منها مسيرات واحتجاجات وحفلات موسيقية، وتدعو دائما إلى عقد مؤتمر دولي لبحث الأزمة الفلسطينية.

زر الذهاب إلى الأعلى