كشفت عملية “طوفان الأقصى” وبعد مرور شهر على تنفيذها من قبل المقاومة الفلسطينية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، عن الوجه الحقيقي للغرب والدول الأوروبية التي تدعم وتشجع “آلة الجرائم الإسرائيلية بدعوى حق الدفاع عن النفس”.
منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تستمر الغارات الإسرائيلية المكثفة على قطاع غزة، في عدوان إسرائيلي أسفر، حتى اليوم الثلاثاء، عن استشهاد أكثر من 10 آلاف فلسطيني قرابة نصفهم من الأطفال، حسب وزارة الصحة الفلسطينية، دون أن يكون هناك أي تحرك غربي أو أوروبي لإيقاف آلة القتل تلك، وفق ناشطين فلسطينيين.
عقب عملية “طوفان الأقصى” انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الموقف الأوروبي الداعم لدولة الاحتلال وجرائمها بحق سكان غزة، في حين استنكرت الدبلوماسية التركية ازدواجية المعايير الأوروبية والغربية في تعاملها مع ملف غزة والمجازر المرتكبة بحق الأطفال، والتي تؤيد بشكل كامل قتل الفلسطينيين على يد قوات الاحتلال.
وقال الناطق باسم حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، عمر تشليك في بيان، إن “من يقول ببساطة إن “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها دون أن يعترف بحق الحياة لسكان غزة، هو أحد مرتكبي هذه الجرائم ضد الإنسانية”، مشيراً إلى أن “أولئك الذين يقولون إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسه بعد كل مذبحة يقتل فيها الأبرياء، هم الداعمون الحقيقيون لآلة القتل هذه”.
ولم يقتصر الدعم الأوروبي والغربي لدولة الاحتلال إسرائيل على الزعماء والدبلوماسيين الغربين، سواء من الرئيس الأمريكي جو بايدن، أو مسؤولين بارزين في الاتحاد الأوروبي ودول غربية عدة، بل امتد إلى الماكينات الإعلامية الغربية أيضاً.
وقال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون، إن “شركات الإعلام الكبرى في الدول الغربية شرعت في بذل جهود ضخمة ومخزية لإخفاء المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي عن الرأي العام”، حسب موقع TRTعربي.
وأكد أن “التاريخ لن يغفر أبداً هذا النفاق، وعندما يحين الوقت سينكشف هذا الشر وأسباب هذا الشر للظالمين والذين يصمتون في وجه الظلم خجلاً”.
ولم تكن تركيا وحدها التي تتحدث عن زيف الأقنعة الغربية ومواقفها تجاه ما يجري في غزة، والتي كشفتها وفضحتها عملية “طوفان الأقصى”، بل كان لقطر مواقف واضحة من المواقف وردود الفعل الغربية، حيث قال وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن في تصريحات، إن “ردات الفعل الدولية على قصف إسرائيل لمدنيي غزة تكون في بعض الأحيان مخزية”.
وأكد أنه “تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية ملزمة بحل القضية الفلسطينية بشكل جذري ونهائي، على أساس إنهاء الاحتلال وتطبيق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، بما يضمن إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”.
وفي هذا الصدد، قال الكاتب والمحلل السياسي، معاذ عبد الرحمن الدرويش لـ “وكالة أنباء تركيا”، إن “الأمريكيين وشركائهم يحاولون أن يوهموا العالم أن هناك قطبين متنافسين، ولكن في الحقيقة هناك مسرحية قذرة تتقاسم دماء و ثروات (العالم الثالث) إذا صحت التسمية، يديرها مخرج واحد و كاتب واحد”.
وتابع “على الساحة السورية قدّم الغرب والأمريكان الوجه الإنساني أمام الجرائم الروسية وحلفائهم طبعا، بالتصريحات دون أي إجراء حقيقي يذكر، متذرعين باحترام قوانين مجلس الأمن، مع الغياب الكامل للقوانين والنواميس الإنسانية، لتبرير خذلانهم أمام الفيتو الروسي الصيني”.
وأضاف أنه “مع بداية طوفان الأقصى تم تبادل الأدوار، حيث أخفت روسيا أنيابها و قدمت ضواحكها لتلعب الدور الإنساني، في حين كشر الأمريكان والغرب عن أقصى حدود لأنيابهم الحادة في وجه الفلسطينيين، وتكرر نفس السيناريو تماما حيث كان الفيتو الأمريكي الغربي سدا منيعا تجاه أي مشروع روسي صيني لإدانة الإسرائيليين وحلفائهم”.
واعتبر أن “الوجه الحقيقي سواء للإنسان الفرد أو للمجتمع ليس بالأقوال والشعارات وإنما بالأفعال، فالوجه الحقيقي للغرب والأمريكان يظهر جليا اليوم في العدوان الإسرائيلي على غزة، في حين يظهر الوجه الحقيقي للروس والصينيين في حرب الإبادة السورية”، لافتا إلى أن “الإنسانية لا تتجزأ و الإنسان هو الإنسان أينما كان و مهما كانت هويته أو لونه أو عرقه، فالديمقراطية الغربية ليست إلا كذبة كبيرة ولا يؤمن بها إلا جاهل”.
ورأى مراقبون أن “طوفان الأقصى” كشفت عن ازدواجية فاضحة في تطبيق معايير حقوق الإنسان من جانب الحكومات الغربية والمنظمات الحقوقية الكبرى ذات الشهرة العالمية، حيث جاءت ردود الفعل السياسية في معظمها مناقضة لمعايير حقوق الإنسان ومبررة للعدوان الإسرائيلي ومشجعة لارتكاب مزيد من الانتهاكات، حسب تعبيرهم.
وكان من الواضح الصمت الأوروبي والأمريكي التام على قيام إسرائيل بقصف وتدمير البنى التحتية، وقطع كافة خطوط الإمداد بالخدمات الإغاثية، واستهداف المنشآت الطبية ومرافق مياه الشرب، وإحكام الحصار على قطاع غزة، ورفض دخول أي مساعدات غذائية وطبية للقطاع المحاصر.
الباحث والمحلل السياسي عمر الحسون الهاشمي قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “بالنسبة للغرب النصراني لم تكن هذه الفضيحة الأولى بتعاملهم في الملفات الدولية التي تخص المسلمين والعالم الإسلامي، فالغرب عودنا دوما بالكيل بمكيالين، فهو لا ينظر إلى قضايا المسلمين من منظور دولي بل يميعها بقرارات أممية لا يتم تنفيذها، وقد سبق وأن تحالف الغرب صليبيا فيما بينهم ضد العراق وأفغانستان، وتواطؤا مع صرب البوسنة، وحتى غزو العراق وأفغانستان، حيث كان جورج بوش الابن قد أعلنها حملة صليبية باركتها الكنيسة الكاثوليكية، وحتى بوتين عندما تدخل في سوريا أعلنها حربا صليبية، وحتى ما يحصل اليوم لغزة فقد أعلنها السيناتور الأمريكي ليندي غراهام حربا دينية على غزة تجتمع عليها كل دول أوروبا وأمريكا، وحتى نتنياهو أعلنها حربا مقدسة”، لافتا إلى أن “الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي قال في الأمم المتحدة: نذكرهم أن قضايا المسلمين لا تعنيهم وأنهم يتعاملون معها من باب الحقد الديني”.
ووسط كل ذلك، يؤكد محللون أن ازدواجية المعايير الغربية تجاه ما يجري في غزة، تُعزى الانتقادات بشكل كبير إلى عدم المساواة في التعامل مع القضايا الدولية، والانتقاء في تطبيق المعايير الإنسانية والسياسية، مشيرين إلى أن ذلك سيؤثر على مصداقية وفهم السياسات الغربية، ويسلط الضوء على ضرورة تطبيق مبادئ العدالة والمساواة بشكل أكبر وأكثر انسجامًا في جميع القضايا الدولية.
كما لفت المحللون إلى انتقائية الغرب في التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان بشكل ملحوظ، حيث يُلاحظ أن بعض الدول الغربية تستجيب بشكل مختلف لانتهاكات حقوق الإنسان حسب السياق والمصالح السياسية.