بات من المعروف أن تركيا وقطر تدعمان القضية الفلسطينية بشكل علني وصريح، الأمر الذي يعارض مصالح بعض الأطراف، مثل إسرائيل والولايات المتحدة ودول غربية وغيرها، ما يدفع تلك الأطراف لانتهاج سياسات ضد تلك الدولتين ودعم الحملات الممنهجة التي تستهدفهما بين الفينة والأخرى لكونهما “دولتان ركيزتان في أي مفاوضات وأي حل لوقف النار في غزة”.
وكان ما تحدث به رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، في منشور نشره على حسابه في منصة “إكس”، قبل يومين، دليلا على تلك الهجمة، حيث قال “هناك للأسف بعض الجهات من دول قريبة لنا تحاول التحريض على بلادي في السر والعلن سواء كان عبر لقاءات تحليلية أو بواسطة تحريض جهات خارجية، مستغلة الوضع الحالي في غزة، وهذا يدل على أن هؤلاء المحرضين لم يتعظوا من الماضي حتى الآن وأن تحريضهم لن يضعف بلادي بشيء”.
وتابع “وللأسف فإننا نجد أن هناك من يحاول النيل من بلادنا بدلا من التركيز على محاولة وقف ما يجري في غزة من فظائع وعدم استغلاله لتكتيكات آنية، وللحديث بقية”.
ولا يقتصر الضغط فقط على دولة قطر بل يمتد أيضاً إلى تركيا بسبب ثبات موقفها من قضية فلسطين، والتصعيد الأخير للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي أكد فيه أن تركيا بعكس الغرب وأوروبا لا تخشى أن تقف في وجه إسرائيل نصرة لغزة.
في حين تقول صحيفة “ناشيونال إنترست” الأميركية، إن “أردوغان الذي يرأس دولة عضوة في حلف شمال الأطلسي الـ (ناتو) لم يقف إلى جانب إسرائيل في أحلك أوقاتها كما فعل حلفاؤه الغربيون، واختار الانضمام إلى العالم الإسلامي في دعم فلسطين”.
وتابعت أن “موقف أنقرة المعادي لإسرائيل يحظى بدعم الرأي العام في تركيا، وهذا ليس أمراً خاصاً بتركيا ولكنه يمثل إلى حد كبير العالم الإسلامي”.
وحول ذلك، قال الباحث السياسي رشيد حوراني لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “الغرب وبعض الجهات العربية يهاجمون تركيا بسبب الموقف التركي فيما يتعلق بكافة القضايا الإقليمية، إذ إن تركيا تزاوج بين تحقيق مصالحها وبين وقوفها إلى جانب أصحاب القضية، كما أنها تنطلق في سياستها الخارجية بما يتناسب مع تحقيق هوية المنطقة الإسلامية التي تحاول الدول الغربية محوها وإحلال هويتها وتساعدها في ذلك بعض دول المنطقة التي تشن هجوماً على تركيا، حيث باتت تركيا تتمتع بقبول جماهيري عربي واسع”.
وأضاف أنه “بالنسبة لقطر، فالهجمة عليها يأتي بسبب الدور الدبلوماسي الآخذ بالتصاعد على مستوى الإقليم والمنطقة، فدبلوماسية الوساطة باتت قطر تمثل مدرسة لها وبموجبها يرتفع دور الدوحة الإقليمي والدولي، وهو ملاحظ في ما يجري في غزة من خلال وساطتها لدى حركة حماس لإطلاق الأسرى الأجانب”.
ويرى مراقبون أن تركيا وقطر تتمتعان بعلاقات جيدة مع العديد من الدول العربية، ما يشكل تحديًا لبعض الأطراف التي تسعى إلى عزل هاتين الدولتين عن العالم العربي، وعلى الرغم من الحملات التي تستهدف أنقرة والدوحة، إلا أن تركيا وقطر تواصلان دعم القضية الفلسطينية، وتلعبان دورًا مهمًا في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية.
وقالت المحللة السياسية عائدة بن عمر لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “تركيا وقطر هما أهم دولتين مانحتين للمساعدات الإنسانية عبر العالم وفقًا لتقرير المساعدات الإنسانية العالمية، حيث استمرت تركيا في كونها أكبر دولة مانحة في العالم عام 2018، حيث بلغت المساعدات الإنسانية الرسمية 8.399 مليار دولار أمريكي، كما واصلت تركيا أيضًا كونها الدولة الأكثر كرمًا في العالم من خلال تخصيص 0.79% من دخلها القومي للمساعدات الإنسانية في نفس العام، وفي عام 2017، بلغت هذه الأرقام 8.07 مليار دولار أمريكي و 0.85% على التوالي، أمّا قطر فإن مؤسساتها الخيرية غطت كل جغرافيا العالم بأنشطتها وفعالياتها”.
وتابعت “ولأن فلسطين قضية مركزية جوهرية في المخيال الجمعي الشعبي في كل من قطر وتركيا ويحتل حيزا كبيرا ومبدئيا في اهتمامات سياسات حكومتي الدوحة وأنقرة، فإن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني يتلقى مساعدات كبيرة في مجالات الإنشاءات والصحة والتعليم وغيرها، وتتواجد الكثير من الجمعيات والمؤسسات”.
وأشارت إلى أنه “في الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة فإن موقف الحكومة التركية موقف حازم من إسرائيل، حيث رفضت أنقرة هذا الاعتداء الغاشم الهمجي على المدنيين العزل وندّدت بالهجمات العسكرية العنيفة، إلى جانب رفضها رفضا صريحا وواضحا تصنيف حركة حماس في خانة الحركات الإرهابية، وأكدت على حق الشعب الفلسطيني في مقاومته للاحتلال الإسرائيلي، وهذا موقف أثار حفيظة فرنسا العدو اللدود والتاريخي لتركيا، وحفيظة أمريكا راعية الإرهاب الصهيوني وصاحبة التاريخ الدموي في العراق وأفغانستان وغيرها، فأمريكا التي أتت بأساطيلها وخبرائها العسكريين لرفع معنويات الجيش الصهيوني المنهار، حيث اعتبروا أردوغان راعيا للجماعات الإرهابية، لكنّ الاختلاف هنا جوهري لأن رؤية أردوغان للقضية الفلسطينية مبنية على مفهوم حق الشعوب في تقرير المصير والتحرر من كل أشكال الهيمنة والاحتلال والاستعمار، وأيضا رفض أنقرة القاطع لخطة أمريكا لتهجير سكان غزة وتصفية القضية الفلسطينية”.
ولفتت إلى أنه “ولأن أردوغان وتركيا يحظيان بشعبية كبيرة في الوطن العربي والإسلامي، ويتمتعان بثقة عالية لدى شعب فلسطين، فإن موقف تركيا موقف قوي كوسيط لوقف الحرب وإقامة اتفاقية تبادل الأسرى”، مضيفة أن “قطر كذلك معروفة بنجاحاتها الكثيرة في التدخل لإنهاء النزاعات، وما رعايتها للمفاوضات الأمريكية مع طالبان والوصول لاتفاق نهائي ينهي حربا امتدت 20 سنة إلا دليل على ذلك، دون أن ننسى علاقات قيادات حماس والمقاومة عموما الوثيقة بدوائر القرار ورجالات الحكم بكل من أنقرة والدوحة”.
وختمت أن “قطر وتركيا دولتان ركيزتان في أي مفاوضات وأي حل لوقف النار في غزة، ولا غنى عن دبلوماسيتهما النشيطة وعلاقاتهما الوثيقة بكل عواصم العالم”.
يشار إلى أن تركيا تعرضت لحملة انتقادات واسعة من بعض الدول الغربية والأوروبية، بعد أن أعربت عن دعمها لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” إثر عملية “طوفان الأقصى” والعدوان الإسرائيلي على غزة.
في حين أن هناك عدة أسباب لحملات ممنهجة ضد قطر بسبب قضية غزة ـ إضافة لما تم ذكره آنفا ـ منها سياسات الدعم المالي، حيث تعتبر قطر واحدة من الداعمين الرئيسيين لغزة والشعب الفلسطيني، إذ إن تقديم الدعم المالي والإنساني يثير بعض الانتقادات والمعارضة من بعض الأطراف السياسية الذين يرون أن هذا الدعم يزيد من تأييد وقوة الشعب الفلسطيني في غزة.