مدونات TR

العدالة ولعيبة الكشتبان (مدونة)

وردتنا عدة تساؤلات حول ازدواجيّة تعامل المجتمع الدولي مع القرارات الدوليّة وخاصّة تلك المتعلقة بالملفات الغربيّة والملفات العربيّة والاسلاميّة وكان آخرها قرار الجمعيّة العامة للأمم المتحدة رقم ’’25/10 ‘‘ الذي صدر منذ أيّام الخاصّ بغزّة وبين تعامله مع قرارها رقم ’’1/11‘‘ لسنة 2022 الخاص بالعدوان الروسي على أوكرانيا الذي استندت عليه الولايات المتحدة وحلفائها في دعم أوكرانيا بكل شيء اللذين سنأخذهما مثالاً.

صياغة القرارات الدوليّة هي صناعة لا يجيدها إلّا المخضرمين من رجال السياسة والقانون وخاصّة المواثيق والاتفاقيات الدوليّة والقانون الدوليّ بكل فروعه لأنّها مرجع التأصيل ومركز الإسناد ومستودع الدليل ومرجع التفسير، وذخيرة التنفيذ.

والتأصيل القانوني هو الركيزة الأساسيّة في طرح أي مسوّدة قرار دوليّ الذي يقوم على تحديد الأسباب الموجبة وتحديد الأهداف المرجوّة والغايات المأمولة ، يُعزّزها الإسناد القانونيّ الذي يستمدّ منه القرار مصدر شرعيّته وقوّة حجّته في إقناع الاغلبيّة المطلوبة لتمريره التي تأتي منها قوّته من حيث الالزاميّة أو عدمها باعتباره أصبح تعبيراً عن إرادة الاغلبيّة الدوليّة التي يجب احترامها ، وتحمي صاحب المصلحة عند تطبيقها.

وتصدر القرارات عن الجمعيّة العامة عن طريقين حدّدهما نظامها الداخليّ وهما:

الدورات العاديّة الدوريّة: تنعقد الجمعية العامة كل سنة في دورة عادية مكثفة من أيلول إلى كانون الأول، وتستأنف عقد جلساتها في كانون الثاني، حيث تنظر في القضايا المُدرجة في جدول الأعمال.

الدورات الاستثنائيّة: تجتمع الجمعية العامة في أدوار انعقاد عادية وفي أدوار انعقاد سنوية خاصة بحسب ما تدعو إليه الحاجة.

ويقوم بالدعوة إلى أدوار الانعقاد الخاصة الأمين العام بناءً على طلب مجلس الأمن أو أغلبية أعضاء الأمم المتحدة.

عقدها بطلب من مجلس الأمن أو من الأعضاء: وفقاً للمادة ’’8‘‘ من النظام الداخليّ التي نصّت على أنّه: تنعقد الجمعية العامة في دورة استثنائية خلال خمسة عشر يوما اعتبارا من تلقي الأمين العام من مجلس الأمن أو من أغلبية أعضاء الأمم المتحدة طلبا بعقد مثل هذه الدورة، أو اعتبارا من تلقيه موافقة أغلبية الأعضاء على الطلب وفقا لنص المادة ’’9‘‘.

تنعقد الجمعية العامة في دورة استثنائية طارئة وفقا لقرارها رقم ’’377 ‘‘ لسنة 1950 خلال أربع وعشرين ساعة من تلقي الأمين العام من مجلس الأمن طلبا بعقد مثل هذه الدورة يكون قد نال أصوات أي تسعة من أعضائه، أو تلقيه طلبا من أغلبية أعضاء الأمم المتحدة أعربت عنه بالتصويت في ”اللجنة المؤقتة“ أو على نحو آخر، أو تلقيه موافقة أغلبية الأعضاء وفقا لنص المادة ‘‘9’’.

طلب عقدها الصادر من الأعضاء: وفقاً للمادة ’’9‘‘ الذي نصّت على أنّه:

لأي عضو من أعضاء الأمم المتحدة أن يطلب من الأمين العام دعوة الجمعية العامة إلى الانعقاد في دورة استثنائية. ويقوم الأمين العام على الفور بإعلام سائر الأعضاء بهذا الطلب وسؤالهم عما إذا كانوا يوافقون عليه. فإذا وافقت أغلبية الأعضاء على هذا الطلب خلال ثلاثين يوما من تاريخ رسالة الأمين العام، تُدعى الجمعية العامة إلى الانعقاد في دورة استثنائية وفق أحكام المادة ’’8‘‘.

تنطبق هذه المادة أيضا على طلب أي عضو من أعضاء الأمم المتحدة عقد دورة استثنائية طارئة وفقا للقرار رقم ’’377 ‘‘ لسنة 1950 وفي هذه الحالة، يتصل الأمين العام بسائر الأعضاء بأسرع سبل الاتصال المتاحة له.

ماهيّة قرار “الاتحاد من أجل السلام” رقم ’’377‘‘ لسنة 1950 : ظهر هذا القرار لأول مرّة هذا القرار أثناء الأزمة الكورية في سنة 1950 ردّاً على تعطيل الاتحاد السوفياتي عمل مجلس الأمن بسبب استخدامه حقّ النقض’’ الفيتو‘‘.

مضمون القرار: إذا فشل مجلس الأمن، بسبب عدم إجماع الأعضاء الدائمين، في ممارسة مسؤوليته الأساسية عن صون السلم والأمن الدوليين في أي حالة يبدو فيها أن هناك تهديدًا للسلام أو انتهاكاً للسلام، أو عمل عدواني، يجب على الجمعية العامة النظر في الأمر على الفور بهدف تقديم التوصيات المناسبة للأعضاء لاتخاذ تدابير جماعية، بما في ذلك في حالة ’’خرق السلام أو عمل عدواني‘‘ واستخدام القوة المسلحة عند الضرورة، صون أو استعادة السلم والأمن الدوليين.

إذا لم تكن منعقدة في ذلك الوقت، يجوز للجمعية العامة أن تجتمع في دورة استثنائية طارئة في غضون أربع وعشرين ساعة من تقديم الطلب،وتتم الدعوة إلى هذه الدورة الاستثنائية الطارئة إذا طلب مجلس الأمن ذلك بناءً على تصويت أي سبعة أعضاء، أو بأغلبية أعضاء الأمم المتحدة.

التأصيل القانوني الأمريكي لمشروع قرارها الخاصّ بأوكرانيا : حاولت الولايات المتحدّة الأمريكية وألبانيا من خلال طرح مشروع قرار يهدف لتمرير مصطلح ’’الغزو‘‘ بأي طريقة كانت عبر قرار لمجلس الأمن سوآءا عن طريق إبداء الأسف أو الشجب أو التنديد ، وهو ما تضمّنه مشروع القرار الذي جاء فيه:  يُعبِّر عن الأسف ’’ لغزو ‘‘ روسيا أوكرانيا الذي بدأ بعمليات عسكرية باعتباره انتهاكاً لميثاق القانون الدوليّ، بهدف دفع روسيا لرفض  للقرار عبر حق النقض ’’الفيتو‘‘ الأمر الذي يمنح الولايات المتحدة الحقّ بالقيام بمسؤوليتها بالوقوف في وجه هذا الانتهاك باعتبار أنّ روسيا عضو دائم في مجلس الأمن وهي المسؤولة عن ’’الغزو‘‘ وأنها أساءت استخدام صلاحياتها في التصويت بحق النقض ضد قرارها  وهذا يعتبر تهديداً  للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان، مما يبيح للمجلس تقديم التوصيات وفقاً للمادة ’’39‘‘ وفرض التدابير المنصوص عنها بالمادتين ’’41 و42‘‘ من الميثاق وهذه الإساءة جعلتها طرفاً أساسيّاً في النزاع محل المناقشة مما يحرمها الحق بالتصويت وبالتالي استخدام الفيتو في المسائل الإجرائية وفقاً المادة ’’27‘‘ من ميثاق الأمم المتحدّة.

وبِناءًا عليه طرح مشروع قرار بتاريخ 2/27/ 2022، حيث صوت مجلس الأمن عليه في اليوم التالي بأغلبيّة ’’11‘‘ صوتاً لصالح القرار، وامتناع ’’3‘‘ عن التصويت و استخدمت روسيا حق النقض ’’الفيتو‘‘، ممّا جرّد روسيا من استخدام حق النقض ’’الفيتو‘‘ في المسائل الإجرائية ومنها  التصويت لعقد جلسة استثنائية طارئة استناداً لقرار الاتحادّ من أجل السلام وفقاً للمادة ’’8‘‘ من ميثاق الأمم المتحدة حيث تحقّق لها ذلك فانعقدت الدورة الاستثنائية الطارئة الحادية عشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة الخاصّة بالغزو الروسي لأوكرانيا سنة 2022، وصدر القرار.

ورغم أنّه غير ملزم بتأكيد التزامه بسيادة أوكرانيا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، ويستنكر “عدوان” روسيا وتدخل بيلاروس فيه والمطالبة بالانسحاب الفوري والكامل وغير المشروط لجميع القوات العسكرية الروسية من الأراضي، وبالتالي أصبحت أوكرانيا ’’ضحيّة‘‘ العدوان الروسي والبيلاروسي وهو المدخل القانوني الذي دخلت من خلاله الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتقديم كافة أنواع الدعم من سياسي وقانوني وعسكري ومالي، حتى أن محكمة العدل الدوليّة والمحكمة الجنائيّة الدوليّة تحركتا فور صدور القرار حيث أصدرت الأولى فتوى تعتبر العمليّات العسكريّة الروسيّة في أوكرانيا ’’عدوان‘‘ وفتحت الثانيّة تحقيقاً وأصدرت مذكرة توقيف بحق بوتين.

تأصيل القرار العربيّ

لم تتقدّم المجموعة العربيّة بمشروع قرارها حول غزّة استناداً للتعطيل المتبادل لعمل مجلس الأمن من قِبل الأعضاء الخمسّة الدائمين لمشاريع القرارات الأخيرة حول غزّة بسبب الخلاف حول التوصيف القانوني ‘‘للعمليّات العسكريّة‘‘ التي انقسمت بين فريق داعم للعدوّ الإسرائيلي باعتباره ضحيّة أعمال ارهابيّة قامت بها ’حماس ‘‘ وبين فريق ساوى بين الأطراف نوعاً ما مع انحيازه الواضح للعدوّ الإسرائيلي.

وللتخلّص من عقدة الاجتماعات الدوليّة دخلت المجموعة العربيّة عبر بوابة الجلسة الاستثنائيّة الطارئة العاشرة للجمعية العامة المفتوحة منذ سنة 1997 للنظر في بدء بناء مستوطنة ’’هار هوما‘‘ التي عُقدت بناءاً على دولة قطر استناداً إلى قرار”الاتحاد من أجل السلام‘‘ والتي صدر عنه القرار الأخير رقم ’’25/10‘‘ تاريخ 26/10/2023  بعنوان ’’حماية المدنيين والتمسك بالالتزامات القانونية والإنسانية‘‘ الذي جاء فيه: إدانة جميع أعمال العنف التي تستهدف المدنيين الفلسطينيّين والإسرائيليّين بما في ذلك كافة أعمال ’’الإرهاب‘‘ والهجمات العشوائيّة ، فضلاً عن جميع أعمال الاستفزاز والتحريض والتدمير، والدعوة إلى هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تفضي إلى وقف الأعمال العدائية، وضرورة التمسّك بمبادئ التمييز والضرورة والتناسب والاحتياط في مباشرة الاعمال العدائيّة.

كما استند القرار إلى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة ومنها القرارين رقم ’’1860 ‘‘ لسنة 2009 و’’2334‘‘ لسنة 2016، وهما قراران يؤكِّدان على أن قطاع غزة يـشكل جزءا لا يتجزأ من الأرض التي احتلت في سنة 1967، وسيكون جزءا من الدولة الفلسطينية، ويتضمّن:

  • إدانة جميـع أشـكال العنـف والأعمال الحربية الموجهة ضد المدنيين وجميع أعمال الإرهاب.
  • دعوة الدول الأعضاء إلى تكثيف الجهود الرامية لتوفير الترتيبات والضمانات اللازمة في غزة من أجل الحفاظ على وقف دائم لإطلاق النـار وصـون الهـدوء، بمـا في ذلـك مـن أجل منع الاتجار غير المشروع بالأسلحة والذخيرة.
  • ضمان إعادة فـتح المعابر بصفة مستمرة، على أساس اتفاق التنقل والعبور المبرم في سنة 2005 بـين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

ولما للمصطلحات والمفاهيم ودلالتها من أهميّة في التأصيل والإسناد والتفسير والتنفيذ فكان لابدّ من تحليل دعوة الجمعيّة العامّة اسرائيل لضرورة التمسّك بمبادئ التناسُب والضرورة والاحتياط وبيان معانيها ودلالاتها والعلاقة فيما بينها: العلاقة بين المبادئ الثلاثة ودلالاتها: العلاقة بين مبدأ التناسب والدفاع المشروع علاقة وثيقة، وهو أحد معايير تحديد شرعيّة أو عدم شرعيّة أي أعمال عسكرية ’’دفاعيّة أو عدوانيّة‘‘ التي تقوم على مدى احترام ’’التوازن بين الهدف والوسيلة والطريقة المستخدمة لبلوغه وكذلك عواقب هذا العمل‘‘ كما يمنح الحقّ لمُباشِر العمل العسكري تقدير السياق قبل تحديد شرعية عمل ما أو عدم شرعيته.

وهو المدخل التي تقوم من خلاله إسرائيل وحلفائها الأوربيّين تكريس فكرة ’’الدفاع المشروع عن النفس‘‘ وبالتالي هي صاحبة الحقّ في تقدير حجم وأهداف وأسلوب العمليات العسكريّة ، وما على من ينازعها في ذلك إلّا اللجوء الى المحاكم.

ويرتبط بمبدأ التناسب مبدأ آخراً وهو مبدأ ’’الضرورة العسكريّة‘‘  الذي يستخدم لتبرير اللجوء إلى العنف وبالتالي شرعيّة استخدام القوة المسلحة لتحقيق أهداف عسكرية محدّدة، لتناسب.

كما يرتبط مبدأ الاحتياط بمبدأ التناسب الذي يكرّس شرعيّة العدوان الإسرائيلي والذي يعني أنّه: إذا كانت الأهداف العسكرية والمدنية قريبة من بعضها البعض، يجب اتّخاذ عدد معين من الإجراءات الاحتياطية عند شنّ هجمات للحد من أي آثار ضارة قد تلحق بالمدنيين.

وهو مدخل قانوني لتبرير العدوان الإسرائيلي وشرعنة القصف يتجلّى بالطلب من عصابات الاحتلال الالتزام بمبدأ الاحتياط من الحاق الضرر بالمدنيين دون إنكار العدوان اصلاً، وهو ما يتحايل به العدوّ لتبرير قصف المشافي وسيارات الإسعاف وطواقم الإنقاذ والمساجد والكنائس من خلال ادعاءاته بأنّه يستهدف قادة المقاومة الذين يقطنون في هذه الأماكن المحميّة أصلاً بموجب اتفاقيّات جنيف لسنة 1949 والبروتوكولات الملحقة.

وبناءًا على ما سبق نخلص إلى النتائج التالية:

لم يتطرّق القرار إلى ضرورة بيان شرعيّة أو عدم شرعيّة المقاومة، وتحاشى توصيف ’’العدوان‘‘ على أنّه عدوان لاسيما وأنّ القرارين رقم ’’1860 ‘‘ لسنة 2009 و’’2334‘‘ لسنة 2016 قد أكّدا على أن قطاع غزة يشكل جزءا لا يتجزأ من الأرض الـتي احتلت في سنة 1967 وسيكون جزءا من الدولة الفلسطينية وبالتالي فإن النزاع هو بين شعب مقاوم وبين سلطات احتلال.

 لم يتطرّق لموضوع وقف إطلاق النار حيث اختصره بطلب هدنة انسانيّة وهي رهن موافقة إسرائيل، تفادياً لإمكانية صدور قرار ملزم من مجلس الأمن للجم العدو الإسرائيلي.

من خلال دعوته إسرائيل الى ضرورة التمسّك بمبادئ التمييز والضرورة والتناسب والاحتياط في مباشرة الأعمال العدائيّة، فقد منحها حقّ ’’الدفاع المشروع عن النفس‘‘ وأسقط حق المقاومة المشروع من يد الفصائل الفلسطينيّة من خلال إلصاق تهمة ’’الإرهاب‘‘ وتكرارها في متن تلك القرارات بها وتصنيف الفصائل على لوائح الإرهاب الدوليّة.

وبعد هذا البيان لن يكون هناك صعوبة لدى المرء في فهم قواعد اللعبّة ’’لعبة الأمم‘‘ القائمة على إثارة النزاعات والحروب والنفاق والاحتيال والتضليل وتدمير القيم الإنسانيّة والدينيّة والأخلاقيّة والعُرفيّة التي تمثِّل مرتكزات الأخوّة الإنسانية، التي يديرها فريق الخمسة الدائمين ’’لعّيبة الكشتبان‘‘ في نادي إدارة تدمير العالم المُسمّى زوراً وبهتاناً مجلس الأمن الدولي، ومن ضمنها إثارة النزاعات والحروب في البلاد العربيّة والاسلاميّة، وتديرها عبر جوقة من الحكّام ومن خلال قرارات جوفاء وما هي إلّا حبر على ورق تزيد في إرهاق الشعوب العربيّة والإسلاميّة، لأنّها تتضمّن أدوات تعطيل الوصول لحقوقها، وتتضمن ذرائع لتجريمها فيما إذا تجاوزت إرادتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى