“بيان ختامي اقتصر على الشجب والتنديد”.. بهذه الكلمات عبّر مراقبون عن عدم رضاهم من القمة العربية الإسلامية الطارئة التي احتضنتها العاصمة السعودية الرياض، السبت 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، لافتين إلى أنها “فشلت في تحقيق أهدافها، وهي وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وتحقيق السلام في المنطقة”.
ويأتي عقد القمة في الرياض بعد أكثر من شهر على اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي بدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث أعطى هذا التأخير دولة الاحتلال الإسرائيلي فرصة مواتية لمواصلة عدوانها، وقتل المزيد من المدنيين الفلسطينيين، وفق محللين.
وفي وقت اتفقت فيه الدول العربية والإسلامية المشاركة في القمة على إدانة العدوان الإسرائيلي، وطالبت بوقفه فورًا، كما أعربت عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني، وأكدت على حقه في تقرير المصير، لكنها لم تتخذ أي قرارات ملموسة لردع إسرائيل، أو وقف العدوان، كما لم تتفق الدول المشاركة على موقف موحد بشأن تسوية القضية الفلسطينية.
وأجمع المحللون على فشل القمة الطارئة لعدد من الأسباب، أهمها التأخر في عقد القمة، وعدم وجود موقف موحد للدول العربية والإسلامية، حيث اختلفت الدول المشاركة في القمة في موقفها من العدوان الإسرائيلي، فقد أدانت بعض الدول العدوان، وطالبت بوقفه فورًا، بينما حاولت دول أخرى التخفيف من حدة الأزمة، واقترحت تسويات لا ترضي الفلسطينيين، يضاف إلى ذلك عدم وجود ضغط دولي كافٍ، إذ لم يفرض المجتمع الدولي ضغوطًا كافية على إسرائيل لوقف العدوان، فقد أصدرت بعض الدول بيانات إدانة للعدوان، بينما لم تتخذ خطوات ملموسة لردع إسرائيل.
الباحث والمحلل السياسي عمر الحسون الهاشمي، قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “لم تنج أي قمة عربية منذ أن تأسست الجامعة العربية إلى هذا اليوم، فلقد سقطت دول وممالك عربية لها تاريخها دون أن تحافظ عليها القمم العربية التي لا حول لها ولا قوة، ولو كانت كل قمة عربية ناجحة لكانت حررت فلسطين منذ زمن”.
وأضاف “لا يذكر في أي قمة عربية أي تأثير، بل إن التشبيه الحقيقي للمجتمعين في هذه القمم أن تصريحاتهم لم تتجاوز الصحافيين الذين كانوا يتحدثون بكل جرأة أمام صُناع القرار الدوليين وبكل جرأة”.
وتابع “قمة الرياض كسابقتها بل هي لم تحرك ساكناً، ولو كانت ناجحة لكانت استطاعت فتح معبر رفح المصري وهو داخل حدود الدول التابعة لجامعة الدول العربية”.
مراقبون آخرون ذكروا أن هناك أسباب أخرى أدت إلى فشل القمة الطارئة في الرياض، ومنها التدخل الأمريكي، حيث ضغطت الولايات المتحدة على عدد من الدول العربية والإسلامية للحد من انتقادها لإسرائيل، ما أعاق اتخاذ قرارات أكثر حزمًا.
ومن الأسباب، المصالح الاقتصادية، إذ تربط بعض الدول العربية علاقات اقتصادية وثيقة بإسرائيل، ما أعاق اتخاذ قرارات تضر بهذه العلاقات، يضاف إليها علاقات “التطبيع” بين بعض الدول وإسرائيل.
وعلى الرغم من فشل قمة الرياض، إلا أنها كانت خطوة هامة في التعبير عن رفض العالم العربي والإسلامي للعدوان الإسرائيلي على غزة، وفق محللين.
الناشط السياسي مصطفى النعيمي، قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “قمة الرياض لا شك أنها تأتي في سياق محاولات للتخفيف التصعيد مع القوى المتشابكة في الدول العربية، لا سيما عندنا نتحدث اليوم عن ملفات عالقة ومنها أهم تلك الملفات التي بموجبها تطلب إجراء القمة الإسلامية في هذا التوقيت بالذات، وذلك بالتزامن مع التصعيد العسكري المستمر لقوات الاحتلال الاسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل في منطقة غزة عموماُ”.
وأضاف “أرى أنه ما زالت الكلمات للرؤساء والملوك تتمحور حول مسألة الإدانة والشجب والاستنكار، وضرورة وقف المجتمع الدولي معهم من أجل منع الجانب الإسرائيلي من اجتياح غزة والمساهمة في وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات وإعادة الحياة إلى غزة، لكن اللافت في تلك القمة عما سواها خطاب كل من الرئيسين إبراهيم رئيسي وبشار الأسد واللذان تمحور حديثهما حول الجرائم والفظائع التي يرتكبها الجانب الإسرائيلي بحق المدنيين العزل، وضرورة جلاء الاحتلال الإسرائيلي في حين أنهما يمارسان دور المحتل في بناء المستوطنات الإيرانية في العاصمة السورية دمشق ومحيطها، إضافة إلى الكثير من النقاط التي تتمركز فيها إيران والتي قامت بإجراء عمليات تهجير ديموغرافي قصري إضافة إلى توطين الميليشيات الولائية متعددة الجنسيات في سوريا، وبالتالي موقفي النظام وإيران يتمحوران حول أنهما يرتكبان المجازر في حين يطالبان إسرائيل بالوقف عن تلك المجازر”.
وتابع “بالتزامن مع القمة كان هناك قصف مدفعي لقوات النظام يستهدف محافظة إدلب وكذلك أيضا أرياف حلب، وبالتالي أمام هذا المعطى أرى أنه من الصعوبة بمكان أن يكون هنالك إجراءات حاسمة بخصوص القضية الفلسطينية لا سيما وقف إطلاق نار شامل، وكذلك أيضا فتح المعابر الذي يتطلب توافقاً دولياً وهذا الأمر لم يتم حتى اللحظة، خاصة وأن هنالك نقص حاد في المستلزمات الطبية والصحية والغذاء والدواء، وكل ذلك لم ولن يلقَ صدى لدى صُناع القرار الدوليين، وبالتالي نتائج تلك القمة ستقتصر على التصريحات دون وجود آليات لتنفيذها على الأرض، والآليات تحتاج قدرة عسكرية لتنفيذها في ظل التغول العسكري الكبير من قبل الجانب الإسرائيلي”.
واعتبر بعض المهتمين بملف القضية الفلسطينية، أن “أضعف الإيمان الذي كان مطلوباً من هذه القمة العربية الإسلامية، هو أن تفرض عملية فتح معبر رفح أمام المساعدات، ولكنها لم تتمكن من القيام بذلك”.
ولفتوا إلى أن بعض الدول رفضت تمرير عدد من المقترحات، وإن لم تؤكد تلك المقترحات جهات دبلوماسية أو رسمية، ومنها: منع القواعد الأمريكية الموجودة على أراضيها من تزويد إسرائيل بالأسلحة والذخيرة، تجميد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية مع إسرائيل، التهديد باستخدام العقوبات النفطية والعقوبات الاقتصادية الأخرى، منع الطيران المدني الإسرائيلي من المرور عبر أجوائها.
المحللة السياسية عائدة بن عمر، قالت لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “قمة الرياض أو قمة المتناقضات أو قمة الأضداد الفكرية والأيديولوجية والأحلاف المتنازعة والمشاريع السياسية المتصارعة، قمة وكلاء الاستعمار والهيمنة الدولية، فباستثناء تركيا وماليزيا وقطر، هل هناك دولة من الدول الحاضرة في القمة تمتلك مقومات الدولة وقرارها حر ونزيه وحكوماتها عليها إشباع شعبي محلي؟”، حسب تعبيرها.
ومضت قائلة، إن “المجتمعين في قمة الرياض عبارة على دمى تحركها أوامر السفارات الأجنبية التي تتحكم بها وبقرارها، فكيف ستجتمع مصر التي لها خلافات مع السودان، وكيف تتوافق الجزائر مع المغرب في ظل التنازع حول قضية الصحراء الغربية وإغلاق الحدود بينهما لمدة تزيد عن ثلاثة عقود، وهل من المعقول أن نأمل حلا من حكومة العراق الطائفية الخاضعة للنفوذ والإملاءات الإيرانية، وهل سفاح دمشق بشار الأسد الذي فاق نتنياهو وحكام تل أبيب إجراما وإيغالا في سفك الدماء وقتل أحرار سوريا وتحويلها لمقبرة للإنسانية، وهو من جلب الإيرانيين والروس وشيعة أفغانستان لتدمير مدن سوريا الثائرة وقتل الأطفال بالبراميل، وهل الدول التي حاربت الربيع العربي وتزعمت الثورة المضادة واتفقت مالها لإجهاض الانتقال الديمقراطي وتورطت في مذابح رابعة والانقلاب على الرئيس مرسي وسجنه وقتله وإغلاق البرلمان التونسي بدبابة قيس سعيد وأسر الغنوشي، هي من ستدعم المقاومة في غزة و معركة تحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني الغاشم؟”.
وزادت “هل دويلات سايكس بيكو الوظيفية ممكن أن تقوم بحركة انتحارية وتقول لا لاسرائيل ولا لأمريكا ونعم لحماس؟، وهل الدول التي تصنف حماس والإخوان في خانة الإرهاب ستغير خطابها وسياساتها وتتصالح مع فكر المقاومة؟”.
وأضافت “أما محور إيران فمن خلال رئيسي والمتكلمين باسم الحكومة الإيرانية ومن خلال خطابات حسن نصر الله، فإننا نستشف أن محور إيران يسوق أنه يتبنى استراتيجية تدخّله الحالي في حرب غزة على تقدير سياسي ثابت يرى أنه غير جاهز لخوض المعركة النهائية ضد الكيان، لذلك يكتفي بقواعد اشتباك (يلتزم بها ويحترمها) العدو، بحيث يتفق الطرفان على نوعية السلاح المستخدم ومداه وأهدافه، وهذا المحور لا يريد حربا شاملة الآن، حرصا على لبنان أولا ولشعوره أنه ليس جاهزا لمعركة الحسم الفاصلة”.
وتابعت “كما يسوق أهم فكرة وهي أن هذا المحور لا يرى في طوفان الأقصى فرصة لتفكيك كيان الاحتلال، وهو يلتقي في هذا مع حماس، فقوات القسام نفسها لم تذهب إلى 7 أكتوبر لتفكيك الاحتلال، ولكنها فوجئت بسرعة انهيار كامل المنظومة العسكرية للعدو في غلاف غزة بشكل تجاوز كل توقعاتها، ففي ست ساعات انهار 12 ألف جندي و25 موقع عسكري، فالمقاومة ذهبت لأسر 20 جنديا فحصلت على 300، وحينها أدرك الجميع أن المعركة أخذت أبعادا أخرى وجب الاستعداد لها ضمن الخطة الأولى المتفق عليها بين محاور المقاومة والقائلة بمراكمة مزيد من المقدرات استعدادا لحرب فاصلة ستأتي لا محالة، وهذه الحرب النهائية المقاومة ليست جاهزة لخوضها ابتداءً ولكنها لا تخافها إن فرضت عليها، تماهيا مع كلام محمد ضيف ويحيى السنوار اللذين لم يتحدثا عن حرب تحرير فلسطين بل عن تحرير الأسرى وأمن الأقصى وفك الحصار عن غزة”.
وختمت “الذي حدث أن عملية 7 أكتوبر كشفت أن هذا الكيان ظهر (أوهن من أوهن من أوهن من أوهن من بيت العنكبوت)، فوجدت حماس نفسها أمام إنجاز يفوق توقعاتها وغير جاهزة لحماية نتائجها، والاحتلال وجد نفسه أمام هزيمة كبيرة ليس قادرا على احتوائها”.
يشار إلى أن القمة العربية الإسلامية المشتركة الطارئة التي عُقدت في الرياض، دعت إلى كسر الحصار وفرض إدخال المساعدات إلى قطاع غزة الذي يشهد حربًا إسرائيلية غير مسبوقة، كما أدان البيان الختامي للقمة، العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللا إنسانية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وأدى فشل القمة إلى حالة من الإحباط والغضب في العالم العربي والإسلامي، حيث اعتبر العديد من المراقبين أن القمة كانت فرصة ضائعة لوقف العدوان الإسرائيلي، وتحقيق السلام في المنطقة، وفق تعبيرهم.
ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تواصل إسرائيل شن عدوان مكثفة على المدنيين في قطاع غزة، مخلفة آلاف الشهداء والجرحى، إلى جانب تعمدها قطع إمدادات المياه والكهرباء والغذاء والأدوية.
وردا على اعتداءات إسرائيلية يومية بحق الشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة، أطلقت “حماس” وفصائل فلسطينية أخرى في غزة عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري حيث اقتحمت في بدايتها مستوطنات ومواقع عسكرية إسرائيلية في غلاف قطاع غزة محققة نتائج ملموسة.