تقاريرهام

“دولة فلسطينية منزوعة السلاح”.. أحد أحلام نتنياهو فهل يقبل بها الفلسطينيون؟ (تقرير)

“إن كنتم عاجزين فلا تكونوا متآمرين”، بهذه الكلمات رد ناشطون وصحفيون فلسطينيون على المقترح الذي خرج به رئيس مصر عبد الفتاح السيسي، ومطالبته بـ”دولة فلسطينية منزوعة السلاح”.

والجمعة، اقترح السيسي خلال مؤتمر صحفي مع مع رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانتشيث في العاصمة المصرية القاهرة، إمكانية أن تكون الدولة الفلسطينية المستقبلية “منزوعة السلاح مع تواجد قوات أمن دولية مؤقتة لتحقيق الأمن لها ولإسرائيل”.

واعتبر السيسي أن “الحل السياسي الذي يقضي بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ما زال بعيد المنال”، من وجهة نظره.

وأثار هذا المقترح تساؤلات عدة من أبرزها “هل فكرة دولة فلسطينية منزوعة السلاح واردة؟، وهل يقبل بها الفلسطينيون أصلاً؟”.

وواجهت فكرة “دولة فلسطينية منزوعة السلاح” معارضة شديدة من قبل الفلسطينيين، الذين رفضوا التنازل عن حقهم في الدفاع عن أرضهم وسيادتهم، واعتبروا أن هذه الفكرة تعني تقبل الاحتلال الإسرائيلي والتخلي عن القدس واللاجئين، والاستسلام للضغوط الأمريكية والإقليمية، وفق رأيهم.

وقال الصحفي الفلسطيني أدهم أبو سليمة في تغريدة على حسابه في منصة “إكس”، “من الذي يُعطي الحق للسيسي ليقول أنه يقبل بدولة فلسطينية منزوعة السلاح؟! طبعاً إلى جانب اسرائيل النووية، لماذا يُصمم بعض الزعماء العرب على فرض (الهزيمة) على الشعب الفلسطيني؟!، لماذا يحاول هذا البعض أن يُكرر النكبة من جديد عبر فرض الهيمنة الصهيونية على شعبنا؟”.

واعتبر آخرون أن كلام السيسي “هو انبطاح وخضوع للغرب”، متسائلين في ذات الوقت “لماذا لا يقترح نزع السلاح عن الكيان الصهيوني ومغادرته أرض فلسطين؟”.

وتهكم آخرون على السيسي بطريقة مبطّنة قائلين “حتى إسرائيل لم تفكر بما قاله السيسي لأنها تعرف أن كلام السيسي بإقامة دولة للفلسطينيين منزوعة السلاح يعد ضرباً من الجنون”.

وتعقيباً على ذلك، قال المحلل في الشأن السياسي الإسلامي الدكتور عاطف نموس لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فاجأ العالم نيته إقامة دولة فلسطينية (حتى لو كانت منزوعة السلاح)، مشيراً إلى أن مفاوضات حل الدولتين قد استنفذت خلال ثلاثين سنة، وبالتالي كلام الرئيس المصري أثار الحديث عن دلالات إقامة (دولة فلسطينية) منزوعة السلاح”.

وتابع أن “تصريحات الرئيس المصري هي الأكثر تفصيلاً بشأن ملامح (الدولة الفلسطينية المأمولة)، التي تجاوزت التعبيرات المعتادة في الخطاب الرسمي المصري، الذي كان يركز على أن الدولة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وربما هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس المصري عن تفصيلات بشأن ملامح مقترحة لتلك الدولة الفلسطينية، حيث عودنا على تصريحات مفاجئة وصريحة”.

وأضاف أنه “من خلال مراقبة التعاطي مع حل الدوليين فقد استنفذ نقاشه خلال ثلاثين سنة كل الخيارات وكل الأطروحات وبالتالي لم يتقدم أبداً، ورغم إعلان الرئيس عباس عن مساعدته في إدارة القطاع إلا أن هذا المقترح قوبل بالرفض مباشرة”.

وأشار نموس إلى أن “المقترح الذي تقدم به الرئيس المصري عملياً، ليس بالمفاجأة عملياٌ فقد اجتمع عباس مع وفد أكاديمي زاره في مكتبه برام الله، في آب/أغسطس 2018، وترأسه عيلاي ألون، إنه يدعم دولة في حدود 1967 من دون جيش، ويريد قوات شرطة غير مسلحة، مع هراوات وليس مسدسات، وأضاف عباس، حسب تقارير صحافية لم تنفها السلطة الفلسطينية في حينه (بدلاً من الطائرات الحربية والدبابات، أفضل بناء مدارس ومستشفيات، وتخصيص الأموال والموارد لمؤسسات اجتماعية بدلاً من الجيش)، وقد قوبل  حينها أيضاً برفض شديد ليتجاوز ذلك للتشكيك بالوطنيات، ويبدو أن الفصائل الفلسطينية لن تقبل بهذا الحل خصوصاً أن فكرة إقامتها هي الكفاح المسلح وعدم الرضوخ للعدو وأن الأرض لهم”.

ورأى نموس أنه “مما لاشك فيه أن فصائل المقاومة وعلى رأسها حماس لم تقدم كل هذه التضحيات لتقبل بما كان معروضاً عليها دون أن تنزف قطرة دماء واحدة حتى عدا هدم بيت واحد، ففصائل المقاومة تعتبر هذا أقرب ما يكون إلى تقييد السجين في سجنه، ونزع كل أوراق التفاوض من يده، بعد أن أثبتت له حرب 7 أكتوبر أن العالم أجمع بهيئاته ومنظماته لا يقف مع القضية الفلسطينية إلا بعض المواقف مثل تركيا وبيان علماء المسلمين وبعض الهيئات المظلومة التي عبرت عن تضامنها مع غزة بما تستطيع”.

وذكرت صحيفة الشرق الأوسط في تقرير موسع لها، أن “فكرة دولة منزوعة السلاح لها قبول لدى العديد من الفصائل الفلسطينية”، لافتة إلى أن “الناطق الرسمي باسم حركة حماس، سامي أبو زهري، قال عقب انتشار التقارير بشأن حديث الرئيس الفلسطيني عام 2018، إن تصريحات عباس حول رغبته إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح هي تصريحات شخصية لا تمثل شعبنا الفلسطيني”.

بدورها قالت المحللة السياسية عائدة بنت عمر لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “عندما ترسم خرائط توزيع القوى وخرائط انتشار الوحدات العسكرية، سترى بوضوح أن أخطر دور عسكري ليس القوات الصهيونية وإنما هو القوات المصرية، وإسناد ديبلوماسي للكيان بالاعتراف بحق الاحتلال، إضافة إلى الاتفاق مع الكيان وكل أعداء الأمة على توصيف (حماس والقسام) أنهما حركات إرهابية وجب تصفيتهما، بل لدرجة أن السيسي قائد القوات المسلحة المصرية (الجبهة الغربية) يلوم قائد القوات الصهيونية (الجبهة الشرقية) على تأخره في تصفية المقاومة، كما يقوم الجيش المصري بالمهمات القتالية منذ فترة طويلة من جهة جبهته الشرقية وذلك بمايلي: تهجير 100.000 من سكان سيناء ليرسم عازلا بين المقاومة وامتدادها الطبيعي من الأمة، هدم رفح المصرية وتهجيرهم لقطع الإمداد المباشر بالأنفاق وغيرها، إغراق الأنفاق بمياه البحر والمضخات الضخمة بهدف عدم تمكين القسام من إدخال الوسائل  والأدوات الضرورية للمقاومة والحياة، وهذا ما يسمى في العمليات العسكرية التمهيد بقطع طرق الإمداد اللوجستية، يقوم بالتخابر الأمني  مع العدو، يقوم بالدعم المالي واللوجستي للعدو  خاصة الطاقة وهي أهم محرك للقطع العسكرية الثقيلة، ويغلق معبر رفح الشريان الإنساني الوحيد  لسكان غزة فلا يستطيعون الهرب من وحشية القصف، وبالتالي يرفع جدوى الهدف العسكري للعدو من القصف الهمجي و تحقيق عامل الضغط النفسي والأخلاقي على المقاومة”.

ورأت أن “طبيعة الانتشار العسكري من قوات برية ودبابات من الجانب المصري لا تتوافق وطبيعة الهجمة للكيان الصهيوني وتحركه على الأرض، فهجمات الكيان صاروخية جوية والدبابات هي لانتظار القسام في حالة اضطر للانسحاب من جهة مصر، ولو كانت النية غير ذلك لنشرت بطاريات الدفاع الجوي والصواريخ الرادعة للعدو، وبالتالي تهديد السيسي بأن أي جهة داخلية مصرية تحمل السلاح للدفاع عن غزة بالتعامل معها في منتهى القسوة، هو تصريح عسكري مكافئ لنتنياهو في الجبهة الغربية بتعبئة كل فرد لحمل السلاح وتحقيق نبوءة يهوه، لذا فإن هذا الجهد الحربي على الجبهة الشرقية (مصر) أخطر من الجهد الحربي للجبهة الغربية (الكيان)”.
ووسط كل ذلك يرى مراقبون، أن “دولة منزوعة السلاح تحتاج إلى عملية سياسية شاملة تأخذ بعين الاعتبار رسم حدود الدولة، وما إذا كانت ستقام على حدود الرابع من يونيو 1967، وما يرافق ذلك من محددات بشأن الموقف من القدس الشرقية كعاصمة لفلسطين، والأراضي التي تتخلى عنها إسرائيل بعد أن أغرقت الضفة الغربية بالمستوطنات”، حسب صحيفة العرب القطرية.

واعتبرت عائدة بنت عمر أن “كلام السيسي عن دولة بدون سلاح للفلسطينيين هو ترجمة دقيقة لرغبة واشنطن في تصفية القضية الفلسطينية نهائيا، إذ أن السلاح ركيزة المقاومة وضمان استمرار القضية حية تتناقلها الأجيال، وهذا يتعارض مع رغبة إسرائيل شعبا ومؤسسات رسمية في رسم مستقبل هادئ وآمن لهم ولأولادهم وأحفادهم، فالسلاح قوة ردع وعامل رعب خطير على نفسية العدو، حيث إنه يهدد فكرة وجود إسرائيل ويفند سردياتهم لمغالطة مواطتيها بأنها الجيش الذي لا يقهر وأنها أرض الميعاد”.

وتابعت “ثم لا ننسى أن هذه التصريحات تأتي في توقيت بالغ الأهمية بالنسبة لمصر، إذ إنها تخوض انتخابات رئاسية قادمة، والسيسي هو من أبرز المترشحين، ولذلك يعمل على استرضاء الغرب ومغازلة الكيان الصهيوني بتقديم هكذا مقترحات وضمانات، وهو لو انتخب مجددا رئيسا لمصر فإته سيبقى حليفا مهما لإسرائيل”.

وأكدت أن “الفلسطينيين سيرفضون رفضا باتا هذا المقترح لأنه خيانة لمسيرة نضالية طويلة عبر عقود متتالية من الكفاح والتضحيات الجسام، وانحرافا عن نهج المقاومة باختلاف فصائلها بدءً بحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى جانب حركة حماس وبقية التشكيلات الأخرى، فالفلسطينيون أكثر من غيرهم يعرفون أن نزع السلاح هو مقدمة لمشروع التهجير والتغيير الديمغرافي وقبر القضية”.

ويتلاقى إعلان السيسي، مع توجهات سابقة للاحتلال، بل ويتطابق مع تصريحات سابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 15 حزيران/ يونيو 2009، الذي قال إن “إسرائيل تقبل بدولة فلسطينية منزوعة السلاح”، حسب موقع عربي 21.

وتتعالى أصوات الفلسطينيين والمراقبين متسائلة “ما هي الدوافع وراء اقتراح السيسي في هذا التوقيت لإنشاء دولة فلسطينية تحت حماية دولية وبدون جيش؟ هل هو يعبر عن رأيه الشخصي أم ينقل موقفا متفقا عليه مع إسرائيل وأمريكا والغرب؟ فمن المعروف أن نزع السلاح من الشروط الأساسية التي تطالب بها إسرائيل والغرب لقبول أي حل سياسي للقضية الفلسطينية”.

زر الذهاب إلى الأعلى