طارق أبو كريم ـ وكالة أنباء تركيا
يمثل “الهيكل الأمني” المقترح من قبل تركيا بعد انتهاء الحرب في غزة، خطوة هامة نحو تعزيز الأمن والاستقرار في فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط.
ومع ذلك، فإن نجاح هذا الهيكل يعتمد على تجاوز التحديات التي تواجهه، من خلال وجود إرادة سياسية قوية من قبل الدول الإقليمية، وتطوير آلية للتنسيق والتعاون بين الدول الإقليمية، وتعزيز الثقة بين الدول الإقليمية.
وفي 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن “تركيا مستعدة لتولي المسؤولية مع دول أخرى في الهيكل الأمني الجديد، الذي سيتم إنشاؤه بعد الحرب على غزة”.
وفي وقت قال فيه أردوغان إن “تركيا مستعدة للقيام بدور أمني في المنظومة الجديدة التي ستنشأ بعد الحرب في غزة”، دون أن يحدد طبيعة هذا الدور أو الشركاء الذين ستتعاون معهم تركيا، اعتبر مراقبون أن هذا الإعلان يتماشى مع رؤية تركيا لنفسها كقوة مؤثرة ووسيطة للسلام في الشرق الأوسط.
وحول ذلك، قال الناشط السياسي مصطفى النعيمي لـ”وكالة أنباء تركيا”، “أعتقد أن الجهاز الأمني أو (الهيكل الأمني) الذي سيُشكل يأتي في نطاق استكمال لمشروع وجود قوات فصل دولية من شأنها المساهمة في عمليات خفض التصعيد بين كلا الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في قطاع غزة، وبالتالي أرى أن هناك خطوة استباقية تقدم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهي طرحه الجديد الذي يخص ماهية الجهاز وكيفية عمل هذا الجهاز وأهداف هذا الجهاز، بأنه سيقوم بتقديم الدعم الكافي من أجل إنجاح فكرة هذا الجهاز”.
وتابع النعيمي “لكن السؤال اليوم ما هو مصير فصائل المقاومة الإسلامية وخاصة كتائب عز الدين القسام ما بعد العمل على إنشاء هذا الجهاز؟”، مشيرا إلى أن “التساؤلات اليوم تأتي في سياق معرفة المستقبل وكيف سيكون وضع الفصائل في ظل وجود هذه القوى الجديدة سواء كانت عربية أو حتى أجنبية.. كيف ستتعامل معها؟، وربما هذا هو الهم الشاغل للشارع الفلسطيني في قطاع غزة اليوم”.
وزاد النعيمي موضحا “أعتقد أن التصريح التركي يأتي في سياق مقترحات لسيناريوهات محتملة للحل في قطاع غزة ما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وبالتالي أرى أنه من المبكر جدا أن يتم تقديم مقترحات تفصيلية حول هذا الجهاز وكيفية عمله، وما هي الدول التي ستشارك فيه، وما هو الموقف الإسرائيلي من هذا الجهاز، وهل سيكون الحل للانتقال من مرحلة وقف إطلاق نار مؤقت إلى وقف إطلاق نار شامل والبدء بعملية إعادة الإعمار، كلها أصبحت تساؤلات تثقل كاهل الشعب الفلسطيني الموجود فقط في غزة والذي فقد الكثير من أقاربه وأصدقائه ومكان سكنه في ظل تلك الحملة العسكرية الإسرائيلية التي دمرت نحو 50% من المساكن، إضافة إلى 70% أيضا من المستشفيات ودمار شبه كامل للبنية التحتية”.
واعتبر أن “الرؤية التي قدمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تأتي في سياق الرسائل التطمينية لأهالي قطاع غزة أنه لا اجتياح للمنطقة ولا حملات تهجير، وأن القطاع سيكون بحماية دولية لمنع أي آثار جانبية لما بعد إعلان وقف إطلاق النار الشامل”.
ويرى محللون أن “تركيا تسعى إلى لعب دور فاعل في تشكيل مستقبل غزة بعد الحرب، وتعرب عن استعدادها للمساهمة في إعادة إعمار القطاع الذي دمره العدوان الإسرائيلي، والمشاركة في أي ترتيب لنشر قوات دولية لحفظ السلام في غزة إذا تم الاتفاق على ذلك”.
كما رأى المحللون أن “أردوغان يحاول إيصال رسائل وإظهار أن لتركيا دورا حاسما في حل الصراع، إضافة إلى إيصال الرسائل لإسرائيل والولايات المتحدة أن تركيا شريك ضروري في تحقيق السلام”.
بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني محمد القيق لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “من المؤكد أن تركيا تسعى إلى حالة استقرار في منطقة الشرق الأوسط لمصالح تركيا ومصالح أيضا في استراتيجية الأمن القومي التركي التي أيضا فلسطين جزء منها.. وأعتقد أن هذا الهيكل الأمني بات ضرورة ملحة كي يكون هناك حالة من تعبئة وتدريب الفلسطينيين أصحاب القرار على الأرض ليكون لديهم تمهيد للأجهزة الأمنية لبناء الدولة المستقلة ولبناء الحالة الفلسطينية على أساس ليس حزبي كما يحدث الآن في السلطة في رام الله، وأيضا كما هو الحال في جو الانفصال النفسي ما بين الضفة وغزة، وهذا سيشكل إنتاج سياسي ومن الطبيعي أن يفرز هذا الإنتاج لجنة أمنية”.
وتابع القيق “يجب أن يكون لتركيا وعدة دول صديقة لفلسطين دور في تعبئة العقيدة القتالية والتدريب الأمني الميداني والتعامل مع الجمهور وكل مقومات الدولة، ولذلك هذا أيضا مُنعكس على السياسة العامة لتركيا الحريصة على الدولة الفلسطينية المستقلة وسيادة القرار الفلسطيني وتنمية وتطوير كل الجهات والزوايا في فلسطين بما في ذلك الدور الأمني والميداني والحالة العامة في فلسطين”.
وأشار إلى أن “هذا الطرح مهم جدا وسيكون له آثار منها: أولا، سيكون مُنعكس على الساحة الفلسطينية بارتياح، لأن هناك نقلة نوعي في التدريبات الأمنية واللوجستية والميدانية التركية وهذا سيعطي خبرة للفلسطينيين أكثر وسيوحد الحالة الفلسطينية ويبعدها عن المناكفة الحزبية.. وثانياً هذا الطرح سيكون مصدر اطمئنان للساحة الدولية أن هناك دولا عريقة مشرفة على الملف الأمني وليست عبارة عن ترك الفلسطينيين وحدهم في الميدان دون أن يكون هناك توجيه من دول متعارف على حياديتها في الساحة الدولية.. وثالثاً، سيعطي حالة من الترويض ما بين الفلسطينيين وما بين المجتمع الدولي للحالة القائمة، لتبني جسور اقتصادية وسياسية وعلمية وغيرها من الإجراءات التي تشكل بناء أساسي للدولة”.
وبين الفترة والأخرى، يدعو الرئيس أردوغان إلى إنشاء هيكل أمني عالمي جديد يحرص على السلام ويخدم البشرية جمعاء بدلا من مصالح دول مجلس الأمن الخمس (الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا).
ويوم الجمعة الماضي، دخلت هدنة إنسانية مؤقتة بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، حيز التنفيذ عند الساعة 07:00 بالتوقيت المحلي (05:00 ت.غ)، بعد 49 يوما من العدوان على القطاع.
ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تواصل إسرائيل شن عدوان مكثفة على المدنيين في قطاع غزة، مخلفة آلاف الشهداء والجرحى، إلى جانب تعمدها قطع إمدادات المياه والكهرباء والغذاء والأدوية.
وردا على اعتداءات إسرائيلية يومية بحق الشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة، أطلقت “حماس” وفصائل فلسطينية أخرى في غزة عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري حيث اقتحمت في بدايتها مستوطنات ومواقع عسكرية إسرائيلية في غلاف قطاع غزة محققة نتائج ملموسة.