لماذا يتدافع المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون إلى إسرائيل وقت الحروب؟.. فيصل القاسم يجب في مقال
أجاب الإعلامي السوري الشهير فيصل القاسم عن سؤال طالما سأله الكثيرون في الشارع العربي وهو “لماذا يتدافع المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون إلى إسرائيل وقت الحروب”.
كلام القاسم جاء في مقال نشره، السبت، في صحيفة “القدس العربي“.
وجاء في المقال:
في الحروب الكبرى التي تخوضها إسرائيل وفي المنعطفات الخطيرة يعود السؤال المتكرر دائماً وأبداً: هل إسرائيل هي من تحرك الغرب وتتحكم بسياساته وأنظمته وحكامه وحكوماته، أم هي مجرد أداة استعمارية بيد الغرب؟ ما هي الحقيقة يا ترى، خاصة وأن هناك اعتقاداً لدى غالبية العرب منذ عقود وعقود أن إسرائيل تحكم العالم، وأن أمريكا وأوروبا ليستا سوى أداتين في أيدي اليهود الذين يسيطرون على الحكومات وأسواق المال والأعمال وطبعاً وسائل الإعلام والثقافة في الغرب؟ وفيما يخص الوضع العربي يعتقد الكثير من العرب أن إسرائيل هي من تقرر وتحدد السياسات الغربية في المنطقة العربية، وما على الغرب إلا الانصياع للأوامر الإسرائيلية بما يخدم مصالح إسرائيل، وأن كل ما يريده الإسرائيليون في الشرق الأوسط تنفذه أمريكا وأوروبا بشكل أعمى. ولا ننسى طبعاً السمعة الرهيبة التي تحظى بها جماعات الضغط الإسرائيلية في الغرب عموماً وأمريكا خصوصاً، وخاصة منظمة (الأيباك) التي يصورها البعض على أنها تتلاعب بالساسة الأمريكيين كما يتلاعب مُحرك الدمى على خشبة المسرح بالدمية. ومما يثبّت هذا الاعتقاد لدى شرائح كبرى في العالم العربي أن القادة الغربيين يهرعون فوراً إلى إسرائيل عندما تتعرض لأي خطر، كما شاهدنا في حرب غزة الأخيرة، للتعبير عن ولائهم وتقديم فروض الطاعة للنظام الإسرائيلي الحاكم في تل أبيب.
وقد رأينا كيف أن الرئيس الأمريكي والعديد من أفراد إدارته هرعوا إلى إسرائيل بلمح البصر بعد بدء الحرب فوراً ليقدموا كل ما يريده الإسرائيليون من دعم مالي وعسكري وتضامن وتأييد إعلامي ومعنوي. ومما يزيد في تثبيت هذا الانطباع لدى المراقب العربي أن كبار الساسة الأوروبيين أيضاً يتصرفون وهم في حضرة رئيس الوزراء أو الساسة الإسرائيليين كما لو أنهم مجرد خدم أو توابع للنظام الإسرائيلي. لكن هل هذه هي فعلاً الحقيقة حول طبيعة العلاقة بين إسرائيل والغرب؟ أم إن هناك فريقاً يرى أن العكس هو الصحيح، وأن إسرائيل ليست حقيقة في محل سيّد، بل في محل أجير، أو مجرور لا أكثر ولا أقل، حتى لو بدت عكس ذلك إعلامياً.
ربما قد يتفاجأ القارئ العربي اليوم أن آرثر بلفور وزير الخارجية البريطاني الشهير صاحب (وعد بلفور) الذي وعد اليهود بوطن قومي لهم في فلسطين كان أهم معاد للسامية في عصره، ولم يكن متعاطفاً مع اليهود أبداً. وعندما كان رئيساً للوزراء دعا لوضع قانون صارم لمكافحة الهجرة ومنع اليهود الفارين من أوروبا الشرقية إلى بريطانيا.
وقد يكون موقف بلفور ممثلاً لمواقف الكثير من الأوربيين في ذلك الوقت، وهذا يعني أن الغرب الأوروبي كان يعمل دائماً على استخدام اليهود من أجل مصالحه الوطنية والاستعمارية منذ وقت مبكر. وكلنا يتذكر ما يعرف بوثيقة (كامبل بانرمان) عام ألف وتسعمائة وستة نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني وقتها الذي دعا كل الدول الأوروبية الاستعمارية آنذاك إلى مؤتمر في لندن لتدعيم النفوذ الاستعماري الغربي في الشرق الأوسط، ومن ضمن ذلك المخطط إنشاء بؤرة استعمارية في منطقتنا لتقويض أية محاولات نهضوية عربية لاحقاً.
وقد كان قيام إسرائيل فيما بعد عنواناً لذلك المشروع الذي مازال يؤمّن المصالح الأوروبية أولاً والأمريكية لاحقاً، ويزعزع استقرار العالم العربي ويؤجج نار الصراعات فيه.
ولا يبدو أن الهدف من إنشاء إسرائيل قد تغير أبداً، فقد سمعنا الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أيام فقط وهو يكرر أنه لو لم تكن إسرائيل موجودة لصنعناها، وأنها تعتبر أهم مشروع استثماري بالنسبة لأمريكا، ومهما أنفقنا عليها فهي تبقى مفيدة جداً ومثمرة.
وعندما يتدافع المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون إلى إسرائيل في وقت الحروب فليس لأنهم يؤدون فروض الطاعة لإسرائيل، لا أبداً، بل لأنهم يحافظون على أهم مشروع استثماري لهم في هذا الجزء الحيوي من العالم.
ولو كانت إسرائيل فعلاً تتحكم بالغرب كما يعتقد البعض، لما أرسلت أمريكا حاملات طائراتها وغواصاتها العملاقة فوراً إلى المنطقة لحماية إسرائيل، كما فعلت في حرب غزة الأخيرة. بعبارة أخرى، فإن السيد المتحكم هو الحامي وليس المحمي. وهذا يعني ضمناً، حسب كثيرين، أن إسرائيل دولة وظيفية أو قاعدة عسكرية غربية ذات وظيفة محددة لخدمة الأهداف الاستراتيجية الغربية، وهي بالتالي أداة كالذين تحاربهم، فالطرفان الإسرائيلي والعربي عبارة عن وقود من أجل المصالح الاستعمارية الغربية في منطقتنا.
وأكبر دليل على ذلك أن غالبية سكان إسرائيل يحملون أكثر من جنسية وأكثر من جواز سفر، مما يعني ضمناً أنهم هنا في مهمة مؤقتة لصالح مشغليهم في أوروبا وأمريكا مهما طال أمدها، أو أنهم مستعدون للهرب إذا اقتضت الضرورة. فهل إسرائيل بعد كل هذا، برأيكم، في محل فاعل يُرعب الكبار والصغار في هذا العالم لإمساكها بمقاليد المال والإعلام والنفوذ الهائل والمكانة الدينية المميزة المختارة (إني فضلتكم على العالمين)، أم إن مقولة: إسرائيل هي من تقود الغرب قد سقطت منذ زمن بعيد كما قال عبد الوهاب المسيري ذات يوم؟ السؤال مطروح للنقاش.