
مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ شهرين، بدأت تتكشف أسباب الدعم الغربي “الجنوني” لدولة الاحتلال الإسرائيلي، إذ بات الغرب يدرك أن سقوط دولة الاحتلال الإسرائيلية يعني سقوطا للتسلط الغربي، حسب محللين.
وما يؤكد هذه التحليلات، كلام الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، لمحطة الأخبار الأمريكية MSNBC، أن “الحرب في غزة ليست بين إسرائيل وحماس فقط، بل هي حرب لإنقاذ الحضارة الغربية”.
ورأى محللون أن كلام رئيس دولة الاحتلال “يعني أنهم يدركون جيدا أن المسلمين قادمون، وأن سقوط اسرائيل هو سقوط للاستعمار والتسلط الغربي عموما، وهذا يفسر الدعم الجنوني الذي يقدمه الغرب دون مراعاة أو خجل من نفاقهم السابق حول العدل وحقوق الإنسان”.
ويستند هؤلاء المحللون إلى عدد من الأسباب، منها: أن إسرائيل هي دولة استعمارية بامتياز، فقد تم إنشاؤها على أرض فلسطين التاريخية، التي كانت مأهولة بالسكان العرب منذ آلاف السنين، وقد تم ذلك بدعم من القوى الغربية، التي أرادوا إنشاء دولة يهودية في الشرق الأوسط، حسب تعبيرهم.
كما يستندون إلى أن إسرائيل هي دولة عنصرية، فهي تمارس التمييز ضد الفلسطينيين، وتحرمهم من حقوقهم الأساسية، بما في ذلك حقهم في تقرير المصير، كما تقوم بعمليات عسكرية ضد الفلسطينيين، تسفر عن وقوع عشرات الضحايا المدنيين كل عام، إضافة إلى أن إسرائيل هي دولة عدوانية، فهي توسع باستمرار حدودها، وتحتل الأراضي الفلسطينية، كما تشارك في حروب في المنطقة، مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار، وفق كلامهم.
وفي هذا الجانب، قال الباحث والمحلل السياسي محمد القيق في تصريح لـ “وكالة أنباء تركيا”، إن “الحرب ليست بين إسرائيل وحماس، ودليل ذلك الميدان، أي تواجد ومشاركة بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسرائيل وعدد من الأنظمة العربية، إضافة إلى فتح الممرات المائية وإرسال حاملات الطائرات وطائرات التجسس والمرتزقة، ووقوف الإعلام الغربي بأكمله إلى جانب دولة الاحتلال، فكل هذا هو جيش كامل اشتغل ضد الفلسطينيين، وبالتالي الإسرائيلي يرى أن هناك كسر لقواعد لعبة وضعت من عام 1948، وتحديدا حتى نكون أكثر دقة ما بعد 1975 أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبالتالي كسر القواعد هذا يعتبر معادلة تمس يد الحضارة الغربية في المنطقة، وهذا يعني أن الشعب الفلسطيني إذا أخذ حقوقه وانتصر، فإن ذلك يعني إعادة نهوض للأمة العربية والإسلامية، وهذا ما لا تريده أمريكا والأوروبيين”.
وتابع “لذلك، إسرائيل تعي ما تقول، ونتنياهو في كل خطاباته تحدث عن أنه الدرع الحصين لهذه الحضارة، علاوة على ذلك هم يرون بأن الأنظمة العربية المحيطة غير المنتخبة، هي موجودة كأدوات لحماية هذه الحضارة المغلفة بقصة الحدود والجغرافيا والدول”.
وفي سياق متصل، يرى هؤلاء المحللون أن سقوط إسرائيل سيؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وتحقيق السلام في المنطقة، كما سيؤدي إلى تراجع النفوذ الغربي في الشرق الأوسط، وظهور دول عربية وإسلامية أكثر قوة، بحسب رأيهم.
كما يرى أكاديميون أن “سقوط إسرائيل سيكون انهياراً رمزياً للاستعمار الغربي في المنطقة”، معتبرين أن “إسرائيل ليست مجرد دولة، بل هي امتداد للاستعمار الغربي”.
وتعالت أصوات المغردين على منصات التواصل الاجتماعي، تنديدا بتصريحات رئيس دولة الاحتلال، مشيرين إلى أن هذه الحرب هي “حرب نهاية إسرائيل، واضمحلال الغرب واستعادة الحضارة الإسلامية”.
وأضافوا أن رئيس دولة الاحتلال “يعلم أن النهاية اقتربت لذا يحاول استعطاف الغرب بكل الطرق، ولكنه سيفشل لأن الله غالبٌ على أمره”.
وأشار آخرون إلى أن “التصريحات التي يدلي بها المسؤولين من إسرائيل ومن أمريكا تظهر بشكل جلي أن هذه الحرب ليست انتقاما على الهجمة التي قامت بها المقاومة الباسلة بغزة يوم 7 أكتوبر 2023، بل هي عدوان شامل على الشعب الفلسطيني بغزة”.
من جهته، قال الحقوقي والمحلل السياسي عبد الناصر حوشان لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “من سخريات القدر وتفاهات هذا العصر وانحطاط القيم الغربيّة، أن يخرج علينا مجرمو الحرب والقتلة والنازيّين الجدد في إسرائيل ليُنظّروا علينا بالحضارة وبأنّهم أصحاب حضارة غربيّة وبأنّهم حًماتها”.
وتابع أن “الحضارات لا تقوم على الاحتلال والجرائم الوحشيّة وانتهاك الحقوق ونسف القيم والمبادئ الدوليّة والقيم الإنسانيّة، الحضارات لا تقوم على الباطل والدجل وتزييف الحقائق، الحضارات لا تقوم على القوة الغاشمة واستخدامها في فرض النفوذ وقهر الشعوب”.
ومضى بالقول، إن “الحضارة الغربيّة اليوم التي يدافع عنها مجرم ويدعمه مجرم ويمدّه بالسلاح والمال والمرتزقة هو مجرم، ومن يُكمّم الأفواه ويقمع الحريّات ويعتبر حريّة الرأي جريمة ويسنّ التشريعات ويفرض العقوبات على مجرّد إبداء مشاعر التعاطف الإنساني مع الضحايا في غزّة الذين بلغ عددهم 16 ألف شهيد وأكثر من 70 ألف جريح يٌشكّل الأطفال والنساء 7% منهم وتشريد أكثر من 1.7 مليون من ديارهم، و تدمير المشافي والمساجد والكنائس وتدمير البنى التحتيّة واستهداف المدارس والجامعات ومنع الماء والغذاء والدواء واستخدام الأسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً، فماذا بقي من أركان جريمة الإبادة الجماعيّة؟!”.
وأضاف قائلاً “هذه هي الحضارة التي يدافع عنها المجرمون في إسرائيل، هذه ليست حضارة بل وصمة عار في جبين الغرب، وما هي إلا تكرار لممارسات النازيّة وتكرار لجرائم إبادة الشعوب الأصليّة في أفريقيا وأمريكا وأستراليا، فما يجري اليوم في فلسطين هو جريمة إبادة متكاملة الأركان بحق الشعب الفلسطيني لا تختلف عن جرائم إبادة شعوب الهنود الحمر واليوكي والبالاوا الهيريرو، وشعب الأباتشي وشعب التاينو والبوسنة والهرسك وغيرها من الشعوب”.
وختم حوشان قائلا “إن كانت هذه الحضارة الغربيّة التي يدافع عنها المجرمون في إسرائيل، أو التي تقبل بها الشعوب الغربيّة، فتبّاً لهم ولحضارتهم”.
ووسط كل ذلك، تعتبر دولة الاحتلال الإسرائيلي أن الدفاع عن الحضارة الغربية هو أمر أساسي للحفاظ على النظام العالمي الليبرالي، الذي يوفر الحماية لها، وبشكل عام، ترى إسرائيل أن الدفاع عن الحضارة الغربية هو أمر أساسي للحفاظ على أمنها واستقرارها، وللحفاظ على مصالحها وقيمها، وفق أكاديميين.
الجدير ذكره، أن عملية “طوفان الأقصى” وبعد مرور شهر على تنفيذها في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، من قبل المقاومة الفلسطينية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، كشفت عن الوجه الحقيقي للغرب والدول الأوروبية التي تدعم وتشجع “آلة الجرائم الإسرائيلية بدعوى حق الدفاع عن النفس”.
ولم يقتصر الدعم الأوروبي والغربي لدولة الاحتلال إسرائيل على الزعماء والدبلوماسيين الغربين، سواء من الرئيس الأمريكي جو بايدن، أو مسؤولين بارزين في الاتحاد الأوروبي ودول غربية عدة، بل امتد إلى الماكينات الإعلامية الغربية أيضاً.