
لطالما عرفت دولة قطر بجهودها الدبلوماسية النشطة بحل النزاعات والصراعات في مختلف أنحاء العالم، وقد نجحت هذه الجهود في تحقيق العديد من النجاحات، ما أدى إلى تعزيز مكانة قطر كقوة إقليمية ودولية مؤثرة.
ومرة أخرى، نجحت الدبلوماسية القطرية مرة أخرى في جهود الوساطة، قبل أيام، وذلك من خلال إنجاح عملية تبادل السجناء بين الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا، حيث تأتي هذه الخطوة في وقت تسعى فيه قطر إلى تعزيز دورها الإقليمي والدولي، إضافة إلى سعيها في أن تكون قوة للخير في المنطقة والعالم.
كما تأتي تلك الخطوة في وقت تستمر دولة قطر في لعب دورها كوسيط دبلوماسي في المنطقة، مع التأكيد على أنها ماضية في دعم الجهود الرامية إلى تحقيق السلام والاستقرار.
والخميس 21 كانون الأول/ديسمبر الجاري، أعلنت وزارة الخارجية القطرية في بيان، أن “دولة قطر نجحت في الوساطة بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية فنزويلا البوليفارية لتبادل عدد من السجناء”.
وأضاف البيان “أطلقت جمهورية فنزويلا البوليفارية سراح 10 سجناء أمريكيين، مقابل إطلاق الولايات المتحدة الأمريكية سراح سجين فنزويلي”، مضيفا أن “جلسات الوساطة بين الطرفين، عقدت بجهود من دولة قطر”.
وأعربت دولة قطر عن شكرها للولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية فنزويلا البوليفارية، على تعاونهما في إنجاح عملية تبادل السجناء، حسب البيان.
وتتمتع قطر بعلاقات جيدة مع كل من الولايات المتحدة وفنزويلا، مما مكنها من لعب دور فعال في الوساطة بينهما. كما أن قطر لديها خبرة طويلة في الوساطة بين الدول المتنازعة، حسب مراقبين.
ولا تعتبر جهود الوساطة القطرية هي الأولى من نوعها، فقد سبق لدولة قطر أن نجحت في التوسط في عدد من الملفات المُهمة خلال السنوات الماضية، منها المُحادثات بين الولايات المُتحدة الأمريكية وطالبان، وبين إيران والولايات المُتحدة الأمريكية، ومُفاوضات السلام في لبنان والسودان وتشاد، كما تستمر جهود الوساطة القطرية بين إسرائيل وحماس بهدف وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وفي هذا الجانب، قال الكاتب الصحفي احمد الحسين لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “خلال السنوات الأخيرة، لعبت قطر دوراً بارزاً في دعم وتسهيل عمليات الوساطة في مناطق متعددة، تجاوزت الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، ووصلت إلى مناطق أبعد وأصعب في ملفاتها”.
وأضاف “حفل سجل الوساطات القطرية بنجاحات متعددة، سواء على مستوى الصراعات بين دول متنازعة، أو جماعات ومجموعات سياسية أو جماعات مسلحة أو قوى معارضة”.
وأشار الحسين إلى أن “دبلوماسية الوساطة تعد جزءاً أساسياً من السياسة الخارجية لقطر، حيث تلعب دوراً مهماً في تحقيق السلام وحل النزاعات، وهو ما مثلته قطر أخيراً بنجاحها في حل أزمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا، فضلاً عن خوضها نقاشات ووساطة دبلوماسية مستمرة في ما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على غزة”.
وفي حزيران/يونيو 2023، استضافت قطر محادثات سرية بين فنزويلا والولايات المتحدة، وذلك في إطار جهودها المتواصلة لمساعدة واشنطن في حل النزاعات الدولية.
وتعود الأزمة السياسية بين البلدين إلى عهد الرئيس الراحل هوغو تشافير، واستفحلت مع وصول خليفته نيكولاس مادورو إلى السلطة. تفرض واشنطن عقوبات وحصاراً على فنزويلا منذ عام 2015.
وتابع الحسين أنه “منذ نحو 8 أعوام، مرت الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا بأزمة كبيرة، دفعت واشنطن إلى فرض عقوبات وحصار على كراكاس، ولم تتمكن جهود مختلفة من حل الأزمة بين الجانبين أو التقريب بينهما”، مضيفا أن “قطر وعبر وساطتها الناجحة في دول مختلفة، تمكنت أخيراً من حلحلة الأزمة، والتوصل لتبادل عدد من السجناء بين البلدين، في إطار جهد دبلوماسي يهدف إلى إبرام مصالحة شاملة بين البلدين وتطبيع العلاقات بينهما”.
وزاد بالقول إن “الجميع يعلم بشبكة العلاقات المعقدة التي بنتها قطر خلال العقدين الماضيين، على مستوى الدول والجماعات، فضلاً عن تحفيز الولايات المتحدة لها لإقامة هذه الشبكة، ساعدا الدوحة في التحول إلى فاعل دولي مهم في دبلوماسية الوساطات والقنوات الخلفية”، متابعاً “كما أن السياسات الخارجية لقطر، والتي تميل في الغالب إلى الحياد في القضايا والنزاعات الدولية، ساعدتها في إتقان هذه الدبلوماسية، وإلى جانب ذلك، فإن هذه الدبلوماسية ساعدت قطر إلى حدٍّ معقول في الحد من ارتدادات الأزمات والصراعات الإقليمية والدولية عليها”.
وتنوعت مجالات الوساطة القطرية على مر السنين، حيث شملت النزاعات السياسية والعسكرية والاقتصادية والإنسانية. ومن أبرز المجالات التي نجحت فيها قطر في الوساطة، حيث تستند إستراتيجية قطر في فض النزاعات على عدة عناصر رئيسية، منها الحوار والحياد والثقة والمرونة والشراكة.
ووجه رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو، الشكر لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بعد جهود الوساطة القطرية بين الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا لتبادل عدد من السجناء.
وتعود أسباب نجاح الوساطة القطرية إلى عدة عوامل، منها أن قطر تتمتع بعلاقات جيدة مع العديد من الأطراف المتنازعة في المنطقة، ما يسمح لها بلعب دور الوسيط بين هذه الأطراف، إضافة إلى أن قطر تتمتع بمصداقية عالية على المستوى الدولي، ما يجعلها طرفًا مقبولًا من قبل الأطراف المتنازعة، كما تتمتع بالقدرة على تقديم التنازلات للأطراف المتنازعة، مما يساعد على تحقيق تقدم في عملية الوساطة، يضاف إلى ذلك أنها تلتزم بالوصول إلى حل دائم للنزاعات التي تتوسط فيها، مما يعزز فرص نجاح الوساطة.
من جهته، قال الناشط السياسي مصطفى النعيمي لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “دور قطر اليوم أصبح محوريا ليس فقط في لعب دور الوسيط في المنطقة العربية، وإنما بدأ يتنامى يوما بعد يوم في دلالة واضحة لنجاح السياسة الخارجية القطرية وما تمتلكه من أدوات تأثير على الملفات التي يتم تباحثها، لا سيما نتحدث اليوم عن إدارتها لملف التفاوض في الملف الفلسطيني وملف غزة بالتحديد، وبالتالي منحتها بعداً آخر في تعاطيها مع ملفات مشتركة أخرى لا سيما في ملف الموقوفين في فنزويلا”.
وأضاف النعيمي “اليوم نتحدث عن رجل الأعمال الفنزويلي أليكس صعب والمقرب من الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو والذي اعتقل منذ سنتين بتهمة اختلاس 360 مليون دولار، حيث كان من المفترض أن تمنح كرشوة لمسؤولين فنزويليين، وبالتالي أرى أن السياسة القطرية تنتهج استراتيجية جمع الحلفاء من خلال استخدام قدرتها على التأثير الدولي بسياستها الناعمة في تصفير الأزمات وتوظيف قدرتها للحد من الأزمات الدولية، وخاصة في ملفات الشرق الأوسط مرورا بالملف الإيراني وصولا إلى تخفيض التصعيد في بؤر التوتر في المنطقة العربية”.
وأكد أن “هذا الدور منحها نفوذاً أكبر ربما يثمر عن تشكيل لوبي ضاغط في الولايات المتحدة لتحقق من خلالها مصالح المنطقة العربية على حساب الفاعلين الدوليين في الأزمات المشتعلة، والتي أرهقت المنظومة الدولية برمتها لا سيما ملفات العراق وسوريا ولبنان واليمن، وباتت اليوم تلعب دورا أكثر أهمية من السابق في ظل حاجة المنظومة الدولية لمن يمد لهم جسور التواصل، والتي تميزت بها السياسة القطرية الخارجية الناعمة التي كان لها أثرا كبيرا ومتناميا تدريجيا”.
وختم النعيمي قائلا “سنلحظ قريبا الكثير من نتائجه الإيجابية لا سيما من خلال بناء الثقة مع الأطراف الدولية والمكانة التي حققتها، والتي ستنعكس إيجابيا على قطر داخليا وعلى الدول العربية إقليميا وباقي دول العالم تدريجيا”.
وتُعَد جهود الوساطة القطرية جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية الدولة في بناء جسور التفاهم والتواصل الدولي، وتعزيز قيم السلام والتعايش السلمي بين الدول والشعوب، و من خلال تعزيز الحوار والوساطة، سعت قطر إلى تقديم الدعم والمساهمة في حل النزاعات الدولية بشكل بناء وفعّال.
ويمكن القول إن الدبلوماسية القطرية في جهود الوساطة بين الولايات المتحدة وفنزويلا تمثل مثالا على الدور الإيجابي والمسؤول الذي تلعبه قطر في المجتمع الدولي، وعلى الثقة المتزايدة فيها من قبل الدول المتنازعة. ويعكس هذا الاتفاق أيضا الرغبة الحقيقية للولايات المتحدة وفنزويلا في تحسين علاقاتهما وتجاوز خلافاتهما، والاستفادة من الفرص التجارية والاستثمارية المتاحة بينهما.