
“مقاضاة الكيان الصهيوني سابقة ستؤرخ”.. بهذه الكلمات أكد محللون سياسيون أن “مقاضاة دولة الاحتلال الإسرائيلي بتهمة الإبادة الجماعية هي خطوة شجاعة ومهمة من جنوب إفريقيا والدول الأخرى التي انضمت إليها، وهي تعبر عن التزامها بالقيم الإنسانية والقانونية والعدالة الدولية”.
وكان اللافت للانتباه تصدر مجريات الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي في محكمة العدل الدولية، واجهة الأحداث المرتبطة بالتطورات في غزة.
كما كان من اللافت للأنظار انضمام دول أخرى مثل نامبيا وبنغلاديش إلى جنوب إفريقيا في هذه الدعوى، إضافة إلى تأييد بعض الدول الأخرى وعلى رأسها تركيا، إضافة إلى إعلان سلوفينيا الانضمام إلى جنوب إفريقيا في مقاضاة الاحتلال الإسرائيلي بتهمة ارتكاب الإبادة الجماعية.
ومع توالي ردود الفعل المؤيدة للدعوى، قال رئيس كولومبيا غوستافو بيترو في تصريحات إن “الفريق القضائي لجنوب أفريقيا الذي رفع دعوى ضد نتنياهو متهمًا إياه بارتكاب جرائم إبادة جماعية ودفاعًا عن حقوق الشعب الفلسطيني، يستحقون جائزة نوبل للسلام”.
وحول ذلك، قال الإعلامي الدكتور أيمن خالد لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “العالم يتجه إلى التغيير الحتمي استجابة لعوامل ومتغيرات عديدة جيوسياسية وجيواقتصادية تفرضها توازنات دولية وإقليمية.. لذلك تحاول إسرائيل ومن خلفها أمريكا الظهور بمظاهر البطش والتسلط لمواجهة هذه المتغيرات الحتمية”.
وأضاف أن “هذا الصلف والتسلط الإسرائيلي المدعوم أمريكيا بكل الاتجاهات السياسية والاقتصادية والعسكرية للمحافظة على قوة متقدمة لها من خلال ما يتضح من جرائمهم في غزة.. وذلك لتشكيل حالة القهر للمجتمع الدولي المناهض لتلك القوة الغاشمة، ويشكل كل ذلك ردة فعل للجهات الدولية المناهضة والتي مازال البعض منها يمتلك قوة القرار والمواجهة، ولعل الجانب القضائي الدولي أو ما يسمى بتفعيل قواعد القانون الجنائي الدولي التي تؤكد مواده الأساسية على ملاحقة مجرمي الحرب ومنتهكي قواعد القانون الدولي الآمرة فيما يخص حقوق الإنسان وحفظ السلم والأمن الدوليين”.
وتابع أن “ما ترتكبه وحدات الجيش الإسرائيلي في غزة من جرائم القتل والترويع والتهجير، أصبحت مكشوفة وواضحة بالدليل القاطع الذي لا يحتاج المداراة والكذب الذي تعودت عليه إسرائيل في المواجهات السابقة”.
ورأى خالد أن “هذا الرصد الجنائي للجرائم الإسرائيلية والذي يضع قادة إسرائيل المتورطين في هذه الحرب أمام المواجهة القانونية وبالتالي العقابية، يعتبر فرصة سانحة للدول الحرة أن تتعقب هؤلاء المجرمين دوليا من خلال محكمة العدل الدولية التي ستجد نفسها ملزمة تحت تأثير الضغط الدولي إذا ما تزايد من خلال عدد الدول التي ستقدم على الخطوة نفسها التي قامت بها دولة جنوب أفريقيا، وهذا ما نجده واضحا من خلال تحرك تركيا أيضا لجمع ملفات الإدانة الجنائية بحق القيادات الإسرائيلية المتورطة في جرائم الإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان في غزة”.
وأعرب عن اعتقاده أنه “إذا ما تم استثمار توجيه الرأي العام العالمي والحشد ضد مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية في غزة، فإن نجاحا أكيدا سيتم في تطبيق قواعد القانون الدولي الجنائي حتى وإن تأخر تنفيذه إلى حين تغيير موازين القوى والمعادلات الدولية والتي تشير طبيعة مجريات الأحداث العالمية الى أن تغييرا قادما لا يستطيع أحد إنكاره”.
وتحمل هذه الدعوى العديد من الدلالات والرسائل والأهمية الاستراتيجية على مختلف المستويات، من بينها:
– تعكس الدعوى التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني والدعم لقضيته العادلة، وتشير إلى تزايد الاستياء والاحتجاج على السياسات والممارسات الإسرائيلية العنصرية والاستعمارية والعدوانية.
– تشكل الدعوى تحديا قانونيا وسياسيا وأخلاقيا للاحتلال الإسرائيلي وحلفائه، وتضعهم في موقف دفاعي ومحرج، وتفضح جرائمهم وانتهاكاتهم ومزاعمهم الكاذبة، وتنال من شرعيتهم ومصداقيتهم.
– تساهم الدعوى في تعزيز القانون الدولي والعدالة الدولية وحقوق الإنسان، وترفع الوعي والمسؤولية الدولية تجاه الوضع الإنساني المأساوي في غزة، وتدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة لوقف العنف والمعاناة.
المحلل والمفكر الاستراتيجي الجزائري بودراع رضا، قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “مقاضاة الكيان الصهيوني يمكن قراءته من وجهين: وجه يحفظ به ماء وجه ما بقي من النظام الدولي الذي انهارت منظومة قيمه وما عاد يقنع البشرية أنه يستحق الاحترام، ووجه آخر يعكس حجم التذمر العالمي من سلوك أمريكا و بنتها المدللة الصهيونية، حيث أصبحوا يرتكبون أبشع المجازر و يطالبون الناس بالسكوت و إلاّ !”.
وزاد قائلا “لقد ضاقت البشرية بالسلوك الأمريكي والغطرسة اليهودية وتطالب بمحاكمتها أمام ذات المؤسسات القضائية الدولية، التي أخذت أمريكا على عاتقها حمايتها وإنفاذ أحكامها”.
وتابع رضا “طبعا لم يعتد الصهاينة على الوقوف كمتهمين، فالغالب كان المتهم ما وصفوه بـ (الإرهاب الإسلامي)، وإذا بهم يجدون أنفسهم والعالم يمقتهم ويصورهم بأبشع الصور كالتي صوروا بها (داعش) من قبل!”.
ومضى موضحاً أن “الأهم اليوم هو أنه ما بين امتصاص غضب العالم بالمحاكمة وبين كونها سابقة مذلة للكيان الصهيوني وراعيتها أمريكا، هناك رسالة واحدة وواضحة وصلت لكل البشرية، وهي أن القيادة الأمريكية للعالم حكم عليها بالانتهاء الفعلي، ويمكننا القول أن مقاضاة الكيان الصهيوني سابقة ستؤرخ باعتبارها انتهاء مشروع الدولة اليهودية، كما أن انكسار أمريكا (راعية الإرهاب الصهيوني) في أفغانستان، يؤرخ لانتهاء عصر العولمة”.
ووسط كل ذلك، لا تزال توقعات وأصداء جلسات الاستماع الخاصة بالدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، داخل محكمة العدل الدولية في لاهاي، تأخذ حيزا مهما من النقاش بشأن ما سيخلص إليه قرار القضاة في الأسابيع القليلة المقبلة.
وتستند دعوى جنوب إفريقيا على روح وأهداف محكمة العدل الدولية وحقوق الإنسان والصك الدولي، فبالتالي هي تمثل أركان القانون الدولي والإنساني، وقد كشفت أحداث ما بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 بالحقائق والبراهين، ولهذا السبب، يعتبر موقف جنوب إفريقيا قويا جدا بالمقارنة مع التبريرات التي قدمها الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يدل على أن إثبات جريمة الإبادة الجماعية لن يكون مستحيلا، حسب حقوقيين.
يشار إلى أن محكمة العدل الدولية نظرت يومَي 11 و12 كانون الثاني/يناير الجاري، في الدعوى المرفوعة من جنوب إفريقيا بشأن تُهمٍ لدولة الاحتلال الإسرائيلي بارتكابها جرائم إبادةٍ جماعية في عدوانها المستمر على غزة منذ أكثر من 100 يوم.
وفي 29 كانون الأول/ديسمبر الماضي، تقدمت جنوب إفريقيا بدعوى من 84 صفحة، تعرض خلالها دلائل على انتهاك الاحتلال الإسرائيلي القوة القائمة بالاحتلال لالتزاماته بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وتورطه في “ارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة”.
ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، يواصل الاحتلال الإسرائيلي شن عدوان مكثفة على المدنيين في قطاع غزة، مخلفا آلاف الشهداء والجرحى، إلى جانب تعمده قطع إمدادات المياه والكهرباء والغذاء والأدوية.
وردا على اعتداءات إسرائيلية يومية بحق الشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة، أطلقت حركة “حماس” وفصائل فلسطينية أخرى في غزة عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث اقتحمت في بدايتها مستوطنات ومواقع عسكرية إسرائيلية في غلاف قطاع غزة محققة نتائج ملموسة.