
أظهرت “طوفان الأقصى” التي نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أن القضية الفلسطينية تُثير اهتمامًا كبيرًا في العالم، وأثبتت أن الشعب الفلسطيني يُمكنه تحقيق انتصارات دبلوماسية عبر مقاومته وصموده.
ومع استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة، تطفو على السطح تساؤلات عدة أبرزها: كيف نجحت “طوفان الأقصى” بتحقيق نقاط سياسية بارزة لصالح فلسطين ومنها اعتراف دول بدولة فلسطين لأول مرة في التاريخ، مناقشة الاعتراف بدولة فلسطين في الهيئة العامة للأمم المتحدة، وتحرك محكمة العدل الدولية ضد الاحتلال الإسرائيلي لأول مرة في التاريخ؟.
وقبل يومين، أعربت تركيا عن “ترحيبها الكبير” بإعلان إسبانيا وإيرلندا والنرويج الاعتراف بدولة فلسطين، اليوم الأربعاء.
وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان “نرحب ترحيبا كبيرا بإعلان إسبانيا وأيرلندا والنرويج الاعتراف بدولة فلسطين”.
وأكد البيان أن “الاعتراف بفلسطين مطلب القانون الدولي والعدالة والضمير”.
وقال البيان إن “هذه خطوة بالغة الأهمية من حيث استعادة الحقوق المغتصبة للشعب الفلسطيني، ومساعدة فلسطين على الحصول على المكانة التي تستحقها في المجتمع الدولي”.
وشدد البيان أن “تركيا سنواصل السعي من أجل أن تعترف المزيد من الدول بدولة فلسطين”.
وفي وقت سابق، أعلنت النرويج وأيرلندا وإسبانيا بشكل متزامن استجابة لحملة سياسية قادتها مدريد، الاعتراف رسميا بدولة فلسطين “وفق ما يتماشى مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة”.
ووفقا لما تم إعلانه يدخل القرار حيز التنفيذ، الثلاثاء، 28 أيار/مايو الجاري، ويمنح فلسطين جميع الحقوق والواجبات كدولة مستقلة.
مراقبون يرون أن “طوفان الأقصى” أظهرت تحولًا استراتيجيًا في مسار القضية الفلسطينية، فلم تكن مجرد عملية عسكرية بل حملت في طياتها رسائل سياسية قوية أثرت على المشهد الدولي، وجعلت العالم يشهد صعودًا ملحوظًا في الاعتراف بدولة فلسطين.
وأدى تصاعد وتيرة عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة ونشر صور وحشية للجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، إلى موجة دعم شعبي غير مسبوقة لفلسطين في العالم.
كما دفعت موجة الغضب الدولي إلى ممارسة ضغط كبير على الاحتلال الإسرائيلي، ودفع العديد من الدول إلى مراجعة موقفها من القضية الفلسطينية.
وبينما لم تؤد “طوفان الأقصى” إلى اعتراف رسمي لدولة فلسطين من قبل دول رئيسية، إلا أن بعض الدول أعلنت اعترافها بدولة فلسطين في مختلف المستويات، وتضاعف الدعم الدولي للمشاريع الدولية التي تهدف إلى مساعدة الشعب الفلسطيني.
وأدت “طوفان الأقصى” ليشهد العالم قرارات دولية وأممية تدعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ما ضغط على الاحتلال الإسرائيلي للامتثال لها، حيث تُعد مناقشة الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة وسيلة ضغط على الاحتلال للعودة إلى طاولة المفاوضات، ووقف سياساته الاستيطانية.
وكانت محاولة الفلسطينيين إحالة الاحتلال الإسرائيلي إلى محكمة العدل الدولية لمراجعة قانونية بشأن احتلاله لفلسطين خطوة تاريخية تُعدّ سابقة في مسار القضية الفلسطينية، إذ يُمكن لمحكمة العدل الدولية التي تُعتبر هيئة مستقلة أن تُدين جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.
وحول ذلك، قال الإعلامي أيمن خالد لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “لا يمكن فصل الانتصار الاستراتيجي لأية قضية من القضايا العالمية والتي تلقي بأثرها في محيط العلاقات الدولية، دون النظر إلى الانتصار الدبلوماسي أو لنقل تفعيل السلوك الدبلوماسي كأحد محددات عوامل النصر أو كسب المعركة. والأمور هنا تقاس بنتائجها وانعكاسها وتأثرها على سير الأمور مستقبلا”.
وأضاف خالد “نعتقد ومن دون شك، بل إن بعض مظاهر ما تحقق من نتائج عملية (طوفان الأقصى) هو حالة إقدام الدول المهمة على خارطة التأثير العالمي على الاعتراف بدولة فلسطين عضوية مكتملة، وهذا الذي تجلى في القرار المتخذ من قبل أسبانيا والنرويج وإيرلندا، وهناك تداعي دولي حقيقة للدخول في نادي المعترفين بدولة فلسطين”.
وتابع “من خلال ما توضحه اتجاهات الدول في مسيرتها تجاه القبول بفلسطين دولة مكتملة السيادة، فإن عاملا دافعا لذلك التحول الاستراتيجي في نظر العالم تجاه القضية الفلسطينية، وليس أكثر طوفان الأقصى الذي كان لنتائجه ذلك التأثير العظيم في الرأي العام الدولي”.
وزاد خالد “لعل ذلك التأثير الهائل، هو ما دفع قبل ذلك نزوع العالم إلى موقف المستوحش من السلوك الإجرامي للحكومة الإسرائيلية وقيادات جيشها التي أوغلت بدماء الفلسطينيين وتدمير مقدراتهم ووسائل حياتهم، الأمر الذي أكسب القضية الفلسطينية بل وأعاد التذكير بشرعيتها باعتبارها تمثل شرعية امتلاك الأرض وشرعية المقاومة والدفاع عنها، ذلك الأمر الذي دعا الدول التي تمتلك سجلا حافلا بالحريات والديمقراطية إلى استدعاء والدفع بتحرك محكمة العدل الدولية ضد الاحتلال الإسرائيلي لأول مرة في التاريخ”.
وختم خالد قائلا “يأتي الموضوع ذو الأهمية العالية أيضا، هو تجديد الضغط باتجاه مناقشة الاعتراف بدولة فلسطين في الهيئة العامة للأمم المتحدة، وذلك بظهور يمثل ثقلا مختلفا عن كل مرة بعد أن فرضت نتائج طوفان الأقصى الحالة الفلسطينية أمام أنظار المجتمع الدولي كحتمية مكتملة، لتثبيت الحق الفلسطيني بدولة تعبر عن نفسها وطموحات شعبها المناضل صاحب الأرض، للوقوف بوجه الاحتلال الإسرائيلي الذي بدا عاجزا في إخفاء جرائمه المرتكبة بحق الفلسطينيين أمام أنظار العالم”.
بالمقابل، لا تزال هناك دول تُعارض الاعتراف بدولة فلسطين، وتُقدم الدعم الكامل للاحتلال الإسرائيلي، ما يضع تحديات كبيرة أمام المجتمع الدولي في تطبيق القوانين الدولية.
كما يُواجه المجتمع الدولي صعوبات في إلزام الاحتلال الإسرائيلي بإنهاء احتلاله وفك الاستيطان، وإقناعه بالعودة إلى طاولة المفاوضات.
ولفت مراقبون الانتباه، إلى أن “طوفان الأقصى” أطلقت سلسلة من التحركات الدبلوماسية داخل الأمم المتحدة، خاصة وأن استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي أدى إلى تجديد النقاشات حول ضرورة الاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل في الأمم المتحدة، مشيرين إلى أن هذه النقاشات لم تكن جديدة، لكن العملية أعادت تركيز الاهتمام الدولي على الموضوع وأعطت زخماً جديداً لهذه الجهود.
واعتبروا أن عملية “طوفان الأقصى” لم تكن مجرد عملية عسكرية، بل أثرت بشكل كبير على الساحة السياسية الدولية، وساهمت في تحقيق بعض الأهداف السياسية الهامة للقضية الفلسطينية. هذه التحركات تُظهر كيف يمكن للأحداث على الأرض أن تترجم إلى مكاسب دبلوماسية وسياسية على الساحة الدولية.
بدوره، رأى مسؤول المكتب السياسي في هيئة فلسطين محمد السعدي في حديثه لـ”وكالة أنباء تركيا”، أن “كل هذا يعود أولاً إلى صمود المقاومة في وجه واحدة من أعتى القوى العسكرية في العالم، مدعومة من دول تمتلك أكثر من 80% من قوة العالم النووية وغير النووية، مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، إذ أن هذه الدول، رغم عدم امتلاك بعضها لأسلحة نووية، لكنها تمد دولة الاحتلال إسرائيل بالدعم اللازم”.
وأضاف أن “صمود المقاومة، الذي يصفه البعض بالأسطوري، نعتبره نحن طبيعياً، لأننا أهل الأرض وقد أخذنا بأسباب القوة المادية من خلال حفر الأنفاق وتجهيز المقاتلين تجهيزاً عقدياً، وسياسياً، وعسكرياً، وأمنياً، إضافة إلى أن المجتمع الفلسطيني أصبح قوياً بما يكفي ليصمد في وجه هذا الاحتلال”.
وتابع السعدي أن “النقطة الثانية هي قدرة المقاومة على تسويق رواياتها في الإعلام، حيث بدأت الرواية الفلسطينية تتفوق على الرواية الصهيونية. وبعد أن كان الإعلام التقليدي يُسوق الرواية الصهيونية، استطاعت المقاومة الآن وعبر وسائل التواصل الاجتماعي نقل الصورة الحقيقية عن المحتل المجرم إلى الدول الغربية التي كانت إعلامياً مسيسة. وهذا الأمر جعل الضغط الشعبي يتصاعد، كما نرى في الجامعات والمظاهرات في الشوارع، مما ضغط على الحكومات لاتخاذ قرارات مؤيدة للحق الفلسطيني أو على الأقل عدم ممانعة بعض القرارات التي كانت تُعارض بشدة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا”.
وأشار إلى أن “السلطة الفلسطينية وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل قبل 30 سنة ولم تحصل على تنازلات، بل زاد الاستيطان والاعتقالات والقتل. أما الآن وبفضل عملية (طوفان الأقصى) فإن المقاومة تنتزع حقوقاً من هذا العدو”.
وأكد السعدي أن “الرواية الفلسطينية سادت وتفوقت على الرواية الصهيونية، بفضل توظيف المقاومة للعامل الإعلامي بجانب العامل العسكري. أي أن المقاومة استغلت العامل العسكري من خلال التدريب، والتأهيل، وحفر الأنفاق، والتصنيع، وكذلك استطاعت تسويق الرواية الفلسطينية بشكل كبير إلى دول العالم وانتزاع اعترافات ودعم لقضيتها”.
وختم السعدي قائلا “لا ننسى دور الجالية الفلسطينية والعربية والإسلامية في تحريك المجتمعات وضغطها على الحكومات، فالمظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة بزخمها وشكلها المفاجئ للمجتمع الأمريكي، دليل على تأثير الرواية الفلسطينية في الوقت الذي كانت فيه الرواية الصهيونية تسيطر على الرأي العام الأمريكي، وكل هذا بفضل الجهود المشتركة والتفاعل بين الجاليات وتحريك المجتمعات باتجاه دعم الحق الفلسطيني”.
يشار إلى أنه وفي 29 كانون الأول/ديسمبر الماضي، تقدمت جنوب إفريقيا بدعوى من 84 صفحة، تعرض خلالها دلائل على انتهاك الاحتلال الإسرائيلي القوة القائمة بالاحتلال لالتزاماته بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وتورطه في “ارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة”.
ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، يواصل الاحتلال الإسرائيلي شن عدوان مكثفة على المدنيين في قطاع غزة، مخلفا آلاف الشهداء والجرحى، إلى جانب تعمده قطع إمدادات المياه والكهرباء والغذاء والأدوية.