تشهد فعاليات تنظيم بطولة أمم أوروبا 2024 في ألمانيا موجة من الانتقادات اللاذعة من قبل اخصائيين وذلك بسبب الفشل والمشاكل التنظيمية والفنية التي تتسم بها البطولة.
وتأتي هذه الانتقادات في ظل المقارنة البديهية مع النجاح الباهر الذي حققته قطر في تنظيم “مونديال قطر 2022″، الذي أبهر العالم بقدراته التنظيمية وكفاءته، والذي تخلله العديد من الخطوات التنظيرية من قبل ألمانيا.
وتواجه بطولة “يورو 2024” في ألمانيا العديد من المشاكل التنظيمية، بينها سوء حالة الملاعب، إذ شهدت بعض الملاعب تسربًا للمياه خلال المباريات.
وشهد ملعب سيغنال إيدونا بارك، فوضى عارمة قبل انطلاق مباراة تركيا وجورجيا بسبب تسرب مياه الأمطار الغزيرة إلى أجزاء منه، وأثارت المشاهد سقوط الأمطار في دورتموند سخرية من الجماهير الرياضية داخل الملعب وخارجه على منصات التواصل.
كما وقعت أعمال شغب واشتباكات بين الجماهير خلال بعض المباريات، ما يشير إلى قصور الأمن بالسيطرة على الوضع، حسب محللين رياضيين.
وخلال البطولة، شهدت مباريات مشاجرات عنيفة بين المشجعين داخل الملاعب وخارجها خاصة خلال مباراة إنكلترا وصربيا في 16 حزيران/يونيو الجاري.
ولم يرق حفل افتتاح البطولة إلى مستوى التوقعات، حيث اتسم بالروتين وعدم الإبهار وعدم وجود رسائل إنسانية معبرة، في حين عانى الكثير من المشجعين من نقص في التجهيزات، مثل أماكن الإقامة ووسائل النقل.
ووصفت عناوين الصحف العالمية، تنظيم ألمانيا البلد المستضيف لمنافسة بطولة يورو 2024 بـ”الكارثي”.
وحسب صحيفة “ديلي ميل”، فقد انتقد المشجعون الإنكليز تنظيم الحدث “الكارثي التام” في يورو 2024، مع قطار واحد كل 20 دقيقة لـ 45 ألفًا.
وحول ذلك، قال الكابتن أنس حسين، حكم سابق مقيم في فرنسا لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “الكل شاهد العيوب في التنظيم والبنى التحتية في اليورو الحالي الذي تنظمه ألمانيا، وبرأيي يعود ذلك إلى السبب الاقتصادي، حيث بدأت هذه المشكلة مع ظهور (كورونا) وما ألحقته بنتائج سلبية على المستوى الاقتصادي الأوروبي، إذ تسعى الصين للتربع على عرش الاقتصاد العالمي بقوة ما دفع الأوروبيين لاتباع سياسة التقنين”.
وأضاف “وكوني أعيش في فرنسا فهذا واضح على المستوى الأوربي عامة بالنسبة لي، إذا يتبع الأوربيون سياسة التقشف واستهلاك رصيدهم من كل شيء على حساب الكماليات، وبدأت تظهر نتائج ذلك علناً من خلال بطولة اليورو في ألمانيا حاليا، وسوف تلاحظون ذلك في أولمبياد باريس هذا الصيف وأتوقع ظهور مشكلات مشابهة في الأولمبياد المقبلة”.
وتابع حسين “بالعودة للمقارنة بين كأس العالم في قطر واليورو في ألمانيا نجد أن ما رجّح كفة قطر على مستوى البنى التحتية هو ضخ الأموال لتحقيق النجاح مع عدم وجود خبرة تنظيمية سابقة، حيث تمكنت قطر من التغلب على أي عيوب تنظيمية من خلال البنى التحتية الكبيرة فيما كشفت الأزمة الاقتصادية ألمانيا الآن”.
واعتبر حسين أن “هذا الواقع الاقتصادي مهد لليمين واليمين المتطرف بالصعود على مستوى الانتخابات المحلية والأوروبية، وكلنا نلاحظ صعود اليمين في أوروبا من خلال انتخابات البرلمان الأوروبي في الأيام الماضية، وهذا ما تحدث عنه النجم الفرنسي كيليان مبامي في تصريح يخص اليورو والأولمبياد وهذه سابقة إذ لم يكن من المفضل الخوض بهكذا حديث في مناسبات رياضية”.
وختم بالقول “أستطيع أن أعنون عن المشاكل التنظيمية ليورو ألمانيا بما يلي: الواقع الاقتصادي يلقي بظلاله على بطولة اليورو الحالي، وبالتالي فإن أولمبياد باريس على نفس الطريق”.
بدوره، عبّر المحلل الرياضي محمد أبو تريكة عن خيبة أمله من سوء تنظيم يورو 2024، مُقارنًا إياه بنجاح قطر في مونديال 2022.
وقال أبو تريكة خلال تحليله لمجريات البطولة في ألمانيا “خلال مونديال قطر، وضع لاعبو ألمانيا أيديهم على أفواههم، ونحن الآن نضع أيدينا على أعيننا، والتنظيم في بطولة اليورو سيئ وفيه الكثير من المشاكل”.
ولاقى رأي أبو تريكة تأييدًا واسعًا من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين تداولوا العديد من الفيديوهات والصور التي تُوثّق سوء التنظيم في البطولة.
من جهته، تحدث عبد العزيز دالاتي وهو حكم سابق مقيم في ألمانيا، قائلا لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “في سعيها لاستضافة بطولة أمم أوروبا 2024، حاولت ألمانيا تنظيم البطولة بأقل قدر ممكن من التكاليف، وذلك بسبب حرص الحكومة الألمانية على تقليل المصاريف لتجنب انتقادات الشعب والصحافة”.
وأشار دالاتي إلى أن من “أبرز السلبيات التي تؤكد عدم نجاح ألمانيا باستضافة البطولة كانت من الناحية الأمنية، فأحداث الشغب التي وقعت قبيل مباراة إنجلترا وصربيا تسببت بإصابة عناصر من شرطة مكافحة الشغب وعدد من المشجعين، إضافة إلى احتجاز عدد من مشجعي المنتخب الصربي وتحطيم عدد من المطاعم في مدينة غيلزينكيرشن، ولم تكن هذه الحادثة الوحيدة، حيث شهدت مباراة تركيا وجورجيا أعمال شغب داخل الملعب، مما أدى إلى وقوع إصابات بين المشجعين”.
يشار إلى أن “مونديال قطر 2022” لم يشهد أي أحداث أمنية أو أي أعمال شغب رغم الأعداد الكبيرة من المشجعين الذين حضروا إلى الدوحة لتشجيع منتخبات بلادهم.
ولفت دالاتي إلى أن “البنية التحتية السيئة لبعض الملاعب وعدم جاهزيتها كانت من الأمور التي أثارت حفيظة العديد من المنتخبات والمشجعين في ألمانيا.. كما وردت شكاوى متعددة من سوء أرضيات بعض الملاعب الألمانية، وأيضا تسرب مياه الأمطار فوق المشجعين في الملاعب ما تسبب بفقدان المتعة الكروية للمشاركين والمشجعين على حد سواء”.
وأفاد أن “الفوضى في المواصلات العامة، خاصة في القطارات والمترو، أدت إلى تكدس الجماهير في المحطات وتأخير وصولهم للملاعب، ما زاد من تعقيدات تنظيم يورو 2024”.
وزاد موضحاً أنه “في محاولة للسيطرة على أعمال الشغب بين الجماهير، اضطرت السلطات الألمانية إلى الطلب من اللجنة المنظمة بعدم بيع الكحول في الملاعب ومحيطها. هذه الخطوة كانت تهدف إلى تقليل الشغب بين الجماهير، لكنها جاءت متأخرة ولم تكن كافية لتحسين الوضع العام”.
وبالمقارنة مع مونديال قطر “تجدر الإشارة إلى أن الحملات الممنهجة التي تعرضت لها قطر خلال تنظيمها مونديال 2022، فمعظم الدول الغربية، وعلى رأسها ألمانيا، انتقدت قطر بسبب منع بيع الكحول في الملاعب ومحيطها، و(سوء التنظيم) المزعوم، ومع ذلك، أظهرت التجربة القطرية نجاحًا باهرًا في تنظيم البطولة، حيث أثنى الجميع ابتداء من الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA وانتهاء بمشجعي المنتخبات على البنية التحتية الممتازة والمواصلات الفعالة والملاعب الحديثة وحسن التنظيم الاستضافة التي نالت قطر عليها إشادة واسعة”، حسب دالاتي.
وختم دالاتي قائلا “من الواضح أن ألمانيا، بدلاً من توجيه حملات الانتقاد لقطر، كان ينبغي عليها أن تركز جهودها على التحضير الجيد لاستضافة بطولة أمم أوروبا 2024. وفي النهاية، يجب أن تكون استضافة البطولات الرياضية فرصة لتعزيز السمعة الدولية وإظهار القدرة على التنظيم والاستضافة بشكل يليق بالحدث وأهميته، وهذا الذي نجحت به قطر ولم تنجح به ألمانيا. في المقابل، شهدت بطولة كأس العالم 2022 في قطر نجاحًا تنظيميًا لافتًا، حظيت بإشادة واسعة من مختلف أنحاء العالم، حيث تميزت البطولة بملاعبها الحديثة والبنية التحتية المتطورة، ونظام النقل الفعال، والأمن المُحكم، بالإضافة إلى الفعاليات الترفيهية والثقافية المُصاحبة”.
ويرى مراقبون أن سوء تنظيم يورو 2024 في ألمانيا يُشكل تناقضًا صارخًا مع النجاح الباهر لتنظيم قطر لمونديال 2022. ويُسلّط هذا التناقض الضوء على أهمية التخطيط الجيد والكفاءة في إدارة مثل هذه الأحداث الرياضية الكبرى، لضمان تجربة مميزة للمشاركين والجمهور على حدٍّ سواء.