تقاريرمميز

اليمين المتطرف في أوروبا.. صعود مقلق وتأثيرات محتملة على الجالية المسلمة (تقرير)

تشهد أوروبا صعوداً ملحوظاً لليمين المتطرف، في ظل أزمات اقتصادية متلاحقة ومخاوف أمنية متزايدة، مستغلاً خطاباً شعبوياً معادياً للهجرة والإسلام، مما ينذر بتداعيات مقلقة على نسيج المجتمع الأوروبي عامة، وعلى الجالية المسلمة بشكل خاص.

ويتغذى صعود اليمين المتطرف على عدة عوامل، أبرزها الأزمات الاقتصادية، إذ تُشكل البطالة وتدني مستويات المعيشة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، أرضية خصبة لليمين المتطرف لنشر خطابه الشعبوي الذي يحمل المهاجرين والمسلمين مسؤولية تردي الأوضاع.

وتُساهم الهجرة وخاصة من الدول الإسلامية، في تأجيج مخاوف قومية لدى بعض الأوروبيين من “أسلمة” مجتمعاتهم وتغيير هويتها الثقافية، مما يعزز من خطاب اليمين المتطرف المعادي للإسلام.

ومطلع حزيران/يونيو الجاري، عبّر عدد من الأجانب والمهاجرين والمنظمات في فرنسا وألمانيا عن مخاوفهم في أعقاب تصدر اليمين المتطرف نتائج الانتخابات الأوروبية.

وحققت الأحزاب اليمينية المتطرفة مكاسب كبيرة في انتخابات البرلمان الأوروبي، بداية حزيران/يونيو الجاري، من خلال صعودها إلى المراكز الأولى أو تحسين نتائجها السابقة، خاصة في فرنسا وإيطاليا والنمسا وألمانيا.

وأكد مراقبون أنه “خلال العقدين الماضيين، لعب الإعلام دورًا رئيسيًا في تشكيل الوعي والمواقف تجاه الإسلام والمسلمين في أوروبا”، مشيرين إلى أن “هذا الإعلام غالبًا لا يعكس الطبيعة الحقيقية للإسلام ولا الوعي الديني الإسلامي المتسامح مع روح العصر، مما يؤثر سلبًا على صورة الإسلام والمسلمين في أوروبا”.

وتُعرف الأحزاب اليمينية في جميع الدول الأوروبية بدون استثناء بمعاداتها للمهاجرين من جميع الجنسيات، ورهاب الإسلام والمسلمين.

ومن المتوقع أن تتغير سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه المهاجرين والمسلمين لا سيما في الدول التي تعرف ارتفاع عدد المهاجرين من الدول العربية، ودول جنوب الصحراء كألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا، حسب مراقبين.

وقالت المحللة السياسية عائدة بن عمر لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “إن صعود اليمين المتطرف في أوروبا خاصة فرنسا وألمانيا نذير شؤم على القارة العجوز رغم المشاكل والتخبطات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها القارة العجوز منذ أزمة جائحة (كورونا) وتفاقمها مع الحرب الروسية الأوكرانية”.

وأضافت “استغلت أحزاب أقصى اليمين فرصة تراجع شعبية الأنظمة اليسارية والليبرالية وتمكنت عن طريق الخطابات الشعبوية من الفوز في انتخابات البرلمان الأوروبي، ما جعل الرئيس إيمانويل ماكرون يقوم بحل الجمعية الوطنية العامة بعد خسارة حزبه، وحتى ذلك حصل في ألمانيا وحدث سابقا في إيطاليا ويتوقع أن يحدث في بلدان أخرى كإسبانيا وهولندا وغيرها، وهذا بسبب فشل الأنظمة التقليدية من تحقيق مطالب شعوبها”.

ورأت أن “صعود اليمين المتطرف خطر كبير وهذا بسبب آرائهم العنصرية تجاه المهاجرين والأقليات ما يخلق أزمة داخلية في الاتحاد الأوروبي، بسبب وجود عدد كبير من الأقليات والمهاجرين وهذا قد يؤدي إلى زيادة أعمال العنف”.

ولفتت إلى أنه “في ملف آخر، فإن حزب التجمع الوطني الفرنسي بقيادة مارين لوبان يؤيد روسيا في الحرب ما قد يعني قد يتم التخلي عن أوكرانيا التي هي خط دفاعهم الأول، وعموما نترقب و نرى ما سيحصل قريباً”.

واعتبرت أن “صعود اليمين المتطرف في أوروبا بداية من جورجيا ميلوني وصولا إلى ماري لوبان ثم بلجيكا بعد سقوطه نهاية الحرب العالمية الثانية، يُعدّ تحولا تاريخيا له ما بعده، خاصة تجاه القضايا الكبيرة التي تهم الضفة الجنوبية للمتوسط والتعاطي مع الحرب الأورو_سوفياتية /اشتراكية- رأسمالية”، مضيفة أن “اتحاد (ميلوني- لوبان) سيكون قوي في الضغط على تدفق المهاجرين نحو أوروبا، إضافة إلى النزعة العنصرية للسيدتين، وربما سنرى انتهاكات حقيقية لحقوق الإنسان خاصة اللجوء والتجنيس”.

وختمت قائلة إن “الاتحاد الأوروبي في اعتقادي يذهب للتفكك على غرار الاتحاد السوفيتي سابقا وبروز الدول القومية أو الدولة الأم كألمانيا القوية، مع تراجع كبير وانحسار للنفوذ الاستعماري الفرنسي، ولذلك فإن هنالك انفجارات اجتماعية قادمة مع التضخم الكبير واكتساح الصين وروسيا لأفريقيا التي يتغذى عليها الاقتصاد الأوروبي”.

وأنذر مراقبون من أنه “سيكون هناك تضييق أكثر على مستوى حصولها على الحقوق التي تضمنها القوانين الأوروبية، فمثلاً مثلاً سيتم تشديد فرص الحصول على الإقامة والجنسية، وسيتم سن قوانين تضيق من حصول الأجانب على حقوق أكبر، خاصة إذا كان عددهم يتجاوز 200 أو 250 نائباً عوض 110 من اليمين المتطرف في تشكيلة البرلمان الأوروبي، ما يعني أنهم سيؤثرون بعدم التصويت لصالح قوانين أفضل في مجال الهجرة، إن كان داخلياً أو على المستوى البرلمان الأوروبي”.

من جانبه، قال الباحث السياسي حسام البرم المقيم في فرنسا لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن صعود اليمين المتطرف في أوروبا سيكون لها آثار وتبعات مباشرة “وسيكون هناك تضييق على الجالية المسلمة، ولكن في النهاية فإن الجالية المسلمة موجودة وفعالة من الناحية الديمغرافية مقارنة بتعداد السكان، إضافة إلى أنهم يعملون في قطاعات لا تضايق أبناء البلد (لوجستية، حرف ثقيلة) أي قطاعات مجهدة وعائدها المالي ليس بكثير”.

وأضاف “ربما يكون هناك فقاعة تؤثر بشكل مبدئي على الجالية المسلمة في أوروبا من ناحية فرض بعض القوانين التي تهدف إلى مضايقتهم”.

ووسط كل ذلك، أجمع محللون على أنه من المتوقع أن يؤدي صعود اليمين المتطرف إلى زيادة حالات العنصرية والتمييز ضد المسلمين، سواء في الأماكن العامة أو في مواقع العمل والتعليم.

وقد تسعى الحكومات اليمينية إلى فرض قوانين أكثر صرامة على الهجرة واللجوء، مما سيؤثر على المسلمين الذين يسعون للانتقال إلى أوروبا أو لم شمل عائلاتهم.

وقد تفرض الأحزاب اليمينية قيودًا على الممارسات الدينية للمسلمين، مثل حظر ارتداء الحجاب في المدارس والأماكن العامة، ومنع بناء المساجد. كما قد تؤدي السياسات اليمينية إلى تقليص الدعم الاجتماعي والخدمات الموجهة للأقليات، مما يزيد من تحديات الاندماج والتعايش، وفق تعبيرهم.

يشار إلى أن هناك الكثير من الأسباب تجعل الجالية المسلمة عنصرًا مهمًا في نسيج المجتمع الأوروبي، وتساهم في تشكيل مستقبل القارة من خلال مشاركتها الفعالة في مختلف جوانب الحياة، من أبرزها:

  • تساهم الجاليات المسلمة في إثراء التنوع الثقافي في أوروبا، حيث تجلب معها تقاليد وعادات متنوعة تساعد على تعزيز التفاهم الثقافي والتبادل.
  • يعمل الكثير من المسلمين في قطاعات مختلفة، مما يساهم في الاقتصاد الأوروبي، خاصة في الصناعات والخدمات التي تتطلب يد عاملة ماهرة.
  • تشكل الجاليات المسلمة نسبة مهمة من السكان في بعض الدول الأوروبية، مما يعطيها وزنًا ديموغرافيًا واجتماعيًا ملحوظًا.
  • تعزز الجاليات المسلمة التفاعل الاجتماعي من خلال المشاركة في الأنشطة المجتمعية والمبادرات الاجتماعية، مما يساعد على بناء مجتمعات متماسكة.
  • يساهم العديد من المسلمين في الأوساط الأكاديمية والبحث العلمي في أوروبا، مما يساعد على تطوير المعرفة والابتكار.
  • تمتلك الجاليات المسلمة تأثيرًا سياسيًا في بعض الدول الأوروبية، خاصة في الانتخابات والقضايا السياسية التي تؤثر على حياتهم.
زر الذهاب إلى الأعلى