تقاريرهام

قطر 2022 مقابل يورو وكوبا 2024.. قصة نجاح رياضي وفشلين ذريعين (تقرير)

انتهى فصل بطولة كأس أمم أوروبا 2024، مساء الأحد، تاركاً خلفه مشاهد مُروعة للعنف والتخريب، مع فشلٍ مُريعٍ من قبل السلطات الألمانية في إدارة الفعاليات.

وأعادت هذه الفوضى وأعمال الشغب إلى ذاكرة عشاق كرة القدم ما شهده مونديال قطر 2022، والنجاح الباهر الذي حققه المونديال بشهادة الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” وصحف عربية وعالمية أيضاً، بحسب مراقبين.

تُظهر المقارنة بين بطولة يورو 2024 وبطولة كأس العالم 2022 في قطر فجوة هائلة في مجال التنظيم، حيث تُظهر قطر نموذجاً يُحتذى به في تنظيم فعالية رياضية عالمية، بينما عانت أوروبا من فشلٍ ذريعٍ، أثار غضب مشجعي كرة القدم، وشكوكاً واسعةً حول قدرة القارة العجوز على استضافة فعالياتٍ عالمية.

أعمال عنف بين مشجعي المنتخبات

وشهدت بطولة يورو 2024 سلسلة مُتواصلة من أعمال العنف بين مشجعي المنتخبات المُشاركة، بدءاً من الاشتباكات العنيفة بين جماهير إنجلترا وصربيا وألبانيا، والتي أسفرت عن تكسير عددٍ من المقاهي والطاولات في شوارع برلين، مما استدعى تدخل الشرطة.

ولم تقتصر الاشتباكات على الشوارع، بل امتدت إلى داخل ملاعب المباريات، حيث شهدت مباراة تركيا وجورجيا أعمال عنف كبيرة بين الجماهير، تخللها تدخل الشرطة للتحكم بالوضع، رغم الأمطار الغزيرة التي سقطت على ملعب المباراة.

وعقب إقصاء منتخب بولندا من دور المجموعات، اشتبك مشجعو المنتخب مع الشرطة الألمانية، مما اضطر عناصر مكافحة الشغب للتدخل للحَدّ من عمليات التخريب.

واختتمت جماهير إنجلترا المشهد الفوضوي باشتباكاتٍ مع جماهير إسبانيا والشرطة الألمانية بعد خسارة منتخبهم لقب البطولة، مُظهِرين فشلاً ذريعاً في احترام الروح الرياضية.

غياب الخدمات الأساسية

ولم تقتصر المشاكل على أعمال الشغب، بل امتدت لتُشمل غياب الخدمات الأساسية في جميع وسائل النقل والمواصلات، حيث عانت الجماهير من تكدس شديدٍ قبل وبعد المباريات، مما أثار غضبهم.

وفُوجئ منتخب هولندا بتأخر قطاره بينما كان متوجهاً إلى دورتموند، مما أدى إلى إلغاء مؤتمره الصحفي قبل مُباراة نصف النهائي ضدّ إنجلترا، واضطر الفريق لِالتوجه بالطائرة، مما تأخر وصوله.

ولم تكن تحذيرات هيئة الأرصاد الجوية الألمانية من الأمطار كافيةً لِدفع السلطات لِاتخاذ أي إجراءاتٍ احترازية، فقد شهدت مُباراة تركيا وجورجيا أمطاراً غزيرة، وأظهرت اللجنة المنظمة فشلاً ذريعاً في إدارة الأزمة، مما أثبت غياب الاستعداد المسبق للأحوال الجوية.

وتوالت أزمة الأمطار مُجدداً، مما أدّى إلى إيقاف مُباراة ألمانيا والدنمارك مؤقتاً، عُكِسَ فيها غياب التنسيق والعجز عن التحكم بِحالة الملعب.

وأظهر غياب التنسيق بين اللجنة المنظمة والمسؤولين عن الأمن فشلاً ذريعاً في التعرف على المُدرب الفني لِمنتخب تركيا أثناء دخوله الملعب، مُحاولة منعه من الوصول إلى مقعده قبل دقائق من بدء المُباراة.

وعكست محاولات الجمهور لاقتحام الملعب لِالتقاط الصور مع اللاعبين فشلاً ذريعاً في التأمين والتحكم بِحركة الجمهور داخل المُلعب.

وقال الكابتن أنس حسين، وهو حكم رياضي سابق لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “بالنسبة لأعمال الشغب التي رافقت ما قبل نهائي (يورو 2024)، فمن المعروف أن جماهير انكلترا غالبا ما يفتعلون المشاكل خلال أي مباراة مهمة، ولذلك فإن الدولة المنظمة لا تتحمل مسؤولية أعمال الشغب. أي في حال كان من قام بأعمال الشغب الجمهور الألماني فيمكن حينها توجيه اللوم لألمانيا بخصوص الفشل في أعمال التنظيم”.

وأكد أنه لا يوجد شك بأنه حصلت الكثير من الأخطاء والمشاكل التنظيمية خلال بطولة “يورو 2024″، والعالم كله بات على علم بالنقاط الإيجابية والسلبية سواء لبطولة قطر 2022 أو لبطولة يورو 2024، حسب تعبيره.

وتابع “بالمختصر، فإن الدولة المنظمة تحاسب فقط عن طريقة احتواء أعمال الشغب للجمهور الإنجليزي هل كانت طريقة ناجحة أو طريقة حضارية أو مفيدة، خاصة وأن التقارير تشير إلى وجود كم كبير من المشجعين الإنجليز أي بحدود 30 ألف مشجع”.

“تعلموا من قطر”

وكان اللافت للانتباه أصوات عشاق كرة القدم التي تعالت للتذكير بمونديال قطر 2022، وكيف أشادت الصحافة العالمية حينها بِنجاح المونديال في قطر، مُقارنةً بِمشهدٍ مأساويٍ في يورو 2024.

وأعادوا التذكير بما جاء في تقرير لصحيفة “التايمز” البريطانية، لفتت فيه انتباه العالم إلى تجربة النساء الإنجليزيات في قطر، اللاتي لم يُعانين من أي مضايقات، مُقارنةً بتجاربهن في إنجلترا، مُؤكدةً أنّ قرار السلطات القطرية بِمنع المشروبات الكحولية خلال المُباريات ساهم في ذلك.

كما أكد ضابط كبير في الشرطة البريطانية على ضرورة اتخاذ إجراءاتٍ مُشابهة لِالتزامات قطر في مجال السلوك والضيافة، مؤكداً أن عدم وجود أعمال شغب في قطر يُبرهن على إمكانية تنظيم فعالية رياضية عالمية بشكلٍ مُتطورٍ وآمنٍ، حسب “التايمز” البريطانية.

بين يورو 2024 وقطر 2024

ووسط كل ذلك، تُثبت الأحداث المأساوية في بطولة يورو 2024 أنّ التنظيم المُتقن هو عامل أساسي لنجاح أي فعالية رياضية. بينما نجحت قطر في إبهار العالم بِبطولةٍ سلسةٍ ومُتطورةٍ من جميع النواحي، يُظهر الفشل المُريع في ألمانيا أنّ الكرة الأوروبية تعاني من مشاكل مُتراكمة، تحتاج إلى حلول سريعة، قبل أن تضرب سمعة هذه الرياضة في الصميم، وفق محللين ومراقبين مهتمين بالشأن الرياضي.

فوضى كوبا أمريكا 2024.. تكرار أخطاء تنظيمية

ولم يقتصر الأمر على الفوضى والشغب في بطولة كأس أمم أوروبا (يورو 2024)، حيث شهدت بطولة كوبا أمريكا 2024، التي استضافتها الولايات المتحدة الأمريكية، فوضى عارمة أيضاً قبل نهائي البطولة بين الأرجنتين وكولومبيا، مما أدى إلى تأجيل اللقاء لمدة 75 دقيقة، وفتح الأمر نقاشًا واسعًا حول التنظيم الضعيف للبطولة، خاصة في ظل المقارنة مع النجاح اللافت لمونديال قطر 2022.
أزمة  قبل النهائي
وفيما كان من المفترض أن يكون حدثًا احتفاليًا، شهدت الساعات السابقة لنهائي كوبا أمريكا فوضى غير مسبوقة. فقد أغلقت أبواب ملعب هارد روك في ميامي، المستضيف للمباراة النهائية،  قبل موعد انطلاق اللقاء، مما أدى إلى تكدس عشرات الآلاف من المشجعين، وانتشار حالة من الشغب.

تدافع و اقتحام

وأدى تكدس المشجعين أمام بوابات الملعب إلى تدافع عنيف، وحاولت شرطة ميامي السيطرة على الموقف، إلا أن المشجعين اقتحموا مدرجات  الملعب، سواءً أصحاب التذاكر أم لا، مما أدى إلى تأجيل المباراة لمدة 30 دقيقة. وتم القبض على عشرات المشجعين الذين شاركوا في الفوضى.

ردود فعل

وأثار الحدث غضب  المشجعين ومواقع  التواصل الاجتماعي، التي تضمنت  كثيراً من التعليقات  الناقدة  للإدارة  الأمريكية  للكرة  القدم،  مع  ربطها  بنجاح  مونديال  قطر  2022، الذي  شهد  تنظيمًا مثاليًا وتغطية إعلامية واسعة.

وقال الصحفي الرياضي غياث تفنكجي لـ “وكالة أنباء تركيا”، “أنا كنت حاضرا في مونديال قطر 2022، وبصراحة التنظيم كان رائعاً بكل معنى الكلمة والمقاييس”.

وأضاف “بالمقابل لو أردنا المقارنة بين بطولة كأس أمم أوروبا 2024 ومونديال قطر 2022، فإن هناك اختلافات بسيطة، فمن وجهة نظري فإن كأس أمم أوروبا كان ناجحا بمقاييس عدة، أي إن مقاييس النجاح هي (جماهيريا، أمنيا، تنظيميا)، وبالتالي جماهيريا كانت البطولة ناجحة جدا وتم تحطيم الأرقام القياسية بعدد الحضور الجماهيري وأيضا بخصوص البث التلفزيوني، وتنظيميا لم تشهد المباريات أي تأخير أو دخول مشجعين إلى الملعب دون بطاقات، وبالتالي فإن أحداث الشغب من الطبيعي أن تحصل”.

وتابع “هناك عامل مهم وهو المشروبات الروحية (المُسكرات)، ففي مونديال قطر تم منع شرب المشروبات الكحولية ما قلل من أعمال الشغب الجماهيري، بينما في أوروبا لم يتم منعه، وكان من الطبيعي أن تحصل أعمال الشغب، وهذا شيء يحصل بشكل شبه يومي وفي كل المباريات الأوروبية، وقد تم السيطرة عليه بشكل كامل”.

وزاد قائلاً “ولكن، إذا أردنا أن نقارن فعليا بين بطولة وأخرى من ناحية سوء التنظيم، فأكبر مثال على ذلك بطولة (كوبا أمريكا)، من ناحية سوء أرضية الملاعب وسوء تنظيم دخول المشجعين، وهذا ما حصل في المباراة النهائية بين الأرجنتين وكولومبيا وتأخيرها 3 مرات بسبب خلل في موضوع التذاكر، وحتى قبل مباراة الأورغواي وكولومبيا كان هناك مشجعون مخمورين قاموا بالاعتداء على عائلات اللاعبين دون تدخل من الشرطة، لذلك فإن مقياس نجاح التنظيم هو مدى قدرة الشرطة على التحكم بظروف المباريات أو المحيطة بالمباريات، ومن وجهة نظري كان التنظيم ناجحا في ألمانيا”.

مخاوف من مونديال 2026

وأثار  الحدث مخاوف حول تنظيم مونديال 2026، التي ستشارك في استضافته الولايات المتحدة إلى جانب المكسيك وكندا، فهل ستتمكن الولايات المتحدة من تقديم تنظيم ناجح بعد فشلها في كوبا أمريكا؟

وشكلت فوضى كوبا أمريكا 2024 نقطة سوداء في تاريخ البطولة، وأظهرت ثغرات كبيرة في التنظيم الذي شهد العديد من العيوب التي تسببت  في إحباط المشجعين وتدني مستوى البطولة ككل.

ومع تزايد المقارنة مع نجاح مونديال قطر 2022، باتت الولايات المتحدة تحت ضغط كبير لتقديم أداء أفضل في مونديال 2026.

زر الذهاب إلى الأعلى