
مازالت أخبار اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” الشهيد إسماعيل هنية، الأربعاء الماضي، تتصدر واجهة الأحداث السياسية حول العالم، في تطور دراماتيكي هز المنطقة بأكملها.
وأعلنت حركة “حماس”، الأربعاء، عن اغتيال هنية في العاصمة الإيرانية طهران، في حين توجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى الاحتلال الإسرائيلي في الضلوع بعملية الاغتيال، ما يثير احتمالات من تصعيد خطير في تطورات القضية الفلسطينية والتوترات الإقليمية، حسب مراقبين.
ويأتي هذا الحدث في سياق متوتر، حيث كان هنية يكتسب زخماً دبلوماسياً متزايداً على الساحة الدولية، حيث شهدت الأشهر الأخيرة سلسلة من الزيارات رفيعة المستوى قام بها هنية، بما في ذلك زيارته للصين وتركيا، وكلمته التي كان من المتوقع أن يلقيها في البرلمان التركي.
هذه التحركات الدبلوماسية كانت تشير إلى تنامي الاعتراف الدولي بـ”حماس” كلاعب سياسي مهم في المنطقة، وفق مراقبين.
ويرى المحللون أن توقيت الاغتيال يحمل رسائل متعددة، فمن جهة، يبدو أنه محاولة من الاحتلال الإسرائيلي لقطع الطريق على الدور المتنامي لـ”حماس” في الساحة الدولية، ومن جهة أخرى، يمكن اعتباره تحدياً صارخاً للقانون الدولي وسيادة الدول، حيث تم تنفيذ العملية في عاصمة دولة ذات سيادة.
ومن المتوقع أن يكون لهذا الحدث تداعيات كبيرة على مستقبل الصراع، فقد يؤدي إلى تصعيد في المواجهة بين “حماس” والاحتلال الإسرائيلي، كما قد يدفع إيران إلى رد فعل باعتبار أن العملية تمت على أراضيها.
وفي هذا الصدد، أكد مدير عام مركز ديوان الأزهر للعلاقات الدولية في إسطنبول محمد العقيد في حديثه لـ”وكالة أنباء تركيا” أن “الاحتلال الإسرائيلي يحاول باغتياله لرئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن يقول للعالم أجمع إنه فوق المحاسبة الدولية، وأنه يمكنها اختراق القانون الدولي في أي وقت وأي مكان وأنه يتجاوز سيادة الدول بقتل من يريد في أي مكان كما يريد”.
وأضاف “جاءت هذه العملية الإرهابية للكيان الغاصب لأرضنا العربية والإسلامية بعدما أصبح رئيس مكتب حماس يستضاف باعلى المستويات خاصة بعد زيارته للصين ودعوة تركيا للرئيس محمود عباس ورئيس مكتب حماس، ليلقي الأول كلمة باسم فلسطين في البرلمان التركي ردا على كلمة نتنياهو في الكونغرس الأمريكي، لتصنع تركيا توازنا في القضية الفلسطينية بهذه الدعوة، التي تحجج أبو مازن رئيس السلطة الفلسطينية بعدم الحضور وكان متوقعاً بعد حضور رئيس حماس في إيران ودعوته من البرلمان التركي، وقبلها زيارة الصين وترتيبات مع روسيا، إضافة إلى اهتمام من الوسطاء العرب مصر وقطر بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، وختمت بحضور رئيس حماس لهذا الزخم الذي أرادته وصنعته الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تنصيب رئيسها الجديد، بحضور عدد كبير من قادة ووزراء خارجية الدول العربية والإسلامية وخاصة قيادات المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي”.
وتابع “فاغتال الاحتلال الإسرائيلي رئيس حماس في العاصمة الإيرانية طهران، في عملية إرهابية جديدة لتقطع الطريق على حركة المقاومة الإسلامية حماس بأن يكون لها ذلك الدور الدولي والإقليمي، خاصة بعد الموقف الواضح لتركيا وإيران وتبعه الموقف الصيني والموقف الروسي”.
وأدانت دول عدة على رأسها تركيا وقطر عملية اغتيال هنية في طهران، حيث ذكرت وزارة الخارجية التركية في بيان “ندين مقتل إسماعيل هنية نتيجة عملية اغتيال دنيئة في طهران”.
وأضاف البيان “لقد تبين مرة أخرى أن حكومة نتنياهو لا تنوي تحقيق السلام”، مشيراً إلى أن “هذا الهجوم أيضاً إلى توسيع نطاق الحرب في غزة إلى بعد إقليمي”.
وحذّر البيان من أنه من أنه “إذا لم يتحرك المجتمع الدولي لوقف (الاحتلال الإسرائيلي)، فإن منطقتنا ستواجه صراعات أكبر بكثير”، مؤكداً أن “تركيا ستواصل دعم القضية العادلة للشعب الفلسطيني”.
واعتبرت دولة قطر أن عملية الاغتيال “جريمة شنيعة وتصعيدا خطيرا وانتهاكا سافرا للقانون الدولي والإنساني”.
وأضاف بيان صادر عن وزارة الخارجية القطرية، أن “عملية الاغتيال هذه والسلوك الإسرائيلي المستهتر باستهداف المدنيين المستمر في غزة من شأنها أن تؤدي إلى انزلاق المنطقة إلى دائرة الفوضى وتقويض فرص السلام”.
وأكد البيان على “موقف دولة قطر الثابت الرافض للعنف والإرهاب والأعمال الإجرامية، بما في ذلك الاغتيالات السياسية، مهما كانت الدوافع والأسباب”.
من جهته، أدان الأزهر الشريف بأشد العبارات “الجريمة البشعة التي أقدم عليها الكيان المحتل الغادر باغتيال القيادي الفلسطيني إسماعيل هنية، الذي اغتالته الأيدي السوداء المجرمة فجر اليوم، ضمن سلسلة الاعتداءات المنكرة التي يمارسها الكيان المحتل”.
وأكد الأزهر في بيان، أن “الشهيد المناضل قضى حياته في الزود والدفاع عن أرضه وعن قضية العرب والمسلمين قضية فلسطين الحرة الصامدة”، لافتا إلى أن “مثل هذه الاغتيالات لن تنال من عزيمة الشعب الفلسطيني المناضل الذي قدم ولا يزال يقدم من تضحيات عظيمة لاستعادة حقوقه في إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس”.
ورأى مراقبون أن اغتيال هنية قد فتح صفحة جديدة في الصراع الإقليمي، مع ما يحمله ذلك من مخاطر التصعيد وعدم الاستقرار، مؤكدين أن المشهد يبقى مفتوحاً على كافة الاحتمالات.
وحول ذلك، قال محمد حمدي الباحث في الشأن الفلسطيني لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “استشهاد الأستاذ هنية حُجة على كل دول العالم بما فيها رأس النظام العالمي (أمريكا) التي تدّعي الوساطة في المفاوضات، وأيضًا هو حُجة على الدول الوسيطة”.
وأضاف أن “استشهاد الأستاذ هنية حُجة على كل الشعوب الإسلامية التي تقف لتتفرج على دماء المسلمين كل يوم دون حركة ودون تأثير في السياسة العالمية، وكذلك حُجة على الحركة الإسلامية التي انتدبت نفسها لاستعادة مجد الإسلام، وتدّعي ليل نهار نصرة المظلومين والدفاع عن المسجد الأقصى”، معتبرا أن “استشهاد الأستاذ هنية ينير الطريق لمن خلفه بأن طريق تحرير الأسرى والمسرى لن يكون إلا طريق سياسة البندقية، ولا يمكن للمسلمين أن يبقوا بغير هوية”.
وختم قائلا، إن “استشهد الأستاذ هنية وقد قضى ما عليه – وقد وكان يعرف أن هذا ضريبة طريقه – والعبرة فيمن بقى واختياراتهم الإستراتيجية للمرحلة القادمة، والتي يجب أن يمثل فيها استشهاد الأستاذ هنية نقلة نوعية تربك حسابات المحتل وداعميه”.
ووسط كل ذلك، أجمع مراقبون أن اغتيال إسماعيل هنية يمثل تصعيداً خطيرا، ويحمل تداعيات إقليمية ودولية واسعة، كما من المرجح أن يؤدي هذا الحدث إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي في المنطقة، وقد يدفع نحو تغييرات جوهرية في استراتيجيات الأطراف المعنية، حسب وجهة نظرهم.