تقاريرهام

تركيا تفتح أبواب البرلمان لدولة فلسطين.. خطوة غير مسبوقة ورسائل متعددة الأبعاد

في خطوة دبلوماسية لافتة، استضاف البرلمان التركي وبحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الرئيس الفلسطيني محمود عباس في جلسة طارئة بتاريخ 15 آب/أغسطس 2024.

جاءت هذه الدعوة في سياق متوتر، حيث قال مراقبون إنها رد مباشر على استقبال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكونغرس الأمريكي.

ووسط استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة والأزمة الإنسانية المتفاقمة نتيجة ذلك، تبرز خطوة البرلمان التركي بفتح أبوابه لدولة فلسطين ضمن المساعي التركية لإعادة تسليط الضوء على القضية الفلسطينية عالميا وتأكيد موقفها الداعم لها.

هذه الخطوة الدبلوماسية الجريئة، بحسب وصف مراقبين، تثير تساؤلات عديدة حول دوافع تركيا وأهدافها الاستراتيجية، ولماذا اختارت تركيا هذا التوقيت بالذات لتسليط الضوء على القضية الفلسطينية؟ وما هي الرسائل التي تحاول إيصالها للمجتمع الدولي من خلال هذه الزيارة الرفيعة المستوى؟ وكيف تنظر تركيا إلى دورها في المشهد الإقليمي المتغير؟

وحظيت زيارة عباس باهتمام إعلامي كبير، حيث تم بث الخطاب مترجماً إلى اللغات التركية والإنجليزية والفرنسية، ونقلته وكالات الأنباء العالمية على الفور.

وتأتي هذه الزيارة في ظل استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، والذي خلّف أكثر من 132 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى أكثر من 10 آلاف مفقود.

ورأى مراقبون أن دعوة عباس للتحدث في البرلمان التركي بمثابة رد على استقبال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكونغرس الأمريكي.

كما تتماشى هذه الخطوة مع سياسة تركيا الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، والتي تؤكد على ضرورة توحيد الأطراف الفلسطينية، وفق المحللين.

ولفت مراقبون إلى أن عباس تجاوز في خطابه دوره المعتاد، حيث اتهم الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب جرائم إبادة جماعية، وأشار إلى الولايات المتحدة كشريك في هذه الجرائم.

وساهمت ردود فعل أعضاء البرلمان من مختلف الأحزاب في توضيح الرسائل السياسية المختلفة، مثل وضع صور لقادة حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وفق مراقبين.

من حانبها، قالت الناشطة الفلسطينية ليلى جرار لـ “وكالة أنباء تركيا”، إنه “في خطوة غير مسبوقة وبهذا الظرف الحالك أتت زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى تركيا”، مضيفة أنه “بتلك الخطوة والحدث الاستثنائي أرسلت تركيا رساله للعالم أجمع وأمريكا والاحتلال الإسرائيلي خاصةً، أنها داعمة حقيقية للشعب الفلسطيني والتجميع لكلمته وإنهاء خلافاته (حماس والسلطة) في مواجهة العنف والاستبداد الصهيوني الغاشم، ووضع السلطة الفلسطينية في مكانها المناسب وما عليها وما يجب في الدفاع عن أرضها وشعبها، ورفضها لسياسة التهجير والإبادة الصهيونية بحق شعب أعزل”.

وأشارت إلى أن هذه الخطوة “تأكيد على دور تركيا الفاعل إقليمياً ودولياً بنصرة الشعب الفلسطيني وتجميع كلمته ووحدته كفصائل وسلطة حاكمة ومعترف بها دولياً”.

ولفت مراقبون كثيرون إلى أن زيارة عباس وخطابه في البرلمان التركي بمثابة خطوة مهمة في إعادة تسليط الضوء على القضية الفلسطينية وتعزيز الموقف التركي الداعم لها، مشيرين إلى أن تصنيف عباس لما يجري في غزة كإبادة جماعية، وتحميله الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه المسؤولية، يمثل مكسباً كبيراً للقضية الفلسطينية والمقاومة في غزة، بحسب وصفهم.

واعتبروا  أن التركيز على زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وأهمية إلقائه كلمة أمام البرلمان التركي يحمل عدة رسائل وأهداف تركية، منها: إظهار الدعم التركي القوي للقضية الفلسطينية، حيث تؤكد تركيا من خلال هذه الزيارة على موقفها الثابت والداعم للفلسطينيين.

كما تهدف تركيا إلى تأكيد دورها كلاعب رئيسي في قضايا الشرق الأوسط، خاصة القضية الفلسطينية، إلى جانب محاولتها دعم جهود توحيد الأطراف الفلسطينية المختلفة.

وتسعى تركيا إلى تسليط الضوء على الوضع الإنساني في غزة وضرورة التحرك الدولي لوقف العدوان الإسرائيلي.

وفي هذا الصدد، قال الباحث في مركز جسور للدراسات، رشيد حوراني لـ “وكالة أنباء تركيا”، إن “هذه الخطوة تحمل العديد من الرسائل الداخلية والخارجية، وتأتي الرسائل الداخلية في أولها وهي ارسال رسالة للشارع التركي الذي ناصر الفلسطينيين في غزة وناهض الإسرائيليين بشكل معلن، وطالب حكومته باتخاذ خطوات فعلية لدعمهم هناك ووقف المذبحة بحقهم، وبالتالي زيادة التأييد الشعبي للحزب الحاكم الذي أظهرت انتخابات البلدية الأخيرة تدنيه”.\

وأضاف “أما الرسائل الخارجية تتمثل في أن تركيا تدعم القرارات الدولية التي تنص على حل الدولتين، واستضافة الرئيس الفلسطيني كأعلى مسؤول رسمي لدولة فلسطين في حرم أكبر مؤسسة تشريعية في تركيا تدعم ذلك”.

وتابع “كما تدل الخطوة على أن تركيا تدعم كل القرارات التي يتخذها الرئيس الفلسطيني، وما نية الرئيس عباس بالتوجه إلى غزة بعد زيارته لتركيا إلا دليل على ذلك”.

يذكر، أن الرئيس عباس قال في كلمة له أمام البرلمان التركي بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، “أعلن أمامكم وأمام العالم أجمع وفي ظل عدم وجود حلول أخرى، أنني قررت التوجه مع جميع أعضاء القيادة الفلسطينية إلى قطاع غزة، وسوف أعمل بكل طاقتي لكي نكون جميعا مع شعبنا لوقف هذا العدوان مهما كلف الأمر”.

كما أكد في كلمته أن “القتلة ومجرمي الحرب لن يفلتوا أبدا من العقاب على ما اقترفوه وما زالوا من جرائم لن تسقط بالتقادم”.

ووسط كل ذلك، أجمع كثير من المحللين والأكاديميين أن هذه الأهداف والرسائل تعكس استراتيجية تركيا الشاملة في التعامل مع القضية الفلسطينية والأزمة الحالية في غزة، مع الحفاظ على مصالحها الإقليمية والدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى