في ظل التغيرات الجيوسياسية والتحولات الاقتصادية التي يشهدها العالم، تقدمت تركيا بطلب رسمي للانضمام إلى مجموعة “بريكس”.
وتعتبر “بريكس” إحدى التكتلات العالمية التي تجمع بين بعض من أكبر الاقتصادات الناشئة في العالم، في حين تسعى تركيا من خلال هذه الخطوة إلى تعزيز نفوذها الدولي وتوسيع خياراتها الاقتصادية والسياسية، خصوصًا في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي تحولاً واضحًا نحو الاقتصادات الناشئة.
وتأتي رغبة تركيا بالانضمام إلى “بريكس”، حسب مراقبين، في سياق التغيرات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، حيث ترى أن مركز الثقل الجيوسياسي ينتقل تدريجيًا بعيدًا عن الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا نحو الاقتصادات الناشئة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وستوفر عضوية تركيا في “بريكس”، حسب أكاديميين متخصصين بالشأن الاقتصادي، فرصًا جديدة لتوسيع علاقاتها التجارية مع أكبر الاقتصادات الناشئة في العالم، ما يمكن أن يفتح أسواقًا جديدة أمام الصادرات التركية ويعزز التعاون الاقتصادي والاستثماري مع دول المجموعة.
كما يتيح الانضمام إلى “بريكس” لتركيا فرصة الوصول إلى مصادر تمويل جديدة من خلال بنك التنمية التابع للمجموعة، الذي يمكن أن يسهم في تمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية الاقتصادية في تركيا.
ويمكن أن يعزز الانضمام إلى “بريكس” من مكانة تركيا على الساحة الاقتصادية العالمية، ويساعدها في تعزيز قدراتها التنافسية كدولة ناشئة تطمح إلى لعب دور محوري في الاقتصاد العالمي.
ومن خلال الانضمام إلى “بريكس”، تستطيع تركيا تنويع شركائها الاقتصاديين وتخفيف الاعتماد على الأسواق الأوروبية، ما يمنحها مرونة أكبر في مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية.
ورغم الفوائد المحتملة، فإن انضمام تركيا إلى “بريكس” لا يخلو من التحديات، فعلى تركيا أن تحافظ على علاقاتها القوية مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “ناتو”، حيث أن هاتين العلاقتين تعتبران جزءًا أساسيًا من استراتيجيتها الخارجية، كما أن التحول نحو “بريكس” قد يثير تساؤلات لدى شركاء تركيا الغربيين بشأن التزامها بتحالفاتها التقليدية، حسب محللين.
وقال الكاتب السياسي والاقتصادي فوزي السهلي في تصريح لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “مجموعة دول (بريكس) تعمل خارج نطاق رغبة الدول الاستعمارية والاحتكارية، حيث تشجع على بناء اقتصادات ناشئة وتكاملها مع اقتصادات دول نامية أخرى”.
وأضاف أن “حركة دول منظومة البريكس تشكلت كتحالف اقتصادي وسياسي مناهض للغطرسة الأمريكية والتبعية الأوروبية”، مشيرًا إلى أن “الرؤية الصينية والروسية تتطلب تحالفًا دوليًا جديدًا يشمل الدول النامية اقتصاديًا والتي ترفض الهيمنة الأمريكية والغربية ولديها رؤى وتطلعات اقتصادية حيوية على الصعيد الدولي”.
وأوضح أن “سياسات دول (بريكس) تقوم على الاستقلالية والتحالفات المتبادلة فيما بينها، سواء على الصعيد الاقتصادي، السياسي، أو العسكري”، لافتا إلى أن “هذه الدول رأت ضرورة تشكيل مجموعة (بريكس) لتحقيق هذه الأهداف”.
واعتبر أن “تعنت الغرب تجاه انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وضم دول أقل شأنًا من حيث القدرة الاقتصادية والعسكرية والسكانية مثل كرواتيا وبلغاريا وهنغاريا، دفع تركيا لإعادة النظر والسعي لتحالف آخر يكون أكثر تقبلًا وامتنانًا لوجودها”.
وذكر السهلي أن “تركيا رغم كونها دولة فعالة في (ناتو)، ترى مصلحتها الحقيقية في التحالف مع الدول النامية والمستقبلية مثل الصين وروسيا والبرازيل وباكستان، حيث تطمح لتحقيق انفتاح اقتصادي وتعاون سياسي وعسكري مع هذه الدول”.
وأكد أن “تركيا تطمح، بقوتها ووجودها الفعال دوليًا، إلى أن تكون من الدول العظمى المؤثرة في كافة المجالات على الساحة الدولية”.
وأشار إلى أن “الولايات المتحدة والغرب يقفان عائقًا أمام التوسع التركي الإسلامي في المحافل الدولية كبديل لهم ورافض للهيمنة الاستعمارية والاحتكارية”.
وختم السهلي قائلا إن “التوجه التركي نحو مجموعة (بريكس) سيعود بالخير والتطور الاقتصادي على تركيا وعلى المجموعة بشكل عام”.
من جانبه، قال الباحث السياسي والاقتصادي المحامي حسن رفاعه لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “التحولات الكبرى التي شهدها العالم بعد الحرب الباردة، وخصوصًا في نهاية الثمانينيات، قد أدت إلى تشكيل تحالفات جديدة ذات أبعاد عسكرية وجيوسياسية هامة، فقد أعادت الحربين العالمية الأولى والثانية تشكيل العالم، وأسفرت عن نشوء دول جديدة واتفاقيات أثرت على المنطقة، مثل اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور”.
وأشار إلى أن “تركيا التي نجحت في تحقيق استقلالها ووحدتها الإقليمية بعد الحرب العالمية الأولى، واجهت تحديات كبيرة في الساحة الدولية، خاصة في ظل انقسام العالم إلى معسكرين بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كانت تركيا دائمًا لاعبًا رئيسيًا في حلف (ناتو)، ولكن تعنت الغرب في قبولها ضمن الاتحاد الأوروبي، رغم ضم دول أقل شأنًا منها، دفعها لإعادة النظر في تحالفاتها”.
وأضاف أن “مجموعة (بريكس) تشكلت نتيجة رغبة بعض الدول في إنشاء تجمعات اقتصادية إقليمية ودولية أكثر عدالة، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي وتبادل المنفعة بين أعضائها، وهذه الدول، مثل روسيا والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا، إلى جانب دول أخرى مرشحة للانضمام مثل مصر وإيران والهند، تسعى لتوفير أسواق جديدة وتحقيق تعاون سياسي وعسكري مشترك”.
وأكد أن “انضمام تركيا إلى (بريكس) قد يعود عليها بفوائد كبيرة، خاصة في ظل التحالفات الجديدة التي يمكن أن تنشأ مع الدول الأعضاء في المجموعة، ما يعزز من موقع تركيا الاقتصادي والسياسي على الساحة الدولية”، مشيرا إلى أن “هذا التحالف يمكن أن يشكل بديلاً محتملاً للهيمنة الأمريكية والأوروبية، ما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون والتقدم المشترك”.
يشار إلى أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قال بعد حضور اجتماع وزراء خارجية “بريكس” في حزيران/يونيو الماضي، إن “بريكس منظمة تزيد من تنوع الأساليب والهويات والسياسات في النظام الاقتصادي العالمي”، مضيفا أن الانضمام إلى التكتل يظل “هدفاً استراتيجياً”.