تقاريرفيديوهام

أزمة النزوح في لبنان تتفاقم وسط جهود إغاثة وتحديات إنسانية متزايدة (تقرير/فيديو)

يشهد لبنان أزمة نزوح غير مسبوقة في ظل استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي على مختلف مناطقه منذ أسبوع، حيث نزح مئات الآلاف وفقًا لما صرح به وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية ناصر ياسين.

هذا العدد الهائل من النازحين يمثل تحديًا كبيرًا للبنية التحتية والموارد المحدودة أصلاً في لبنان، الذي يعاني من أزمات اقتصادية وسياسية متعددة، بحسب مراقبين.

ووفق تقارير متطابقة من أرض الميدان اللبناني، توزع النازحون على مختلف المناطق اللبنانية، حيث لجأ البعض إلى المدارس، بينما استأجر آخرون منازل أو لجأوا إلى بيوت الأهل والأقارب والأصدقاء.

كما قامت بعض العائلات اللبنانية باستضافة عدد من النازحين، في مبادرة إنسانية للوقوف إلى جانب مواطنيهم في مواجهة هذا العدوان الذي خلف آلاف الضحايا بين قتيل وجريح.

وكشفت شهادات النازحين عن واقع مؤلم ومعاناة يومية، فقد التقت مراسلة وكالة الأنباء القطرية “قنا” بعدد من النازحين في بلدة الجية- الشوف، حيث يسكنون في محال تجارية هربًا من القصف جنوبي لبنان.

ووصف أحد النازحين الوضع قائلا “أولادي ينامون على الأرض بسبب عدم توفر الفرش، لدي ثلاثة أطفال ولا يتوفر لدينا شيء”، في حين أضاف آخر أنهم لم يحصلوا على مساعدات كافية، وسط نقص في الطعام والفرش.

كما اشتكى النازحون من عدم توافر الماء والكهرباء في أماكن نزوحهم، بالإضافة إلى نقص حاد في الأدوية، خاصة لكبار السن، الأمر الذي زاد من معاناة النازحين، الذين يعانون أصلاً من الصدمة النفسية جراء ترك منازلهم وفقدان ممتلكاتهم.

وفي مواجهة هذه الأزمة الإنسانية المتصاعدة، برزت جهود شعبية ومبادرات محلية لمساعدة النازحين.

في طرابلس، عاصمة الشمال اللبناني، تشكلت “لجان أهالي طرابلس” التي ضمت مئات المتطوعين الذين اجتمعوا في الساعات الأولى من الأزمة لتشكيل نواة لجان أهالي طرابلس، والتي جمعت عشرات المتطوعين لاستقبال النازحين على مداخل المدينة، وتجهيز مراكز الإيواء، وحل المشاكل الفردية.

ونجح هؤلاء المتطوعون في تحويل المعهد الفندقي المهجور إلى مركز إيواء معتمد من الدولة اللبنانية في غضون يوم واحد، مما يدل على سرعة الاستجابة وكفاءة التنظيم، كما تم افتتاح ثلاثة مراكز إيواء أخرى في جبل محسن بوقت قياسي وبمبادرات أهلية بعيدة عن الدولة.

وامتدت جهود الإغاثة إلى المخيمات الفلسطينية في شمال لبنان، حيث استقبلت مخيمات البداوي ونهر البارد مئات النازحين، وفي مناطق أخرى مثل الكورة وزغرتا والمنية وعكار، تم إنشاء مراكز إيواء إضافية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من النازحين.

من جهته، سلّط رئيس بلدية الوردانية في إقليم الخروب في جبل لبنان علي بيرم، الضوء على الوضع المتأزم جنوبي لبنان، والجهود المبذولة لاستيعاب النازحين، موجهاً الشكر لتركيا على دعمها الإنساني والإعلامي في مواجهة الأزمة الإنسانية.

كلام بيرم جاء في مقابلة خاصة مع “وكالة أنباء تركيا”، التي تتواجد في لبنان لتغطية الأوضاع الإنسانية ومعاناة المدنيين المتفاقمة منذ يوم الإثنين الماضي، بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على جنوبي لبنان.

وأوضح بيرم أن “الأزمة التي بدأت منذ عام تقريبًا، كانت في البداية محصورة في منطقة محدودة جنوبي لبنان، تمتد على مساحة تقدر بحوالي 100 كيلومتر طولًا و10 كيلو متر عرضًا، إلا أن الوضع تطور بشكل دراماتيكي، حيث امتد القصف ليشمل ما يقارب 60% من مساحة لبنان”.

وأشار بيرم إلى أن “بلدة الوردانية، الواقعة على تخوم الجنوب، كانت تستقبل سابقًا حوالي 100 عائلة من القرى المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة، لكن مع تصاعد الأزمة، ارتفع عدد العائلات النازحة بشكل كبير ليصل إلى 1149 عائلة، بإجمالي 4988 فردًا، وهو ما يعادل تقريبًا عدد سكان البلدة الأصليين”.

وأضاف بيرم أن “الوردانية، التي تقع في قضاء الشوف بمحافظة جبل لبنان، تبعد حوالي 10 كيلومترات عن مدينة صيدا، بوابة الجنوب، مما جعلها ملاذًا قريبًا للنازحين، وقد واجهت البلدية تحديات كبيرة في توفير السكن للوافدين الجدد، حيث تم استخدام المنازل الفارغة والمشاريع السكنية غير المكتملة والمدارس الرسمية والنوادي الرياضية كمراكز إيواء”.

وتابع بيرم قائلًا، إن “الساعات الأولى من النزوح كانت الأصعب، حيث كانت الحاجة ملحة لتوفير المأوى الفوري للنازحين، بغض النظر عن تجهيز هذه الأماكن بالأثاث أو المفروشات، وقد ناشدت البلدية المحيطين والجمعيات الأهلية والخيرية في لبنان للمساعدة في توفير الاحتياجات الأساسية مثل الفرش والأغطية”.

وأشاد بيرم بـ”تفاعل الأهالي بشكل إيجابي من مختلف الطوائف، حيث قدمت القرى المحيطة، والتي يبلغ عددها حوالي 40 قرية، الدعم والمساعدة، كما أثنى على جهود المستشفيات والمراكز الصحية والجمعيات التي بادرت بتقديم الرعاية الطبية للجرحى الذين وصلوا مع النازحين”.

ولفت بيرم إلى أن “البلدة تحملت أيضًا مسؤولية استقبال ودفن الشهداء، حيث تم دفن 8 شهداء كوديعة في مقبرة البلدة، نظرًا لصعوبة نقلهم إلى قراهم الأصلية بسبب استمرار القصف”.

وفي ختام حديثه، أكد بيرم أن “الوضع الإنساني في لبنان لا يزال دون المستوى المطلوب، حيث لا تتجاوز الاستجابة 50% من الاحتياجات الفعلية”، مرجعاً ذلك إلى “غياب الدور الفعال للدولة ومؤسساتها، مشيرًا إلى أن الجهود الرئيسية تأتي من المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، بالإضافة إلى بعض الجمعيات الدولية، وخص بالذكر الجمعيات التركية التي قدمت المساعدة”، وفق تأكيده.

وختم بيرم حديثه بـ”توجيه الشكر للدولة التركية وشعبها ومؤسساتها، بما فيها المؤسسات الإعلامية، على جهودهم في تقديم المساعدات والتغطية الإعلامية للأزمة”.

بالمقابل، تميزت هذه الجهود الإغاثية بالتنظيم والكفاءة، حيث يقول أحد المتطوعين في لجان أهالي طرابلس “ركزنا جهودنا من اليوم الأول على التشدد في إدارة المستودعات لضمان الشفافية ومنع أي استغلال، كما أحضرنا معدات متخصصة، ووضعنا نظامًا دقيقًا لإدارة المخزون، بالتعاون مع جمعيات كشافة الجراح، وشيفت، ورواد التنمية، والصليب الأحمر اللبناني”.

وساهم هذا التعاون في تسريع الاستجابة وتلبية احتياجات العائلات النازحة بشكل أكثر فاعلية. كما تم جمع التبرعات عبر شبكات التواصل الاجتماعي لتوفير المواد الأساسية، من أطعمة ومستلزمات، وبالأخص الأفرشة، التي أصبحت نادرة التوفر في المدينة.

ورغم نجاح هذه المبادرات المحلية في الاستجابة السريعة للأزمة، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، ومع استمرار تدفق النازحين وتزايد أعدادهم، تبرز الحاجة إلى دعم مستدام من الجهات المانحة والمؤسسات الحكومية لتلبية الاحتياجات المتزايدة، خاصة في ظل نقص الموارد وتزايد الأعباء اللوجستية.

وترى لجان أهالي طرابلس أن هذه المبادرات تحتاج إلى دعم مستمر من الجهات المانحة والمؤسسات الحكومية لتلبية الاحتياجات المتزايدة، كما أن المرحلة القادمة تتطلب وضع خطط طويلة الأمد لتأمين المساعدات الغذائية والدوائية، وضمان عدم حدوث أي استغلال أو تدهور في الأوضاع الإنسانية للعائلات النازحة.

بدورها، قالت الناشطة الاجتماعية والإنسانية ليلى جرار في تصريح لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “ما يجري في لبنان حالياً من ويلات ونكبات ومجازر فاقت توقعات العقل البشري والإنساني من قتل وتهجير ودمار للبنية التحتية والبشرية وعلى مرأى من أنظار العالم كله المتفرج ومنه المشارك أو المبارك”.

زر الذهاب إلى الأعلى