تقاريرهام

مجزرة تحصل في لبنان.. تصعيد إسرائيلي ومخاوف من تحوله إلى “غزة ثانية” (تقرير)

في تطور دراماتيكي للأزمة الإقليمية المتصاعدة، وجد لبنان نفسه فجأة في عين العاصفة، محاصرًا بين مطرقة العدوان الإسرائيلي وسندان التداعيات الإقليمية والدولية، فما بدأ كجبهة إسناد لقطاع غزة، تحول بسرعة إلى ساحة رئيسية للصراع، مهددًا بإشعال فتيل حرب إقليمية واسعة النطاق.

ومنذ أكثر من أسبوع، يشهد لبنان وخاصة مناطقه الجنوبية والبقاع، تصعيدًا عسكريًا إسرائيليًا لم يشهد له مثيلًا منذ عام 2006، حيث وصف المراقبون هذا التصعيد أنه “اجتياح جوي تدميري” لمناطق مأهولة بالسكان، ما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، بينهم أطفال ونساء، وتدمير واسع النطاق للمنازل والبنية التحتية في القرى والمدن اللبنانية، و نزوح جماعي للسكان من المناطق المستهدفة، إضافة إلى حالة من الرعب والهلع بين السكان نتيجة الغارات العشوائية والرسائل التهديدية.

ورأى مراقبون أن استراتيجية الاحتلال الإسرائيلي في لبنان تبدو متعددة الأوجه، وتشمل: الضربات العسكرية المباشرة واستهداف المدنيين وارتكاب مجازر متنقلة في الجنوب والبقاع، ما يُذكر بنموذج غزة، والحرب النفسية باستخدام تكتيكات الترهيب عبر الرسائل النصية والاتصالات، إضافة إلى تصفية القيادات ومحاولات اغتيال قيادات حزب الله، والتمهيد لغزو بري محتمل من خلال تصعيد الهجمات كمقدمة لعملية برية واسعة.

وفي حديث لـ”وكالة أنباء تركيا”، قال المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمين طلعت فهمي “بداية أؤكد لكم أن ما يفعلهالكيان الصهيوني من قتل المدنيين والأطفال والنساء بل والرضع في غزة ومن توسيع لدائرة الحرب في لبنان هي كلها محاولاتفاشلة للتغطية على سقوط هذا الكيان في السابع من أكتوبر”.

وأضاف “لقد سقط هذا الكيان اللقيط في اليوم الأول من طوفان الأقصى، وما تلا ذلك من جرائم يسعى لارتكابها في كل مكان إنماهي محاولة لستر سوءته التي كشفت ومحاولة لاسترداد ما سقط من هيبته في المنطقة”.

وتابع “وأؤكد لكم أن كل هذه المحاولات التي يبذلها الاحتلال الصهيوني لغسل العار الذي لحقه في السابع من أكتوبر، لن يكتب لهاالنجاح ولن تغني عنه شيئا رغم كل حالات الدعم المفتوح من الولايات المتحدة الأمريكية التي يستقوي بها”.

وأكد أن “تأثيرات هذه المعركة على سيادة دولة لبنان، فالمعلوم أن لبنان مستهدفة كما هو الحال في كل دول المنطقة، فليست لبنان وحدها هي المستهدف ولكن هذا العدو تم صناعته وتشكيله ليكون حائط الصد أمام حرية شعوب هذه المنطقة الحيوية، فلبنان مستهدفة بشكل مباشر والسودان مستهدفة من خلال محاولات تقسيمها وتقزيمها وإضعافها، وليبيا مستهدفة بتقسمها وفرض أنظمة عسكرية عليها، وسوريا مستهدفة من خلال التوطئة لنظام إجرامي أهلك فيها الحرث والنسل، ومصر الكبرى العزيزة مستهدفة فيقلب المنطقة النابض ولذلك يتم تقييد شعبها الكبير بسلطة إجرامية تحول بين الشعب وبين نهضة حقيقية”.

وفي خضم هذه الأحداث المتسارعة، حدد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي الموقف الرسمي للحكومة خلال جلسة لمجلس الوزراء، حيث أشاد بموقف الأمين العام للأمم المتحدة الذي عبر عن مخاوفه من تحويل جنوب لبنان إلى “غزة ثانية”، داعياً المجتمع الدولي وخاصة الدول ذات النفوذ لـ”الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها”.

كما طالب بـ”تطبيق القرار الدولي رقم 2735 الصادر عن مجلس الأمن”، مؤكداً على “ضرورة حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين وتحقيق السلام العادل والشامل”.

وعلى الرغم من فداحة الأحداث، ظلت ردود الفعل الدولية دون مستوى التوقعات، ما أثار تساؤلات حول مدى جدية المجتمع الدولي في وقف التصعيد.

ومع ذلك، برزت بعض المواقف وخاصة من تركيا، إذ كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أبرز القادة الذين أدانوا بشدة عدوان الاحتلال الإسرائيلي على لبنان، حيث وصف الهجمات أنها “إبادة جماعية ضد الشعب اللبناني”، متهماً الاحتلال الإسرائيلي بـ”انتهاج سياسة الإبادة الجماعية والاحتلال والغزو”.

كما دعا أردوغان مجلس الأمن الدولي والمنظمات الحقوقية إلى “التحرك العاجل”، إضافة إلى حث العالم الإسلامي على اتخاذ موقف أكثر حزمًا تجاه هذه الهجمات.

من جهته، عبّر الأمين العام للأمم المتحدة عن قلقه العميق، واصفًا الوضع أنه “حرب يجب أن تنتهي”، ومع ذلك، لم تتخذ المنظمة الدولية إجراءات ملموسة لوقف التصعيد حتى الآن، وفق مراقبين.

وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي الفلسطيني محمد القيق لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “هذه المجزرة التي تقوم بها إسرائيل والتي ستتوسع ما بين الإبادة وما بين الاغتيالات وما بين تدخل البري لاحقاً، ما هي إلا مخطط من قبل أمريكا وموافق عليه من قبل أمريكا وبصمت دولي ضمن الشرق الأوسط الجديد، الخطة التي أعدتها أمريكا لتغيير المنطقة بحذف القضية الفلسطينية من المشهد وكسر شوكة المقاومة ليتسنى الرسم كما يريدون”.

وأضاف “لذلك اليوم وضعت خارطة الشرق الأوسط الجديد على طاولة إسرائيل وأمريكا، ووضعت خارطة الشرق الأوسط الجديد على طاولة المقاومة، أي فتحت الأوراق وتداخلت الملفات، وبات الحل السياسي والهدن المؤقتة وغيرها بعيد المنال الآن، فنحن الآن ذاهبون لتصعيد أوسع وأوسع والأوراق وضعت على الطاولة بكل أشكالها ومقاساتها ويبدو أننا أمام مرحلة بلا سقوف ولا بشيء من المعايير التي كانت ما قبل مجزرة الضاحية، وحتى نكون واقعيين خيارات نتانياهو أصلا شحيحة إما الذهاب إلى هدنة مع الفلسطينيين وهذا هزيمة له وهو غير ناضج الآن، وهذا يعتبر هزيمة لترامب مباشرة أمام الديمقراطيين، وإما للتصعيد في المنطقة ومنه تطبيق أشرق الأوسط الجديد، ولكن خيارات هذا القرار صعبة وغير مدروسة بقدر ما هي مغامرة للأمام بحثا عن ردع وبحثا عن ابتعاد عن هزيمة غزة التي ترسخت منذ 7 أكتوبر حتى اليوم لدى إسرائيل”.

ويثير التصعيد في لبنان مخاوف جدية من احتمال توسع نطاق الصراع ليشمل المنطقة بأكملها، حيث تشمل هذه المخاوف احتمال دخول قوى إقليمية أخرى في الصراع، خاصة تلك المنضوية تحت ما يعرف بـ”محور المقاومة”، أو قد تجد الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي للاحتلال الرئيسي، نفسها في مواجهة مباشرة مع مجموعات مسلحة متعددة في المنطقة، أو المخاوف من تحول جنوبي لبنان إلى نسخة ثانية من غزة، مع ما يعنيه ذلك من دمار شامل وخسائر بشرية فادحة، أو تزايد المؤشرات على إمكانية شن الاحتلال الإسرائيلي لعملية برية واسعة جنوبي لبنان، أو أنه مع استمرار القصف وتدمير البنية التحتية، تلوح في الأفق أزمة إنسانية كبيرة، حسب المحللين.

من جانبه، قال الحقوقي والسياسي حسن رفاعة لـ”وكالة أنباء تركيا” إنه “مازال العالم تحت وقع آثار الصدمة التي أحدثتها هجمة (البيجر) الإسرائيلية على شخصيات قيادية في محور المقاومة، هذا المحور يشمل تحالفًا من عدد من الدول تنضوي فيه اليمن الحوثي والعراق، وفي صدارتها قيادة ومقاتلو حزب الله اللبناني”.

وأضاف “هذه الهجمة العدوانية تحتمل كل أصناف ومستويات التصنيف السياسي الوطني والقومي الحقوقي، سواء المندرج في حيثيات الصراع العربي والفلسطيني مع إسرائيل، وإن كان الميدان فلسطينيًا ولبنانيًا، فإن غزة والضفة الغربية أصبحتا محتلتين كلاهما، والجنوب اللبناني يكاد يخيم عليه شبح التهجير وتلال الركام والدمار وأنهار الدموع وسيول الدماء جراء القصف والعدوان الإسرائيلي”.

وتابع أن “البحث في التقنيات التي استخدمها العدو في هجماته وكيفية الوصول إلى تفخيخ الأجهزة والتفجير قد يحتاج لجهود مضنية ومستدامة للكشف عنها والوقاية من تكرارها وتجنب خطرها، ويحتاج ربما لمؤسسات للبحث والتقصي للوقاية واستنباط طرق الرد، ولكن المهم أن ندرك نحن شعوب المنطقة العربية والإقليمية وحكوماتها هذه الأخطار، ونتعرف إلى ما (العمل)”.

وأشار إلى أن “إسرائيل ما لا يحتاج إلى إثبات أنها  كيان احتلالي إجلائي غريب لا يقبل التعايش والتجاور والتحاور، لا يقر إلا بإقصاء المختلف عنه ومعه، لا يقبل الشراكة ولا التعدد ولا التنوع القومي أو الديني أو الإنساني، ومن وجهة نظرها، كل من يختلف عنها ومعها ويدافع عن حقه هو: معادٍ للسامية، يريد إبادة اليهود، لا يعترف بالهولوكوست، وحتى اليهود الذين يعادون الصهيونية ويستنكرون جرائم الحرب ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية المرتكبة في غزة والاستيطان في الضفة تعتبرهم معادين لأبناء دينهم”.

وأضاف أن “هذا يتطلب بالدرجة الأولى المصالحة التاريخية الحقيقية والوجدانية مرة وإلى الأبد، تلك الموجودة الآن ومنذ 1400 عام بين جناحي المسلمين سنة وشيعة، وهذه مهمة ومسؤولية تتحملها تركيا وإيران أولًا، ومصر والسعودية والعراق ثانيًا”.

وختم قائلاً “لن يرحم التاريخ شعوبنا، ولن ينتظرنا لندخل من إحدى بواباته بعد أن طال أمد خروجنا منه، إن ذلك مصلحة لإيران التي تستنزف طاقاتها منذ 45 عامًا في حروب إقليمية وخارج حدودها، ومصلحة لتركيا التي تعيش في عالم أوروبي لا يقبل بها في مؤسساته، وفي بيئة سياسية عسكرية ينظر إليها فيها على أنها غريبة بين أصدقاء، كما أنه مطلوب من إيران الابتعاد عن تصدير الأيديولوجيا العقائدية والميليشيات، والاعتراف بخصوصيات كل أمة وشعب وحقها باختيار أسلوب حياتها وقناعاتها الروحية بعيدًا عن التوظيف السياسي، ومطلوب من الحكومات العربية احترام الأمن القومي والاستقرار وحسن الجوار مع تركيا وإيران، إنها وجهة نظر تحمل من الخطأ ربما أقل أو أكثر من الصواب. لكن… حتى البحصة تأخذ مكانًا لها في البحر المحيط”.

زر الذهاب إلى الأعلى