
في مرمى الهجمات الإرهابية.. الصناعات الدفاعية التركية صامدة نحو مزيد من التطور والتقدم (تقرير)
أجمع مراقبون على أن الهجوم الإرهابي الأخير على شركة صناعات الطيران والفضاء التركية “توساش” في العاصمة التركية أنقرة، ليس مجرد حادثة معزولة، بل يعكس توجهًا متزايدًا لاستهداف قطاع الصناعات الدفاعية التركي الذي شهد نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة.
المحللون اعتبروا أن الهجوم يسلط الضوء على محاولات قوى داخلية وخارجية لعرقلة هذا التقدم، نظرًا لما يمثله من أهمية استراتيجية على الصعيدين الوطني والدولي.
الصناعات الدفاعية التركية في مرمى الاستهداف
ويعد قطاع الصناعات الدفاعية في تركيا واحدًا من أسرع القطاعات نموًا في البلاد، حيث ساهم بشكل كبير في تعزيز مكانة تركيا كقوة صاعدة في سوق السلاح الدولي.
ووفقًا لبيانات رسمية، استطاعت تركيا أن تصعد إلى مراتب متقدمة عالميًا في مجال تصنيع الطائرات المسيّرة والمركبات العسكرية الأخرى، مما وضعها في منافسة مباشرة مع الدول الكبرى في هذا المجال.
وجعلت هذه الطفرة التكنولوجية تركيا شريكًا استراتيجيًا لكثير من الدول، مما أثار قلق بعض القوى الإقليمية والدولية التي ترى في هذا التقدم تهديدًا لمصالحها.
الهجوم على “توساش”، الذي وقع في وقت حساس قبل أيام من اختتام معرض SAHA EXPO الدولي للصناعات الدفاعية في ولاية إسطنبول، لا يمكن فصله عن هذا السياق، إذ يعد التوقيت دلالة على وجود نية لتعطيل مسيرة تركيا في هذا القطاع الحيوي، حسب مراقبين.
وتعد “توساش”، بصفتها الشركة الرئيسية في إنتاج الطائرات المقاتلة المحلية، واحدة من أبرز الرموز في هذا التطور، واستهدافها يوحي برغبة في تقويض ما تم تحقيقه حتى الآن، وفق المراقبين.
تنظيم PKK الإرهابي، ووفقا لمحللين، يرى في الصناعات الدفاعية التركية، وخاصة تلك المملوكة للدولة أو الجيش، رمزًا للقوة الوطنية ولتنامي النفوذ العسكري التركي في الداخل والخارج، ما يدفعه لمحاولة عرقلة هذه الجهود.
من ناحية أخرى، لا يمكن إغفال الأبعاد الجيوسياسية للهجوم، فتركيا، التي تحاول منذ سنوات تقليل اعتمادها على التكنولوجيا العسكرية الأجنبية وتطوير قدراتها المحلية، بدأت تثير قلق بعض القوى الدولية التي اعتادت أن تكون المورد الأساسي لاحتياجات تركيا العسكرية.
كما أن تطلعات أنقرة نحو تحقيق الاستقلالية في الصناعات الدفاعية قد تتعارض مع مصالح دول وشركات عالمية تعتمد على صادرات الأسلحة كأداة للنفوذ السياسي والاقتصادي.
استراتيجية الحكومة التركية في مواجهة التحديات
الحكومة التركية، وعلى رأسها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أكدت في أكثر من مناسبة أن تطوير الصناعات الدفاعية الوطنية يُعد أحد الأهداف الاستراتيجية للبلاد، وأنها لن تتراجع عنه مهما كانت التحديات.
وأكد أردوغان أيضاً بأن الصناعات الدفاعية تمثل “خطًا أحمر” للأمن الوطني، وأن أي تهديد أو محاولة لعرقلة هذا القطاع سيتم مواجهتها بحزم. الهجوم الأخير على “توساش” عزز من هذا الموقف، حيث شددت الحكومة على أنها ستواصل تطوير تكنولوجيا الدفاع المحلي وستعمل على تعزيز قدراتها العسكرية الذاتية لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة.
وحول ذلك، قال الكاتب السياسي والحقوقي، عبد الناصر حوشان لـ “وكالة أنباء تركيا”، إن “المواقف السياسية التركية المتوازنة في القضايا الدولية وخاصة القضايا العربية والاسلامية، والازدهار الاقتصادي، ونمو الصناعات العسكريّة، جعلها في مقدمة الدول الصاعدة على الساحة الدولية والأقرب لدخول نادي مجموعة الـ 20، وهذا الأمر أثار حفيظة أعداء تركيا وهم كُثر وخاصة ممن تضررت مصالحهم مما وصلت إليه تركيا، وخاصة الاحتلال الإسرائيلي، وبعض حلفائها بعد موقف تركيا الداعم للقضية الفلسطينيّة الذي دفع قادة الكيان الإسرائيلي لتوجيه التهديدات لتركيا التي أخذتها الحكومة التركية على محمل الجد من خلال تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي حذّر من مشروع الاحتلال الإسرائيلي الكبير وفضح نوايا نتنياهو، أضف الى ذلك توجه التحالف الحاكم في تركيا للمصالحة مع الأكراد، كل ذلك أثار حفيظة أعداء تركيا الداخليّين والخارجيّين، الأمر الذي دفعهم لضرب استقرار تركيا عبر عملائهم من خلال القيام بالأعمال الإرهابية”.
الأبعاد الاقتصادية والسياسية للهجوم
التطور السريع للصناعات الدفاعية في تركيا لم يكن مجرد إنجاز تقني، بل له أيضًا تداعيات اقتصادية وسياسية مهمة.
فشركات مثل “توساش”، التي تصنع طائرات مقاتلة ومسيّرات، تسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال توسيع صادرات السلاح إلى دول صديقة وحليفة، ما يرفع من قيمة تركيا كلاعب مؤثر في الساحة الدولية.
وفي الوقت نفسه، فإن هذا التوسع يخلق حالة من التوتر لدى بعض الدول المجاورة التي قد ترى في ذلك تهديدًا لتوازن القوى الإقليمي.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الهجوم على “توساش” يحمل رسائل متعددة، فهو لا يستهدف فقط تعطيل مشاريع عسكرية محددة، بل يسعى أيضًا إلى توجيه ضربة لمكانة تركيا الدولية ولقدرتها على تحقيق استقلالية في قطاع الدفاع.
وهذا الاستقلال الذي كانت تركيا تسعى إليه منذ سنوات، بدأ يتحقق على أرض الواقع، وهذا ما يثير مخاوف بعض الأطراف التي ترغب في إبقاء تركيا معتمدة على الواردات العسكرية الأجنبية.
وقال الناشط السياسي مصطفى النعيمي لـ”وكالة أنباء تركيا”، “أعتقد أن الاستهدافات التي تتم للمؤسسات العسكرية وبرنامج الجو فضائية بشكل عام تأتي في سياق معطيات تنطلق من مبادئ جماعات إرهابية موصفة حسب القانون التركي، وهنا اتحدث عن PKK الإرهابي والذي يحاول بشكل مستمر النيل من الحكومة التركية وزعزعة أمنها، ولكن تطور الأخير أعتقد بأنه سيكون خطيراً ويتطلب ذلك اتخاذ إجراءات تتناسب مع حجم تلك التهديدات، فبالتالي أقدمت الحكومة التركية على توجيه ضربات إلى معاقل PKK/PYD في سوريا كرد أولي على تلك العملية، لكن الصعوبات باتت كبيرة في ظل الجرأة الكبيرة التي تمتلكها تلك الميليشيات ومحاولة النيل من المؤسسات العسكرية التركية وخاصة المرتبطة بالجو”.
مسار تركيا نحو الاستقلالية الدفاعية
الهجوم على شركة “توساش” لا يمثل سوى حلقة واحدة في سلسلة من التحديات التي تواجهها تركيا في مساعيها لتعزيز قطاع الصناعات الدفاعية.
إلا أن الرد الرسمي من الحكومة التركية جاء واضحًا وحازمًا بأن هذه الهجمات لن تعرقل المسار، ما يؤكد أن تركيا تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق استقلالية كاملة في مجال الصناعات الدفاعية، رغم كل العراقيل الداخلية والخارجية.
ومع استمرار تركيا في تطوير صناعاتها الدفاعية وزيادة قدراتها التكنولوجية، يبدو أن القوى المعادية لهذا التقدم ستواصل محاولاتها لعرقلة هذه المسيرة، ولكن مع تصاعد الطموحات التركية، يبقى السؤال الأكبر: إلى أي مدى يمكن لهذه الهجمات أن تؤثر على هذه المسيرة؟