شهدت قطر، الثلاثاء، حدثاً بارزاً ضمن مسيرة تحديث النظام الدستوري، حيث توجه المواطنون إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في استفتاء عام على تعديلات دستورية.
وجاءت هذه التعديلات بناءً على مقترح قدمه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ووافق عليه مجلس الشورى القطري في أواخر الشهر الماضي.
ويُعد هذا الاستفتاء علامة فارقة نحو تعزيز التلاحم الوطني ورفع كفاءة النظام التشريعي لمواكبة تطلعات قطر المستقبلية، بحسب مراقبين.
وكان اللافت للانتباه حرص السلطات القطرية على توفير آليات مريحة ومرنة للمشاركة في الاستفتاء، مما يُظهر التزاماً كبيراً بتيسير وصول المواطنين إلى صناديق الاقتراع.
وبدأ التصويت في تمام الساعة السابعة صباحاً وانتهى في السابعة مساءً بالتوقيت المحلي.
وقد أتيحت للمواطنين فرصة التصويت الإلكتروني عبر أجهزة لوحية داخل مراكز الاقتراع، إضافة إلى إمكانية التصويت عن طريق تطبيق “مطراش2” المتاح على الهواتف المحمولة، سواءً من داخل البلاد أو خارجها.
وعززت هذه الخيارات المتنوعة من سهولة المشاركة، مؤكدةً على أهمية إشراك كافة المواطنين في صنع القرار الوطني.
وحظي الاستفتاء بإقبال شعبي كبير، حيث شهدت لجان الاستفتاء توافد أعداد كبيرة من المواطنين، مع مشاركة شخصيات قيادية مثل الأمير وسمو الأمير الوالد وسمو الشيخة موزا بنت ناصر.
وأشاد عدد من المسؤولين بهذا الإقبال الكبير، إذ وصفته وزيرة الصحة، الدكتورة حنان الكواري، بأنه نموذج رائع على التلاحم بين القيادة وأبناء الشعب، بينما أشار رئيس اللجنة الأولى للاستفتاء إلى أن هذا الحدث يشكل فرصة لإبراز مدى وحدة وتماسك الشعب القطري.
وشملت التعديلات التي يتم الاستفتاء عليها 14 مادة من الدستور القطري، مع إضافة مادتين جديدتين وإلغاء ثلاث مواد. وتنوعت التعديلات بين إلغاء، تعديل، وإضافة نصوص تركز على إعادة تشكيل آليات بعض المؤسسات الحيوية. من أبرز ما يتضمنه الاستفتاء تعديل آلية اختيار أعضاء مجلس الشورى، حيث ستعود طريقة اختيار الأعضاء إلى التعيين من قِبل الأمير بشكل كامل، بدلاً من النظام السابق الذي كان يقضي بانتخاب ثلثي الأعضاء.
ويعكس هذا التوجه تأكيدًا على الثقة بالقيادة الرشيدة في اختيار الكفاءات والشخصيات القادرة على تمثيل مصالح الشعب بفاعلية داخل المجلس.
وفي تغريدة على حسابه في منصة “إكس”، أكد أمير قطر على أن التعديلات الجديدة تحمل غايتين رئيسيتين: تعزيز وحدة الشعب القطري، وترسيخ مفهوم المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات. واعتبر أن تحقيق المساواة أمام القانون هو جوهر الدولة الحديثة، وأنه واجب شرعي وأخلاقي ودستوري؛ حيث تشكل هذه القيم جزءاً أساسياً من العقيدة الإسلامية التي تقوم عليها مبادئ الحكم في قطر.
وتمحورت التعديلات الدستورية حول مجموعة من المواد، شملت:
- المادة 1: أكدت النصوص الجديدة على استقلال قطر كدولة عربية ذات سيادة، وعلى أن الشريعة الإسلامية هي مصدر رئيسي للتشريع، مع تكريس مفهوم النظام الديمقراطي القائم على الشورى وسيادة القانون.
- المادة 77: تم تعديل آلية تشكيل مجلس الشورى بحيث يتكون من 45 عضواً يعينهم الأمير، بعد أن كان النظام السابق يقضي بانتخاب 30 عضواً وتعيين 15 آخرين، حيث يعزز هذا التعديل من مركزية اختيار الشخصيات المؤهلة لتولي مناصب التشريع.
- المادة 80: نصت التعديلات على شروط أكثر تركيزًا لكفاءة أعضاء مجلس الشورى، بما يشمل أن يكون المرشح قطري الجنسية، ملمًّا باللغة العربية، وأن يتمتع بسمعة طيبة لم يسبق الحكم عليه في قضايا مخلة بالشرف أو الأمانة، وأن يكون من أهل الكفاءة والخبرة، ويعد هذا التعديل تطورًا ملحوظًا عن الشروط السابقة التي كانت تشمل أن تكون جنسية المرشح أصلية وأن لا يقل عمره عن 30 عامًا.
ويمثل الاستفتاء الحالي ثاني استفتاء عام في تاريخ قطر، إذ كان الاستفتاء الأول عام 2003 للموافقة على الدستور الدائم.
وقد أثبت ذلك الحدث أهمية وجود دستور عصري يستجيب لتطلعات الشعب القطري. واليوم، يجسد هذا الاستفتاء تجديداً لهذا الالتزام العريق بالتشاور والتعاون بين الحاكم والمحكوم.
وقد ذكرت وكالة الأنباء القطرية “قنا”، أن هذه التعديلات تعزز من علاقات التشاور بين القيادة والشعب، مؤكدةً أن قطر نجحت في ترسيخ تقاليد ديمقراطية تضمن التفاعل المستمر لتحقيق الإنجازات والمكتسبات الوطنية. هذا الحدث يعكس استمرارية التفاعل البنّاء بين القيادة والشعب، ويرسخ من مكانة قطر كنموذج يحتذى به في التلاحم الوطني.
وأعرب العديد من القطريين على وسائل التواصل الاجتماعي عن دعمهم للتعديلات الدستورية وتفاؤلهم بمستقبل مشرق لقطر.
وجاءت بعض التغريدات لتؤكد على فتح “أبواب المستقبل والازدهار” تحت القيادة الحكيمة للأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مما يعزز من أجواء الوحدة الوطنية ويؤكد على مدى ارتباط الشعب بقيادته.
ويُعد هذا الاستفتاء محطة محورية تعكس توجه دولة قطر نحو استدامة التقدم الدستوري وتحقيق رؤية وطنية تتسم بالعدالة والشورى والمواطنة المتساوية.
ومن شأن هذه التعديلات أن تسهم في بناء مؤسسات قوية قادرة على تحقيق مصالح الشعب، وتعزز من دور قطر كدولة حديثة، تتمسك بأصالتها وتطور مؤسساتها لتعبر عن إرادة مواطنيها بكل شفافية ووضوح، بحسب مهتمين بالملف القطري.