شهدت العاصمة السورية دمشق، أمس الأول الخميس، زيارة لافتة لرئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالن، الذي تصدرت زيارته المشهد السياسي والإعلامي في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها الملف السوري، منذ سقوط رئيس النظام المخلوع بشار الأسد.
وأثارت الزيارة تساؤلات عديدة حول الهدف منها والدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا في دعم استقرار سوريا، حيث يُنظر إلى هذه الخطوة كجزء من الجهود الإقليمية لإعادة تشكيل العلاقات والتوازنات السياسية في المنطقة.
ووفقًا لمحللين سياسيين، تحمل الزيارة عدة رسائل، منها: إبراز العمق التاريخي والثقافي، حيث أن زيارة المسجد الأموي تعكس الشوق والحنين لأحد أهم المراكز الإسلامية في المنطقة، ما يعزز الروابط الثقافية بين تركيا وسوريا.
ومن الرسائل التي تحملها تلك الزيارة، إظهار الدعم التركي العلني لسوريا، حيث يشير المحللون إلى أن هذه الزيارة هي بمثابة دعم واضح للشعب السوري في المرحلة الحالية، حيث تواجه البلاد تحديات كبيرة على المستويين السياسي والاقتصادي، فكالن لم يقم بزيارة سرية كعادة أجهزة الاستخبارات بل بزيارة علنية.
ويرى آخرون أن زيارة كالن تأتي تنفيذًا لوعد قطعه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة المسجد الأموي، وهو ما يمكن أن يكون جزءًا من استراتيجية تركيا التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار السياسي والأمني للسوريين في مدنهم وبلداتهم، على اعتبار أن سوريا دولة جارة واستراتيجية بالنسبة لتركيا.
الإعلامي الفلسطيني فايز أبو عيد، قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “زيارة الوفد التركي برئاسة رئيس جهاز المخابرات إبراهيم كالن، إلى سوريا بعد عدة أيام من فرار الرئيس السوي المخلوع بشار الأسد وسيطرة قوات المعارضة السورية على معظم الأراضي السورية، تحمل دلالات سياسية عميقة تتجاوز مجرد لقاء استخباراتي روتيني، حيث مثلت محطة فارقة في إعادة رسم خريطة التحالفات والعلاقات الإقليمية، كما وجهت رسائل عديدة على كافة الصعد سواء منها للشعب السوري، وبلدان العالم أجمع، خاصة منها الولايات المتحدة وإسرائيل”.
وأضاف أن “الرسائل الموجهة للشعب السوري فهي تأتي في تجديد المواقف التركية الداعمة لحقهم في الحرية والعيش الكريم، وفتح صفحة جديدة من العلاقات الدبلوماسية من خلال الاعتراف الضمني بالوضع السياسي الحالي في سوريا، وإنهاء رسمي للقطيعة المستمرة منذ 2011، وكذلك للتأكيد على ما قاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق: إن (بلاده لن تسمح بتقسيم سوريا مرة أخرى، أو أن توافق على أن تصبح مجددا ساحة صراع)، ولمد يد العون والمساعدة له، ومساعدته على تجاوز المحنة ودعمه في إعادة الإعمار وبناء سورية الحديثة”.
وتابع أنه “فيما يخص الرسائل الموجهة إلى دول العالم من خلال هذه الزيارة، فهي رسائل طمأنة مباشرة للاعبين الإقليميين والى المجتمع الدولي ككل أنه لن يحدث اقتتال داخلي ولن يكون هناك إلغاء لأي مكون سياسي واضطهاد، أو تحركات أمنية غير مرغوب بها أو تخويفية أو مقلقة لأي طرف من الأطراف داخليا أو إقليميا أو خارجياً”.
وختم قائلا إن “زيارة رئيس جهاز المخابرات إبراهيم كالن إلى دمشق، تمثل نقطة تحول جوهرية في المشهد الإقليمي، حيث تعيد رسم خريطة التحالفات والعلاقات بين تركيا وسوريا”.
من جهته، قال المنسق العام لمجلس القبائل والعشائر السورية مضر الأسعد لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “هذه الزيارة لها معاني كثيرة، أولها أن الجامع الأموي له أهمية كبيرة جدا لدى كل المسلمين في العالم ويعتبر الرمز الأول لسوريا وبلاد الشام، وثانياً، قالها الرئيس أردوغان في بداية الثورة السورية: إن شاء الله قريبا سأصلي في الجامع الأموي”.
وأضاف أن “زيارة كالن هي عملية تحضير لأردوغان وللقيادة التركية من أجل الذهاب إلى دمشق والصلاة في المسجد الأموي، وبالتالي هذا يعني الانتصار وسقوط نظام بشار الأسد”.
وأشار الأسعد إلى أن “تركيا كانت وما تزال لها أياد بيضاء في الدعم الإنساني وفي كل المجالات، وبالتالي هي داعمة للنصر الذي حققه الشعب السوري ليس فقط على الأسد بل على روسيا وإيران وميليشياتها المتنوعة، وهو انتصار كبير للشعب السوري بدعم وبمساندة من تركيا”.
وتؤكد زيارة كالن أن “تركيا ما زالت داعمة للشعب السوري وللدولة السورية الجديدة ولمستقبل سوريا، وهذه الزيارة من أجل التكاتف والتعاون في المرحلة المقبلة لتحرير منطقة الجزيرة والفرات شرقي سوريا، ولطرد تنظيم PKK/PYD الإرهابي الذي يشكل خطرا كبيرا على وحدة سوريا وعلى الأمن القومي التركي”، حسب الأسعد.
ولفت إلى أن “هذه الزيارة جاءت أيضا لتضع الأسس القادمة للتعاون مع الدولة السورية الجديدة وفي كل المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها، وهذا يعتبر من الأشياء الإيجابية جدا للشعبين السوري والتركي”.
ووسط كل ذلك، تبقى زيارة إبراهيم كالن إلى دمشق، وخاصة المسجد الأموي، محطة فارقة في مسار العلاقات التركية السورية.