مدونات TRهام

التحالف السوري التركي.. خطوة نحو تغيير معادلات المنطقة (مقال)

في عالمٍ متسارع التغيرات، حيث تتداخل المصالح الدولية والصراعات الإقليمية، تتجسد أهمية التحالف بين سوريا الجديدة وتركيا كركيزة أساسية في إعادة رسم خرائط المنطقة. هذا التحالف، الذي يعكس تفاعلاً بين قوتين إقليميتين متجاورتين، يمتلك من المقومات السياسية والأمنية والاقتصادية ما يجعله ضرورة حيوية لمواجهة التحديات التي تتهدد المنطقة، وعلى رأسها التهديدات التي تطرحها إسرائيل كقوة إقليمية مهيمنة.

التهديد الإسرائيلي: بداية مرحلة جديدة

إن تهديدات إسرائيل المستمرة ضد تركيا، وفي الآونة الأخيرة تصعيد تصريحاتها الاستفزازية بشأن وجودها العسكري في سوريا، قد تكون الحافز الذي يعجل بتعميق التحالف بين سوريا وتركيا. فالتصريحات الإسرائيلية التي ترفض السماح بإنشاء قواعد تركية جوية أو بحرية في سوريا، والتي تتوعد برد عنيف إذا ما تم تجاوز ما تسميه “الخطوط الحمراء”، تكشف عن خوف كبير من التغيرات الإقليمية التي قد تحدث في ظل هذا التحالف، خاصة أن إسرائيل تعرف أن تركيا دولة لا تخشى المواجهات، بل تعتبر أن التهديدات الإسرائيلية ما هي إلا محاولات لنشر الخوف.

تركيا، التي تمتلك إرثاً حضارياً يمتد لألف عام، لن ترضخ لأي محاولات للهيمنة عليها أو على المنطقة. وهي تدرك جيداً أن إسرائيل، التي تسعى لحماية مصالحها الخاصة، قد تجد نفسها في مواجهة مع تركيا، القوة العظمى التي صاغت التاريخ ورسمت الجغرافيا في الشرق الأوسط. وما يحاول الكيان الإسرائيلي إخفاءه من خلال تهديداته المتكررة هو في حقيقة الأمر خوفه من تقلب موازين القوى في المنطقة، مما يعزز الحاجة إلى تحالفات جديدة وقوية.

سوريا وتركيا: التحالف الضروري في مواجهة التهديدات المشتركة

التحالف السوري التركي ليس مجرد خطوة تكتيكية، بل هو تحالف استراتيجي يهدف إلى كسر القيود التي فرضتها الأزمات السياسية والأمنية على الدولتين. فتركيا، باعتبارها القوة الكبرى في المنطقة، لن تترك لنفسها مجالًا في التراجع أمام التهديدات الإسرائيلية المتزايدة. ومع توجيه إسرائيل تهديداتها ضد الوجود العسكري التركي في سوريا، يجد الطرفان السوري والتركي أنفسهما في موقف واحد أمام التحدي نفسه: إما أن تكون هناك مواجهة مباشرة مع إسرائيل، أو أن تسعى الدولتان إلى التنسيق المشترك لمواجهة هذا التهديد.

المنطقة اليوم بحاجة إلى استراتيجية موحدة، تجمع بين قوتين تملك كل واحدة منهما أدوات نفوذ كبيرة على المستوى الإقليمي. من خلال هذا التحالف، يستطيع الطرفان السوري والتركي تشكيل جبهة موحدة تساهم في إعادة ضبط المعادلات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، مستفيدين من موقعهما الجغرافي الفريد، حيث تشكل سوريا البوابة الطبيعية لتركيا إلى العالم العربي، بينما توفر تركيا لسوريا دعماً استراتيجياً في مواجهة الأطماع الإسرائيلية.

الإرث التاريخي والتحولات السياسية: ضرورة التحالف بين سوريا وتركيا

لا يمكن إغفال الدور التاريخي الذي لعبته تركيا في المنطقة، حيث كانت القوة المحورية التي ساهمت في تشكيل الجغرافيا السياسية لآلاف السنين. من هنا، لا يمكن التغافل عن أن تركيا قد تكون في موقع قوة قادر على فرض تحولات سياسية في المنطقة لصالح شركائها الاستراتيجيين، وفي مقدمتهم سوريا. فإذا ما تمكّن البلدان من التوصل إلى تحالف حقيقي، فإنهما سيقلبان معادلات القوة لصالحهما، مما يسمح لهما بمواجهة الضغوط الإسرائيلية والتأثير على القرارات الكبرى التي تؤثر في مصير المنطقة.

علاوة على ذلك، فإن تزايد التهديدات الإسرائيلية ضد تركيا في سياق الأحداث المتسارعة يعزز من فكرة أن التحالف السوري التركي يجب أن يكون خطوة استراتيجية لإعادة ضبط السياسات في المنطقة. هذا التحالف لا ينحصر فقط في مواجهة إسرائيل، بل يمتد ليشمل قضايا إقليمية كبرى، من بينها مواجهة الإرهاب، الحفاظ على السيادة الوطنية، وحماية المصالح المشتركة في البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط.

الخوف الإسرائيلي من التحولات الجيوسياسية: ماذا بعد؟

في نهاية المطاف، إن إسرائيل ليست مجرد كيان عابر في تاريخ المنطقة، بل هي جزء من صراع طويل الأمد حول هوية المنطقة والموارد، وخاصة بعد أن أثبتت الأحداث الأخيرة أن تركيا لن تساوم على مصالحها. ومع تحركاتها العسكرية في سوريا، تزداد المخاوف الإسرائيلية من أي تحالف بين سوريا وتركيا قد يشكل تهديدًا حقيقيًا لوجودها. فعلى الرغم من محاولات إسرائيل فرض واقع جديد عبر تهديداتها، فإنها لن تجد في النهاية طريقًا سهلاً لتحقيق أهدافها.

إذا ما استمر التنسيق السوري التركي في هذا الاتجاه، فإن الخريطة السياسية في المنطقة ستتغير بشكل جذري. ستصبح سوريا وتركيا في مقدمة الدول التي تعيد تشكيل العلاقات الدولية في المنطقة، ويصبح النفوذ الإسرائيلي مهددًا بشكل غير مسبوق.

ختامًا: رؤية استراتيجية للمنطقة

إن التحالف بين سوريا الجديدة وتركيا هو الخيار الأمثل لمواجهة التحديات المستجدة في المنطقة، حيث تبرز الحاجة إلى وقوف الدولتين في جبهة واحدة لمواجهة التهديدات المشتركة. هذه الشراكة ليست مجرد تحالف ضد إسرائيل، بل هي خطوة نحو بناء منطقة أكثر استقرارًا وقوة، حيث يكون للدول العربية والإسلامية الكلمة الفصل في تحديد مصيرها، بعيدًا عن الهيمنة الأجنبية.

خالد شبيب

أستاذ الاقتصاد في المجلس العام للمؤسسات والبنوك الإسلامية
زر الذهاب إلى الأعلى