تقاريرهام

قراءة في زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى قطر.. نحو شراكة استراتيجية كبيرة (تقرير)

تعد زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى دولة قطر، الثلاثاء، حدثاً بارزاً في مسار العلاقات السورية القطرية، حيث تحمل في طياتها دلالات سياسية واقتصادية عميقة تهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي وبناء شراكة استراتيجية طويلة الأمد.

وتأتي هذه الزيارة في سياق ديناميكيات إقليمية معقدة، حيث تسعى سوريا الجديدة إلى تثبيت أسس استقرارها السياسي والاقتصادي، فيما تواصل قطر دورها كلاعب إقليمي فاعل يدعم التطلعات السورية نحو الاستقرار والتنمية.

سياق الزيارة وأهميتها

ووصل الرئيس السوري أحمد الشرع إلى العاصمة القطرية الدوحة في زيارة رسمية، حيث كان في استقباله أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في مشهد يعكس حفاوة الاستقبال ورمزية الحدث.

وأشار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في منشور على حسابه في منصة “إكس”، إلى أن هذه الزيارة تُعد الأولى من نوعها إلى دولة “وقفت إلى جانب السوريين منذ اليوم الأول ولم تتخلّ عنهم”.

ويعكس هذا التصريح، حسب مراقبين، عمق العلاقة التاريخية بين البلدين، حيث كانت قطر من أوائل الدول التي دعمت الثورة السورية سياسياً وإنسانياً، واستأنفت عمل سفارتها في دمشق بعد 13 عاماً من القطيعة، في خطوة رمزية تعبر عن التزامها بدعم سوريا الجديدة.

وخلال الزيارة، عقد أمير قطر جلسة مباحثات رسمية مع الرئيس الشرع في الديوان الأميري، تناولت سبل تعزيز العلاقات الثنائية في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، إلى جانب مناقشة التطورات الإقليمية والدولية.

وقد عبّر الشيخ تميم عن تطلعه إلى أن “تسهم هذه الزيارة في دفع مسيرة التعاون إلى آفاق أوسع”، فيما أكد الشرع حرص سوريا على “تطوير العلاقات وتعزيز التنسيق المشترك بما يخدم مصالح البلدين”.

الأهداف: تعزيز الاستقرار وفتح آفاق التعاون

تتركز أهداف الزيارة حول ثلاثة محاور رئيسية: تعزيز العلاقات السياسية والدبلوماسية، جذب الدعم الاقتصادي والاستثماري، وتكريس موقع سوريا الجديدة في المشهد الإقليمي. قطر، بما تمتلكه من نفوذ دبلوماسي وقدرات مالية، تُعد شريكاً استراتيجياً مثالياً لسوريا في هذه المرحلة الانتقالية. وقد أظهرت الدوحة التزاماً مستمراً بدعم الشعب السوري، سواء من خلال المساعدات الإنسانية، مثل الجسر الجوي الذي تضمن مواد غذائية وطبية، أو عبر المساهمة في إعادة تشغيل مطار دمشق الدولي.

من جهة أخرى، تسعى سوريا إلى الاستفادة من الخبرة القطرية في إدارة العلاقات الدولية لتجاوز التحديات المرتبطة بالعقوبات الدولية، وإعادة دمجها في الساحة الإقليمية والدولية كعضو فاعل. كما تهدف الزيارة إلى وضع الأسس لشراكة اقتصادية طويلة الأمد، تشمل دعم مشاريع الطاقة، المطارات، والموانئ، تمهيداً لمرحلة إعادة الإعمار.

النتائج المحتملة: شراكة استراتيجية ودعم شامل

من المتوقع أن تُثمر الزيارة عن اتفاقيات تعاون في مجالات متعددة، تشمل الطاقة، البنية التحتية، والدبلوماسية. وقد أشار أمير قطر، في تغريدة عبر “إكس”، إلى أن “العلاقات الأخوية بين البلدين في تطور ونماء كبيرين”، مؤكداً العمل المشترك للارتقاء بها إلى “المستوى المأمول الذي يخدم المصالح المشتركة”. هذا التصريح يعكس وجود إرادة سياسية قوية لدى الطرفين لبناء شراكة مستدامة.

على الصعيد الاقتصادي، من المرجح أن تتعهد قطر بتقديم دعم إضافي لتطوير البنية التحتية السورية، لا سيما في قطاعات الطاقة والنقل. وفي هذا السياق، يُشار إلى أن قطر سبق أن ساهمت في تزويد محطة الطاقة في دير علي بالغاز، مما أدى إلى تحسين التزويد بالكهرباء في سوريا. كما أن إعادة تشغيل مطار دمشق الدولي، بدعم قطري، يُعد خطوة أساسية نحو استعادة الحركة الاقتصادية.

سياسياً، تعزز الزيارة من مكانة الحكومة السورية الجديدة كسلطة شرعية، وتفتح قنوات تواصل مع المجتمع الدولي عبر الوساطة القطرية. ومع مشاركة قطر في مؤتمرات دولية مثل المؤتمر الوزاري في باريس، فإنها تُعد جسراً لربط سوريا بالمجتمع الدولي، مما يدعم جهودها لتحقيق حل سياسي شامل يحفظ وحدة البلاد.

وفي هذا الصدد، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي محمد ياسين النجار أن زيارة الرئيس الشرع إلى قطر تكتسب أهميتها من الدعم السياسي والاقتصادي الذي قدمته الدوحة لسوريا منذ تحقيق النصر.

وأشار في تصريح لـ “وكالة أنباء تركيا”، إلى أن “حفاوة الاستقبال القطري تُعد مؤشراً على رغبة البلدين في بناء شراكة استراتيجية طويلة الأمد”.

وتابع أنه “من المتوقع أن تقدم قطر دعماً قوياً في المرحلة الانتقالية، خاصة في مجالات الطاقة، المطارات، والموانئ، مما يمهد لمرحلة إعادة الإعمار وتنشيط الاقتصاد”.

وأضاف أن الدبلوماسية السورية تسعى للاستفادة من الخبرة القطرية وشبكة علاقاتها الدولية لتجاوز العقوبات وإعادة سوريا إلى الساحة الإقليمية كعضو فاعل يساهم في استقرار المنطقة، حسب تعبيره.

العلاقات المشتركة: تاريخ دعم وتطلعات مشتركة

وتتميز العلاقات السورية القطرية بعمق تاريخي، حيث كانت قطر من أبرز داعمي الثورة السورية منذ انطلاقتها. وقد تجلى هذا الدعم في تقديم المساعدات الإنسانية، استئناف العمل الدبلوماسي، وتأكيد الموقف القطري الداعم لوحدة سوريا وسيادتها. وفي هذا الإطار، أكدت المندوبة القطرية لدى الأمم المتحدة، الشيخة علياء آل ثاني، دعم بلادها للمرحلة الانتقالية في سوريا، مشددة على أهمية التضامن الدولي لتعزيز الاستقرار.

وقال المتخصص في الإدارة والتخطيط الاستراتيجي زكريا ملاحفجي، في تصريح لـ “وكالة أنباء تركيا”، إن الزيارة تهدف إلى “توثيق العلاقات السياسية والدبلوماسية في ظل التطورات الإقليمية، مع السعي للحصول على دعم قطري لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية”.

وأوضح أن “جزءاً من الزيارة تشاوري، يتعلق بمواجهة التحديات الإقليمية، بما في ذلك التوترات مع إسرائيل، حيث وردت رسائل عبر وسطاء بهذا الشأن”.

وزاد موضحا أن “قطر لاعب اقتصادي بارز، ومن المرجح أن تُسهم الزيارة في جذب استثمارات أو دعم مالي، لكن النتائج تحتاج إلى وقت بسبب تعقيدات العقوبات الدولية”.

من جانبها، تسعى سوريا إلى ترجمة هذا الدعم إلى شراكة استراتيجية تشمل تبادل الخبرات، تعزيز الاستثمارات، والتنسيق في القضايا الإقليمية. وقد عبر الرئيس الشرع، خلال استقباله لأمير قطر في دمشق في 30 كانون الثاني، عن تطلعه لبناء “شراكة استراتيجية تعود بالنفع على الشعبين”.

من جهته، اعتبر الباحث المساعد في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، إبراهيم خولاني، أن الزيارة “تأتي في سياق تكريس موقع الحكومة السورية الجديدة كسلطة شرعية”.

وأكد في تصريح لـ “وكالة أنباء تركيا”، على أن “سوريا تسعى لاستثمار العلاقة التاريخية مع قطر، التي كانت من أبرز داعمي الثورة”.

ولفت إلى أن “الزيارة رسالة للمجتمع الدولي مفادها أن سوريا ما بعد الأسد منفتحة على الفضاء العربي، وتسعى لتفاعل إقليمي بناء”، مضيفا أن الهدف لا يقتصر على البعد الرمزي، بل يمتد إلى “البحث عن دعم مباشر لإعادة الإعمار واستقرار الاقتصاد السوري، مستفيدة من القدرات المالية والدبلوماسية القطرية”.

وتشكل زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى قطر نقطة تحول في مسار العلاقات الثنائية، حيث تتجاوز البعد الرمزي لتضع الأسس لشراكة استراتيجية شاملة، ومن خلال تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي، تسعى سوريا إلى تثبيت استقرارها واستعادة دورها الإقليمي، بينما تواصل قطر دعمها كشريك موثوق يراهن على نهضة سوريا الجديدة.

ومع استمرار التنسيق بين البلدين، يبقى السؤال: إلى أي مدى ستتمكن هذه الشراكة من تحقيق تطلعات الشعبين في ظل التحديات الإقليمية والدولية؟

زر الذهاب إلى الأعلى