
فصّل الصحفي الأذري روفيز حافظ أوغلو، جرائم الاحتلال الأرمني في إقليم “قره باغ” الأذري الذي كانت تحتله أرمينيا، مؤكداً أن فوز الجيش الأذري حرب تحرير الإقليم ليس مجرد انتصار لأذربيجان، بل هو فوز لشعبها ولجميع الشعوب المسلمة المظلومة.
وشدد في تصريحات لـ “وكالة أنباء تركيا” هذا الانتصار رمزاً للنصر لكل من يعاني من الظلم، مشيراً إلى أن هناك أفكاراً مختلفة، بعضها عنصري أو شعبوي أو ديمقراطي، تتعلق بقره باغ، لكن من وجهة نظر الشعب الأذري، هذا الفوز هو انتصار للأمة الإسلامية.
وكان رئيس الشؤون الدينية في تركيا البروفيسور علي أرباش أعرب عن صدمته من الفظائع التي ارتكبتها القوات الأرمينية خلال احتلالها لإقليم “قره باغ” الأذري، مؤكدا أنهم نهبوا حجارة البيوت قبيل انسحابهم من الإقليم.
كلام أرباش جاء خلال زيارته أذربيجان بعيد تحرير إقليم “قره باغ”
وقال أرباش “لقد رأينا مدى الفظائع الأرمنية.. رأينا أنهم ارتكبوا قسوة شديدة، لدرجة أنهم أطلقوا النار على محراب المساجد.. ولم يبق شيء من البيوت، حتى أنهم نهبوا حجارتها “.
خلفية تاريخية لـ “قره باغ”
وأوضح حافظ أوغلو أن قره باغ كانت منطقة محتلة، مشيراً إلى أنه “مع انهيار الاتحاد السوفيتي، كانت قره باغ جزءاً من أذربيجان، ولم تكن معترفاً بها كدولة مستقلة من أي دولة”.
وأكد أن “أرمينيا، التي حاربت أذربيجان من أجل السيطرة على المنطقة، لم تعترف بها رسميا”، موضحاً أن “الأرمن كانوا يطلقون عليها اسم أرض ساخ، لكن لا وجود لشيء يُسمى بهذا الاسم”.
وأشار إلى أن الاسم الدولي هو “قره باغ”، وهي كلمة روسية تعني “الحديقة السوداء” أو “الجبلية”.
تجربة شخصية خلال الحرب
وتحدث حافظ أوغلو عن تجربته الشخصية، قائلاً إنه شهد الحرب بنفسه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث كان يعيش في منطقة قريبة من الحدود الروسية وكان في الثانية عشرة من عمره حينها.
وأكد أنه رأى الدعم الروسي المباشر لأرمينيا خلال الحرب التي بدأت في أواخر الثمانينيات واستمرت في التسعينيات، وبعد استقلال أذربيجان، استمر هذا الدعم من روسيا وبعض الدول الأجنبية، مشيراً إلى أن إيران، للأسف الشديد، قدمت دعماً قوياً لأرمينيا، وهي تُعتبر مصدراً رئيسياً للمشاكل في المنطقة.
دروس من الاحتلال الثلاثيني
وأكد حافظ أوغلو أنه “خلال الثلاثين عاماً التي كانت فيها الأراضي الأذرية محتلة، تعلمت أذربيجان درساً مهماً: حتى لو كنت على حق، فإنك إذا كنت ضعيفاً، لن يدعمك أحد”.
وأوضح أن “العالم كان يقف إلى جانب أرمينيا، بينما لم يدعم أذربيجان إلا القليل، ما دفع أذربيجان إلى بناء دولة قوية، تعزيز اقتصادها، وتقوية جيشها”.
وعندما أدركت أذربيجان قدرتها على تحرير أراضيها، بدأت الحرب في عام 2020 بعد هجوم أرميني، لكن أذربيجان لم تصمت وقررت تحرير “قره باغ”.
جرائم الأرمن بعد التحرير
وكشف حافظ أوغلو عن حجم الجرائم الأرمينية بعد تحرير الأراضي الأذرية، موضحاً أن “مدناً مثل خوجالي وأغدام دُمرت بالكامل”.
وأشار إلى أن “أغدام، التي كانت تُعتبر مركزاً ثقافياً مهماً، أصبحت أطلالاً، حيث دُمرت الشوارع والبيوت والمدارس والمساجد والمباني”.
وأضاف أن “المساجد الأذرية لم تُدنس فقط، بل استُخدمت لتربية الخنازير، وهو إهانة كبيرة لتاريخ وثقافة أذربيجان الإسلامية”.
وانتقد إيران “التي تدّعي أنها تدافع عن أذربيجان كدولة شيعية”، مؤكداً أنها “لم تفعل شيئاً لحماية هذه المساجد”.
موقف المجتمع الدولي
ولفت حافظ أوغلو إلى أن “المجتمع الدولي تجاهل هذه الجرائم”، مشيرا إلى أن “أذربيجان دعت منظمة اليونسكو لزيارة أذربيجان وتوثيق الدمار، لكنها رفضت”.
وأكد أن “هذا يُظهر أن الغرب لا يهتم بشؤون المسلمين أو بحقوقهم، لكنه أشار إلى أن أذربيجان وثّقت كل شيء في أرشيفاتها، وهذه الحقائق موجودة ولا يمكن إنكارها”.
تأثير التحرير على الأذريين
وتحدث حافظ أوغلو عن تأثير تحرير قره باغ على الأذريين، قائلاً إنه “عندما عاد الأذريون إلى قره باغ بعد ثلاثين عاماً من الاحتلال، كان المشهد مؤلما”.
وأوضح أن “كثيرين حملوا مفاتيح بيوتهم معهم عندما غادروا، وعندما عادوا، وجدوا بيوتهم إما مدمرة أو مهجورة”.
لكنه أكد أنه “رغم الألم، كانت هناك ثقة راسخة بين الأذريين بأنهم سيعودون إلى أراضيهم مهما كلف الأمر، وهذه الثقة، مدعومة بقوة الدولة والشعب والجيش، هي التي أدت إلى تحرير الأراضي”.
رؤية أذربيجان للمستقبل
وأشار حافظ أوغلو إلى أن “أذربيجان، بعد النصر، أعلنت للأرمن أنها تريد بناء مستقبل مشترك”، مؤكداً أنهم “جيران ولن يغادروا أرمينيا، كما أن أذربيجان لن تترك أراضيها”.
وأوضح أن “أكثر من 30 ألف أرمني يحملون الجنسية الأذرية يعيشون في باكو، وهناك كنيسة أرمينية لا تزال موجودة وتُحفظ من قبل الدولة”.
وأكد أن “أذربيجان، على عكس الأرمن، لم تدمر تراثهم ولم تستهدف المدنيين خلال الحرب”، مشيراً إلى أن “أذربيجان تريد السلام، لكن ذلك يتطلب من أرمينيا تغيير دستورها، الذي يدّعي أن أراضي أذربيجان وتركيا جزء من (أرمينيا القديمة)”.
مشكلة الألغام والتحديات المستمرة
وأبرز حافظ أوغلو “معاناة أذربيجان من الألغام التي زرعها الأرمن في الأراضي المحررة”، مشيراً إلى أن “أرمينيا، كدولة خاسرة، رفضت تسليم خرائط الألغام، مما تسبب في مقتل وإصابة الآلاف من المدنيين”.
وأكد أن “هذه مشكلة كبيرة تُظهر استمرار العداء، موضحاً أن المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا، يتجاهل هذه الحقائق ويواصل دعم أرمينيا.. وحتى الآن، هناك آلاف القتلى والجرحى بسبب الألغام التي تُظهر استمرار العداء الأرمني، وهذه مشكلة كبيرة، لأن الألغام موجهة للمدنيين”.
في 27 أيلول/سبتمبر 2020 أطلق الجيش الأذري عملية لتحرير أراضيه المحتلة في قره باغ، عقب هجوم شنته القوات الأرمينية على مناطق مأهولة بالسكان.
وبعد 44 يوما من المعارك، أعلنت روسيا في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، التوصل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ينص على استعادة باكو السيطرة على محافظات كانت محتلة.
وكان اللافت للانتباه آنذاك، أن القوات الأرمينية كانت تتعمد قصف المناطق السكنية من إقليم قره باغ الذي كانت تحتله، في حين رد الجيش الأذري بعملية عسكرية أسفرت عن تحرير أكثر من 30 قرية في الإقليم المحتل من قبل أرمينيا، حيث كانت الأهداف التي تستهدفها أذربيجان عسكرية وليست مأهولة بالمدنيين.
وقالت تركيا حينها وعلى لسان المتحدث باسم حزب “العدالة والتنمية” عمر تشيليك في بيان، إن “أرمينيا ومن يدعمونها يتصرفون كشبكة لارتكاب المجازر ولا يخضعون حتى لقانون الحرب”، مؤكدا أن “هذه الهجمات والمذابح لن تمر دون عقاب، وأرمينيا مذنبة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية”.
وفي 19 سبتمبر 2023، أعلنت أذربيجان إطلاق عملية ضد الإرهاب “بهدف إرساء النظام الدستوري في قره باغ” انتهت بعد يوم واحد باتفاق لوقف العملية، وتخلي المجموعات المسلحة غير القانونية والقوات المسلحة الأرمينية الموجودة في قره باغ عن سلاحها، وإخلاء مواقعها العسكرية.