
تعد قضية ما يسمى “إبادة الأرمن” واحدة من أكثر القضايا التاريخية إثارة للجدل في العلاقات الدولية والسياسية المعاصرة.
يدّعي الأرمن أن الدولة العثمانية قامت بتنفيذ “إبادة جماعية” ضدهم خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، مستندين إلى روايات تاريخية وشهادات متناقلة غير مثبتة.
ومع ذلك، فإن الوقائع التاريخية والأدلة الرسمية تشير إلى صورة مختلفة تمامًا عن تلك التي يتم تسويقها دوليًا من قبل اللوبيات الأرمنية.
ويركز الكثير من المؤرخين على تفنيد الروايات الأرمنية من خلال تقديم أدلة تاريخية ووثائق رسمية، وتوضيح الظروف السياسية والعسكرية التي سادت آنذاك، بالإضافة إلى تحليل الجهات الدولية التي استغلت هذه القضية لتحقيق أجندات سياسية.
الأدلة التاريخية والوثائق الرسمية التي تفنّد الروايات الأرمنية
الوثائق الرسمية العثمانية
تشير الوثائق الرسمية الصادرة عن الحكومة العثمانية إلى أن القرارات التي اتخذتها السلطات العثمانية تجاه الأرمن كانت ضمن إطار إجراءات أمنية، وليس ضمن نية إبادة عرقية.
وعلى سبيل المثال، فإن قرار نقل الأرمن من المناطق الحدودية الشرقية كان نتيجة لتعاون بعض الجماعات والعصابات والميليشيات الأرمنية مع القوات الروسية ضد الدولة العثمانية.
التقارير الدبلوماسية الغربية
العديد من التقارير الدبلوماسية الغربية الصادرة خلال الحرب العالمية الأولى، بما في ذلك تقارير السفراء الأمريكيين مثل هنري مورغنثاو، لم تشر إلى أي نية لإبادة الأرمن من قبل الدولة العثمانية، بل ركزت على الأوضاع الإنسانية الصعبة الناجمة عن الحرب وأعمال العنف المتبادلة.
شهادات المؤرخين المحايدين
العديد من المؤرخين الغربيين، مثل البروفيسور جاستن ماكارثي (Justin McCarthy) والبروفيسور برنارد لويس (Bernard Lewis)، أكدوا أن الروايات الأرمنية حول الإبادة الجماعية تحتوي على مبالغات كبيرة.
وأشاروا إلى أن الأعداد التي يتم تقديمها كضحايا غير دقيقة، وأن العديد من الأرمن الذين توفوا كانوا نتيجة للأوضاع الإنسانية الصعبة أثناء الحرب، وليس نتيجة سياسات إبادة متعمدة.
القوانين العثمانية المتعلقة بعملية النقل
القوانين العثمانية التي صدرت بشأن نقل الأرمن تؤكد أنها كانت إجراءات مؤقتة تهدف إلى حماية الأمن القومي، خاصة بعد أن بدأت جماعات مسلحة وعصابات أرمنية بالتعاون مع القوات الروسية بتنفيذ هجمات داخل الأراضي العثمانية. لم يكن هناك أي دليل على وجود نية للقضاء على الأرمن كجماعة عرقية.
الأدلة على التعاون الأرمني مع العدو
وأثبتت وثائق تاريخية أن بعض الجماعات والعصابات الأرمنية المسلحة، مثل “فدائيو الأرمن”، شاركت بشكل فعلي في الهجمات ضد الجيش العثماني بالتنسيق مع القوات الروسية المحتلة هذه الأعمال كانت تُعتبر خيانة وقت الحرب، مما دفع الدولة العثمانية إلى اتخاذ إجراءات أمنية.
تفسير الظروف السياسية والعسكرية
خلال الحرب العالمية الأولى، كانت الدولة العثمانية تواجه تحديات أمنية هائلة بسبب التهديدات الخارجية والداخلية.
الوضع الجغرافي للأرمن في المناطق الحدودية الشرقية جعلهم في موقع استراتيجي يمكن أن يستغله العدو الروسي، لذلك، جاء قرار النقل كإجراء أمني لحماية الجبهة الداخلية.
الإجراءات الأمنية مقابل الإبادة العرقية
لا يمكن اعتبار نقل مجموعة سكانية إبادة عرقية إذا كان الهدف منها هو حماية الأمن القومي، إذ أن النقل كان ممارسة شائعة في العديد من الدول خلال الحروب في ذاك الوقت، ولم يكن الهدف منه القضاء على الأرمن كجماعة عرقية، بل نقلهم إلى مناطق أكثر أمانًا بالنسبة للدولة العثمانية.
الأوضاع الإنسانية أثناء الحرب
الأوضاع الإنسانية الصعبة التي عاشها الأرمن أثناء النقل كانت نتيجة طبيعية للظروف القاسية للحرب العالمية الأولى، بما في ذلك نقص الغذاء والماء والأدوية، وهذه الأوضاع لم تكن مقصودة أو مدبرة، بل كانت نتيجة الحرب نفسها، وهي نفسها التي كانت تعيشها الكثير من شعوب العالم في تلك الفترة نتيجة الحرب العالمية الأولى.
استغلال القضية دوليًا
أرمينيا: الدولة الأرمينية الحديثة تعتمد بشكل كبير على هذه القضية لتعزيز هويتها الوطنية والحصول على دعم سياسي واقتصادي من الدول الغربية.
الولايات المتحدة وفرنسا: استغلت بعض الدول الغربية هذه القضية لتحقيق مصالح سياسية، مثل الضغط على تركيا في قضايا الشرق الأوسط والطاقة.
وتم استخدام مزاعم “الإبادة الجماعية” كأداة للضغط السياسي على تركيا يعكس المصالح الجيوسياسية لهذه الدول.
وعلى سبيل المثال، الولايات المتحدة استخدمت هذه القضية لتعزيز نفوذها في منطقة القوقاز وبحر قزوين، حيث توجد موارد طاقة استراتيجية.
كما أن بعض المنظمات الدولية، مثل اللوبي الأرمني في الولايات المتحدة، تعمل على ترويج هذه الرواية لتحقيق أهداف سياسية، وهذه المنظمات غالبًا ما تتجاهل الحقائق التاريخية وتقدم روايات مغلوطة لتحقيق أجندة معينة.
إن قضية ما يسمى “إبادة الأرمن” هي قضية معقدة تتطلب فهمًا عميقًا للسياق التاريخي والسياسي، فالأدلة التاريخية والوثائق الرسمية تشير إلى أن القرارات التي اتخذتها الدولة العثمانية كانت إجراءات أمنية في ظل ظروف الحرب، وليس محاولات إبادة عرقية كما يدعي الأرمن.
كما أن استغلال هذه القضية من قبل بعض الدول والمنظمات لتحقيق أجندات سياسية يعكس أهمية النظر إلى هذه المسألة من زاوية موضوعية بعيدًا عن التسييس.
ويؤكد مراقبون أنه يجب التعامل مع هذه القضية بحذر ووعي، مع التركيز على الحقائق التاريخية بدلاً من الروايات المغلوطة التي تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية خاصة ضد تركيا والدولة العثمانية وتاريخها.