
في ظل التغيرات الاجتماعية والثقافية المتسارعة التي يشهدها العالم في العقود الأخيرة، برزت قضية”الشذوذ الجنسي” كواحدة من أكثر القضايا إثارةً للجدل على المستويين المجتمعي والقيمي. فبينما يروجالبعض لها باعتبارها جزءاً من “الحرية الشخصية” و”حقوق الإنسان”، يراها آخرون ابتعاداً عن الفطرةالإنسانية، ويحذّرون من تداعياتها على الأسرة والمجتمع.
الفطرة الإنسانية تحت المجهر
وشهدت السنوات الماضية تصاعدا في حملات الدعوة إلى قبول العلاقات غير الطبيعية تحت مسميات مثل”الحقوق الجنسية” أو “التنوع الجنسي”، خصوصاً عبر المنصات الرقمية ووسائل الإعلام الغربية التي تسعى لنشر هذه الثقافة عالمياً.
لكن في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، التي تستند إلى ثوابت دينية وأعراف أسرية راسخة، تثير هذه الحملات ردود فعل متباينة بين القبول والرفض.
ناشطون شباب من عدة دول عربية أكدوا في مقابلات معهم أن هذه الظاهرة لا يمكن اعتبارها “تقدمًا” إذا كانت تهدد بنية المجتمع الأساسية، وهي الأسرة.
وفي هذا السياق، قال عمر لطفي بيضون، طالب جامعي ومتحدث في فريق “فطرتي” ومرشح لعضوية برلمان الشباب، إنه “حين تُشوَّه الفطرة تحت عناوين برّاقة كـ (الحرية)، يصبح من الضروري التوقف والتفكير، فليس كل ما يُروّج له اليوم يُعبّر عن تطور أو تحرر، بل قد يكون أحياناً انحداراً مقنّعاً نحو فوضى أخلاقية تهدد أهم ما نملك: كيان الأسرة”.
وأضاف في حديثه لـ “وكالة أنباء تركيا”، أن “الشذوذ الجنسي ليس مجرد خيار شخصي، بل اختلال يُربك التوازن الطبيعي بين الرجل والمرأة، ويزرع الخلط في مفاهيم الأبوة والأمومة، ويؤثر مباشرة في بناء الأجيال، فالمجتمع لا يُبنى على الأهواء، بل على قواعد راسخة تحترم كرامة الإنسان وحدود فطرته”.
وتابع “حين نعتقد أن التطبيع مع هذه الظواهر سيقود إلى التقدم، نتجاهل أن ما يُقوّي بنية المجتمعات ويحفظ كياناتها حقاً هو ترابطها الأسري وقيمها المتجذّرة، لا الخروج عنها، فليست القضية مسألة (تقبّل الآخر)، بل مسألة حماية لما تبقى من وعي جمعي وهوية أصيلة”.
التأثيرات السلبية على الفرد والمجتمع
وأشارت دراسات علمية إلى بعض الآثار السلبية المحتملة المرتبطة بالانحراف عن الفطرة الجنسية.
وأظهرت الكثير من الدراسات أن هناك ارتفاعاً في معدلات الاكتئاب واضطرابات الهوية لدى الأفراد الذين يمارسون سلوكيات تنافي الفطرة.
وتعتبر الغالبية العظمى من المؤسسات الدينية والعلمية في العالم الإسلامي، أن الزواج بين الرجل والمرأة هو السبيل الوحيد لتحقيق التوازن النفسي والاجتماعي.
من جانبه، قدّم محمود عادل المرعي، طالب جامعي وعضو مؤسسة “جذور للثقافة والفكر” ومتحدث في فريق “فطرتي”، تحليلاً يركز على الجوانب النفسية والاجتماعية للشذوذ الجنسي.
وقال المرعي في حديثه لـ “وكالة أنباء تركيا”، “يُعد الشذوذ الجنسي خروجاً عن الطبيعة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، فهو لا يمس فقط الجوانب الفردية، بل يترك آثاره العميقة والسلبية على الأسرة والمجتمع ككل”.
وأضاف أن “العلاقة السليمة بين الرجل والمرأة هي الأساس الذي تُبنى عليه الأسرة، ومن ثَم المجتمعات، وعندما يتم ترويج ممارسات تتنافى مع هذه القاعدة الفطرية، فإن ذلك يؤدي إلى تفكك اجتماعي، وخلل في منظومة القيم، وضعف في الهوية الثقافية والدينية.
وتابع قائلاً “أما من الناحية النفسية والاجتماعية، فقد أثبتت الدراسات أن نسبة كبيرة ممن اختاروا مجتمع الشذوذ (LGBTQ+) يواجهون حالات الاضطراب التي تصل بهم في كثير من الأحيان إلى تعاطي الأدوية المخدرة وإيذاء النفس”.
وزاد موضحاً أنه “وفقاً لتقرير مكتب الإحصاءات الوطنية في المملكة المتحدة، فإن معدلات الانتحار وإيذاءالنفس بين البالغين من مجتمع الشذوذ في إنجلترا وويلز تزيد بأكثر من الضعف مقارنة بنظرائهم من المغايرين جنسياً. وعلى سبيل المثال، بلغ معدل الانتحار بين أفراد مجتمع الشذوذ 50.3 لكل 100,000 شخص، مقارنة بـ 23.1 لكل 100,000 بين المغايرين جنسياً. وهذا ما أكده الصحفي الشهير David Batty بمقاله “Suicide and self-harm risk twice as high in LGB+ adults in England and Wales”على موقع The Guardian، لتُبرز هذه الإحصاءات مدى التأثير السلبيعلى عدم التكيّف وانسجام الفطرة السليمة التي وُلد الإنسان عليها مع هذا السلوك”.
وفي النهاية، أكد المرعي على أن “القبول التدريجي لمثل هذه الممارسات تحت شعار “الحرية” أو”الاختلاف” يشكّل تهديداً على الأجيال القادمة، من حيث طمس الفوارق الطبيعية والتشويش على مفاهيم الأخلاق والأسرة، وهو ما يتطلب منا كناشطين نهجاً شاملاً يركز على التوعية والمعالجة الصحيحة، لضمان مجتمع سليم وواعٍ مبني على الفطرة السليمة يحفظ النوع الإنساني”.
نحو وعي جمعي ومجتمع متماسك
في ضوء هذه التحليلات، يتضح أن قضية الشذوذ الجنسي تمثل تحدياً معقداً يتجاوز الخيارات الفردية ليطال أسس المجتمع واستقراره.
إن الترويج لهذه الظاهرة تحت عناوين الحرية والتعددية قد يؤدي إلى نتائج عكسية، كما تظهر الإحصاءات التي تشير إلى ارتفاع معدلات الاضطرابات النفسية والانتحار بين أفراد هذا المجتمع.
الأسرة.. الخطر الأكبر
ويعتبر الأسرة الركيزة الأساسية في كل نموذج مجتمعي مستقر، ولذلك فإن أي محاولة لإضعاف مفهوم الأسرة التقليدية تُنظر إليها الدول والمجتمعات المحافظة باعتبارها تهديداً وجودياً.
وتشير إحصائيات صادرة عن منظمة اليونيسكو عام 2022 إلى انخفاض معدلات الزواج الطبيعي فيب عض الدول الغربية بنسبة تصل إلى 20% بعد تشريع العلاقات المثلية، وهو ما يزيد من مخاوف الخبراء حول مستقبل الأسرة كوحدة اجتماعية بناءة.
إن دعوة الناشطين الشباب، مثل بيضون والمرعي، إلى العودة إلى الفطرة الإنسانية والحفاظ على القيم الأسرية ليست مجرد موقف تقليدي، بل هي رؤية استباقية تهدف إلى حماية المجتمعات من التفكك والفوضى الأخلاقية.
ويبقى السؤال: هل يمكن للمجتمعات الحديثة أن تجد توازناً بين احترام الفرد وحماية هويتها الجماعية؟ إنالإجابة تتطلب حواراً عميقاً وجهوداً مشتركة لتعزيز التوعية وبناء مجتمع متماسك يقوم على الفطرة السليمةوالقيم الراسخة.