
في ظل انتشار الخطابات والمحتوى الإعلامي الذي يروج لأفكار تتعارض مع القيم الدينية والاجتماعية في المجتمعات العربية والإسلامية، أصبحت حماية الأطفال من الشذوذ الجنسي أولوية ملحة.
يواجه الأطفال اليوم تحديات معقدة بسبب سهولة الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، مما يزيد من مخاطر تعرضهم لمحتوى مضلل قد يؤثر على هويتهم النفسية والأخلاقية.
يتطلب هذا الواقع استراتيجية شاملة تجمع بين التوعية المبكرة، الوسائل التعليمية الهادفة، والتعاون المجتمعي لضمان حماية الأطفال وبناء شخصياتهم على أسس سليمة.
تُعد التوعية المبكرة حجر الأساس في حماية الأطفال من الشذوذ الجنسي والمفاهيم المغلوطة المرتبطة به.
ووفق أستاذ الشريعة الإسلامية، الشيخ فرج اللوز، “يجب على الأسرة والمجتمع الوقوف صفًا واحدًا لمواجهة هذه الكارثة التي تهدد الأطفال بسبب فضولهم الطبيعي وسهولة وصولهم إلى المحتوى الإلكتروني.
وأكد اللوز في حديثه لـ “وكالة أنباء تركيا”، على دور الأبوين في مراقبة استخدام الأطفال للأجهزة الذكية وتوجيههم نحو القيم الإسلامية من خلال ربطهم بالمسجد وحلقات القرآن، التي تُعد درعًا وقائيًا من “الفتن” بفضل الصحبة الصالحة والدعاء المستمر، حسب تعبيره.
من ناحية نفسية، يشدد الخبير النفسي، الدكتور باسل نمرة في حديثه لـ “وكالة أنباء تركيا”، على أهمية بناء وعي صحي لدى الأطفال حول العلاقات الطبيعية بين الجنسين منذ الصغر.
وحسب نمرة، فإن “تعليم الطفل أن العلاقة الشرعية بين الرجل والمرأة هي الوحيدة الطبيعية والمقبولة يساعد في تشكيل هويتهم النفسية بشكل سليم، وهذا النهج يتطلب تقديم المعلومات بأسلوب يناسب عمر الطفل، مع التركيز على تمييز الطبيعي من غير الطبيعي، مما يعزز رفضهم لأي انحرافات”.
بحث حديث من موقع “ابنك كنزك” (2025) يدعم هذا التوجه، مشيرًا إلى ضرورة تعليم الأطفال مفاهيم الخصوصية وحدود الجسد منذ سن مبكرة بأسلوب تربوي إسلامي.
كما يُوصي الموقع باستخدام قصص مصورة وحوارات بسيطة لتوضيح هذه المفاهيم بطريقة تناسب المراحل العمرية المختلفة.
الأسرة هي الخط الأول للدفاع، إذ يقول الشيخ اللوز إن “على الآباء والأمهات مسؤولية النصح والتوجيه ومراقبة الأجهزة الإلكترونية للأطفال، وهذا يتطلب حوارًا مفتوحًا مع الأطفال لتعزيز الثقة وتعليمهم القيم الأخلاقية”.
دراسة من موقع “دليل الطفل المسلم” (2007) أظهرت أن الأمهات ذوات المستوى التعليمي الأعلى يمتلكن وعيًا أكبر بقضايا التربية الجنسية، مما يساعدهن على حماية أطفالهن بشكل أفضل.
سارة عزيز، عضو المجلس القومي للطفولة والأمومة، أكدت في تصريح لموقع “الدستور” (2025) أن التوعية الأسرية يجب أن تكون سلسة وغير عنيفة، مع التركيز على تعريف الطفل بمفهوم الأمان.
وهذا يعني تعليم الأطفال الفرق بين اللمسات الآمنة وغير الآمنة، وتشجيعهم على الإبلاغ عن أي سلوك غير مريح.
يؤكد الدكتور نمرة على “استخدام وسائل تعليمية مثل الألعاب التفاعلية وأفلام الكرتون ذات الأسس التربوية لنقل المفاهيم الصحيحة، وهذه الوسائل تساعد في بناء شخصية الطفل النفسية وتعزز رفضه للشذوذ الجنسي كحالة غير طبيعية، وعلى سبيل المثال، يمكن تصميم ألعاب تعليمية تعزز فكرة العلاقات الشرعية وتحترم القيم الدينية”.
موقع “يونيسف مصر” يوصي بتعليم الأطفال الأسماء الحقيقية لأجزاء الجسم وتأكيد أن الجسد ملك لهم وحدهم، مما يعزز شعورهم بالثقة والسيطرة.
ومع ذلك، يجب أن تكون هذه الوسائل حساسة ثقافيًا ومتوافقة مع القيم الإسلامية لتجنب أي تعارض مع المعتقدات المحلية.
ويشير الشيخ اللوز إلى أهمية دور المدرسة في التحذير والتعليم، فالمعلمون والإداريون يتحملون مسؤولية مراقبة سلوكيات الطلاب وتوجيههم، وفق تعبيره.
أما على المستوى المجتمعي، يدعو اللوز إلى ربط الأطفال بالمساجد وحلقات القرآن لتعزيز القيم الإسلامية، فهذا النهج يوازن بين التعليم الديني والنفسي، مما يساعد في بناء جيل واعٍ ومحصن ضد الأفكار المنحرفة.
ومع انتشار المحتوى الإعلامي الذي يروج للشذوذ الجنسي، كما أشار تقرير “الدستور” (2024)، يجب على الآباء مراقبة الألعاب الإلكترونية، الأفلام، والتطبيقات التي يستخدمها الأطفال، في حين ينصح مركز الأزهر للفتوى، بمتابعة الأنشطة الواقعية والإلكترونية للأطفال لتحصينهم من هذه الأفكار.
ورغم أهمية هذه الاستراتيجيات، تواجه تطبيقها تحديات عديدة: أولاً، قد يواجه الأهل صعوبة في مناقشة مواضيع حساسة مع الأطفال بسبب الحرج أو قلة المعرفة.
ثانيًا، يتطلب تطوير وسائل تعليمية متوافقة مع القيم الإسلامية جهودًا كبيرة لضمان جودتها وجاذبيتها مقارنة بالمحتوى الإعلامي العالمي.
ثالثًا، غياب برامج توعية موحدة في المدارس يحد من فعالية الجهود المجتمعية.
وأخيرًا، يجب التوازن بين التوعية والحفاظ على براءة الطفولة، حيث قد تؤدي المعلومات المبكرة جدًا إلى إرباك الأطفال إذا لم تُقدَّم بشكل مناسب.
توصيات
- تطوير برامج توعية مدرسية: دمج التوعية الجنسية ضمن المناهج بأسلوب يحترم القيم الدينية والثقافية.
- إنتاج وسائل تعليمية جذابة: تصميم ألعاب وأفلام كرتونية تعزز القيم الإسلامية بطريقة ممتعة.
- تدريب الآباء والمعلمين: عقد ورش عمل لتزويدهم بالمهارات اللازمة لمناقشة هذه المواضيع بثقة.
- تعزيز الرقابة الإلكترونية: تطوير أدوات رقابة أبوية فعالة وسهلة الاستخدام.
ووسط كل ذلك، يرى مراقبون أن حماية الأطفال من الشذوذ الجنسي تتطلب استراتيجية شاملة تجمع بين التوعية الأسرية، الوسائل التعليمية الهادفة، ودور المدرسة والمجتمع.
ومن خلال الجمع بين التوجيه الديني، كما دعا الشيخ اللوز، والنهج النفسي السليم، كما أوضح الدكتور نمرة، يمكن بناء جيل واعٍ ومحصن ضد التحديات الأخلاقية.
ومع ذلك، يجب معالجة التحديات العملية والثقافية لضمان نجاح هذه الجهود.