مدونات TR

تركيا نهضة الاقتصاد الإسلامي القادمة (1)

الجميع يدرك ابتداءً من المسلمين وانتهاءً بغير المسلمين أهمية المعاملات الأخلاقية، فالدين المعاملة، ولعل فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان من الأوائل الذين أشاروا لذلك في مناسبات مختلفة، فيدعو  ليس تركيا فقط، بل العالم أجمع إلى تقرير المشاركة في الربح والخسارة بديلاً عن سعر الفائدة الذي يعتبره أداة استغلال (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، هذه الآية الكريمة تدلل وبشكل قاطع على تحريم الدين الإسلامي للربا، لذلك نحن في هذه السلسلة ان شاء الله نحاول ان نسلط الضوء على معالم الاقتصاد الإسلامي.

فهل يمكن لإسطنبول أن تنال شرف ريادتها للاقتصاد الإسلامي وخاصة أن هنالك العديد من العواصم والمدن التي تبنت تلك الرؤية ابتداءً بكوالالمبور مروراً بالمنامة ولندن ودبي، وهل لدي إسطنبول المقدرات التي تمكنها من تحقيق تلك الريادة؟

اختلفنا او اتفقنا، فإن الاقتصاد الإسلامي يمثل نسبة لا يستهان بها من الاقتصاد العالمي وإن هناك توجهاً في الآونة الأخيرة من العديد من الدول الإسلامية وغير الإسلامية لتحقيق سبق في ريادة الاقتصاد والتمويل الإسلامي، توافرت لبعضها مقومات طبيعية، ووفرت بعضها عبر سياساتها عوامل جذب حقيقية لجذب المدخرات والاستثمارات والخبرات والمهتمين بتحقيق الاقتصاد الأخلاقي الإسلامي

نقطة ضوء:

إن تسليط الضوء على محاور واتجاهات الاقتصاد الإسلامي يمحو الكثير من مخاوف الغرب ويسهل التفاعل العالمي مع قطاعات هذا الاقتصاد نظراً لما يتمتع به الإسلام من قدر كبير من التسامح والتعايش والذي يظهر جلياً في طريقة الحياة التي تعيشها.

إن تفهم مقومات وآليات عمل الاقتصاد الإسلامي بكافة قطاعاته يساهم كثيراً في حل مشكلات الاقتصاد العالمي بشكل عام، خاصة إذا تكاملت وتقاطعت تلك القطاعات في بيئة العمل الجاذبة من خلال توفير وإيجاد قواعد قانونية حاكمة من شأنها أن تمنح المستثمرين والجهات والمؤسسات المالية الثقة بوجود الجهة التي تفصل بينهم وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.

تركيا بشكل عام ومدينة إسطنبول بشكل خاص هي الأفضل لريادة قطاع الاقتصاد الإسلامي على مستوى العالم لأنها لا تملك فقط المقومات التي تمكنّها من اقتناص الفرص الكبيرة في الاقتصاد الإسلامي، وذلك بالرغم من الإسلاموفوبيا التي بدأت تنتشر في الغرب مؤخرا، بل إن تركيا كانت وستبقى دائماً واحةً للتسامح والتعايش الإنساني السلمي بين كافة شعوب الأرض، فتركيا تعد أنموذجا متفردا في التعايش الديني والعرقي واللغوي، ولعل ذلك يعتبر من أرث الدولة العثمانية التي امتدت لأكثر من 600 عام (1299 حتى 1923) كإمبراطورية ممتدة من شمال إفريقيا حتى يوغسلافيا والمجر، وكانت تشهد تعايشًا بين أكثر من 20 ديانة.

 

مقومات التفوق

اولاً العوامل الخارجية

التوجه للاقتصاد الإسلامي (الأخلاقي)

إكتسب الاقتصاد الإسلامي أهمية خاصة في العالم في أعقاب الأزمة المالية العالمية الأخيرة، وهنالك عدة أسباب لذلك، أهمها الأزمة العالمية التي عصفت بالاقتصاد العالمي قبل نحو 10 أعوام وما تبع ذلك من تحليل مالي واقتصادي في كثير من العواصم الغربية التي جاءت خلاصتها أن النظام الرأسمالي بشكله الحالي هو أحد أهم أسباب الأزمة إن لم يكن هو السبب الرئيسي فيها، ودعا حينها الكثير من أقطاب السياسة والاقتصاد في العالم الغربي إلى ضرورة النظر والإمعان في تجربة الاقتصاد الإسلامي ومقارنة أوضاع المصارف الإسلامية أثناء الأزمة العالمية بنظيراتها من البنوك التقليدي (مثال لأحد قطاعات الاقتصاد بشكل عام وليس على سبيل الحصر وكذا الحال ينطبق على القطاعات الاقتصادية الأخرى كالغذاء الحلال والفنون والسياحة وما إلى غير ذلك).

ذكرت الباحثة الإيطالية “لورينا نابليوني” في كتابها “إقتصاد ابن آوى” أن “الاقتصاد الإسلامي سيلعب دوراً هاماً في إنقاذ الاقتصاد الغربي”، واقترحت الباحثة عدة بنود للتعاطي مع الأزمات المالية على مستوى العالم، وجاء في مقدمة تلك المقترحات “تخفيض نسبة الفائدة إلى الصفر”، وهو ما يتطابق تماماً مع إلغاء الربا في النظام المالي الإسلامي.

العامل الديموغرافي:

يلعب عدد المسلمين دوراً هاماً في انتشار الاقتصاد الإسلامي، حيث يقدر عدد سكان العالم الإسلامي حالياً بحوالي 1.7 مليار نسمة والمتوقع أن يصل إلى 2.2 مليار نسمة في العام 2030، وذلك وفقاً لدراسة أعدها مركز “بيو” للدين والحياة العامة.

وبالتالي نلحظ أن المسلمين يمثلون نحو ربع سكان العالم، ويبلغ انفاقهم على القطاعات المعيشية نحو 2 تريليون دولار أمريكي حسب تقديرات العام 2016، وهو ما يمثل قوة اقتصادية كبيرة.

هذا الوضع يجعل العالم الإسلامي رافدا مهما لقطاع المال والأعمال في العالم ككل، وهذا مؤداه المزيد من التعامل مع الغرب الذي يتطلع إلى عالمنا الإسلامي باعتباره مصدراً كبيراً لقطاع الأعمال لديهم، فالدراسات التي لديهم والتي أجبرت الكثير من العواصم الغربية إلى التداعي والمناداة لجعل مدنهم عواصم للاقتصاد الإسلامي وفي مقدمتها لندن وباريس تقول إن 18% من المسلمين البالغين لديهم حسابات مصرفية.

ويرى الكثير من المحللين الماليين أن هذه النسبة تعتبر من أقل النسب مقارنة بغيرها من الدول غير الإسلامية لمن يملكون حسابات مصرفية في العالم ويرجعون تدني هذه النسبة في دول العالم الإسلامي إلى المعتقدات الدينية،  ويقرر البنك الدولي أن تطوير منتجات مالية متوافقة مع التربية الإسلامية من شأنه أن يؤدي إلى زيادة هذه النسبة بواقع 10% عما هو موجود حالياً من المتعاملين مع القطاع المصرفي.

الدكتور محمود عبد العال

باحث في الاقتصاد الإسلامي
زر الذهاب إلى الأعلى