“من يفوز بإسطنبول يفوز بالانتخابات المقبلة”، بهذه الكلمات أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من مدينة إسطنبول عن البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات المبكرة التي ستشهدها تركيا في 24 حزيران/يونيو المقبل.
وتكتسب مدينة إسطنبول أهمية كبيرة بالنسبة لأردوغان ولجميع الأحزاب التركية الأخرى، إلا أن الرئيس التركي يوليها أهمية خاصة، في حين أن مراقبين ومتابعين للشأن التركي شبهوا إسطنبول بـ”طفلة أردوغان المدللة”.
محللون سياسيون وصحفيون أتراك تحدثوا لـ”أنباء تركيا” حول العلاقة الوثيقة بين مدينة إسطنبول وأردوغان، ليؤكد الجميع أن لتلك المدينة خصوصيتها بالنسبة للرئيس التركي ولحزب العدالة والتنمية “خاصة وأنها تركيا المُصغرة”.
إسطنبول.. تركيا المصّغرة
المحلل السياسي محمود عثمان، قال إن “لتلك المدينة خصوصية واضحة”، واصفا إياها بأنها “تركيا المصغرة والعاصمة الاقتصادية والتاريخية والسياحية، كما أنها تشكل أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا، فالأتراك يقولون عنها: حجراتها وترابها يساوي الذهب”.
وأضاف عثمان أنه “باستقراء جميع الاستحقاقات الانتخابية السابقة التي شهدتها تركيا، فإن ما تقوله إسطنبول هو شيء مصغر عما تقوله جميع المدن التركية الأخرى”.
ولفت المحلل السياسي إلى أن “مدينة إسطنبول هي المُعبّر إلى حد كبير عن توجهات الشعب التركي، وهذا طبيعي لأنك ترى في إسطنبول جميع المكونات التركية وجميع التوزعات الجغرافية والمذهبية والاثنية والعرقية، وكل ما هو موجود في تركيا هو موجود في إسطنبول”.
بداية المشوار السياسي يبدأ من إسطنبول:
وتابع عثمان حديثه عن أهمية تلك المدينة بالنسبة لأردوغان، قائلًا إن “إسطنبول تعني للرئيس أردوغان الكثير، فمشواره السياسي الفعلي بدء منها وفيها، عندما انتخب رئيسا لبلديتها، ومن هناك وضع مشروعه السياسي ورؤيته السياسية قيد التنفيذ والتطبيق، ومن هناك بدأت نجاحاته واحتكاكه العملي بالشعب، وكان لصيقا بالشعب ويعيش معاناته ويرى بأم عينيه ويسمع بأذنيه تطلعات هذا الشعب، وبالتالي أسس فيها رؤيته السياسة العملية”.
وأضاف أنه “على الرغم من أن الرئيس أردوغان كان سياسيًا منذ نعومة أظافره ويمارس السياسة بوتيرة عالية، إلا أن التطبيق الفعلي لرؤيته السياسية بدأ منذ أن أصبح رئيسًا لبلدية إسطنبول، ومن تلك المدينة بدأت نجاحاته وتألقه السياسي”.
وأشار عثمان إلى أنه “يضاف إلى ذلك أنه حافظ على نفس فريقه الذي رافقه حتى اليوم ولم يتخل عن أحد منهم ولم يفرط بأي أحد منهم، وأثبت هذا الفريق ومنهم رئيس الوزراء الحالي بن علي يلدريم أنهم ناجحون ومتماسكون ومتعاونون وأوفياء لبعضه البعض”.
إسطنبول.. قلب تركيا النابض:
شهدت مدينة إسطنبول، كما كل تركيا، في نيسان/أبريل 2017 استفتاء على تعديلات دستورية، إلا أن نتائج الاستفتاء فيها شكلت صدمةً كبيرة بالنسبة للرئيس أردوغان ولحزب العدالة والتنمية، إذ أن نسبة التأييد للتعديلات لم تتجاوز 50%.
ورأى عثمان أنه “على حزب العدالة والتنمية أن يولي مدينة إسطنبول أهمية خاصة، وأن يكسب ما فقده فيها، خاصة وأنها وقفت إلى جانب ابنها البار رجب طيب اردوغان، ووقفت معه أيضا إبّان المحاولة الانقلابية الفاشلة، فقد لجأ إليها واحتمى بها فوقفت خلفه وقفةً منيعة، وخرج الناس فيها للميادين والساحات وحموها من عدوان الانقلابين”.
ووصف عثمان مدينة إسطنبول بأنها “قلب تركيا النابض”، مشيرا إلى أنه “من يريد أن يحكم تركيا عليه أولًا أن يكسب قلب وود إسطنبول، وهذه حقيقة لا يماري فيها أحد”.
واعتبر أنه “على الرئيس أردوغان أن يولي تلك المدينة أهمية كبيرة خاصة بعد التراجع الطفيف الذي عاشه حزبه في الاستحقاق الأخير (الاستفتاء)، وأن عليه أن يولي فئة الشباب والنساء أهمية كبيرة أيضًا”.
وتابع أنه “لدى حزب العدالة رصيد ضخم من الإنجازات في عموم تركيا وإسطنبول خصوصًا، ولابد من التقرب من المواطن العادي وشرح هذه الإنجازات وكسب الشباب تحديدًا، فكبار السن لديهم رصيد من الذكريات السيئة مع معطيات الماضي ويدركون ما كان عليه الحال قبل تولي حزب العدالة مقاليد السلطة وما بعدها”.
ولفت إلى أنه “أما الشباب ممن هم من الفئة العمرية ما بين 18 و25 عامًا فهم لا يتذكرون أيّا من هذه السلبيات والمشاكل التي كان يعاني منها المواطن، وبالتالي يجب شرح هذه الإنجازات وشرح ما كان عليه الوضع في الماضي وقابلية الانتكاسة اذا استلم السلطة في تركيا من هم ليسوا أهلا لها”.
من يفوز في إسطنبول يفوز في تركيا:
من جهته تحدث المحلل السياسي التركي إسماعيل كايا، بالأرقام عن الثقل الذي تشكله مدينة إسطنبول، مبينًا أنها “مدينة تعتبر مركز الثقل الانتخابي في تركيا، إذ يعيش فيها بحسب الاحصائيات الرسمية قرابة 15 مليونا ونصف مليون نسمة من أصل 81 مليون مواطن تركي”.
وأضاف كايا أن “قرابة 20% من أصل 51 مليون ناخب يعيشون في إسطنبول، وبالتالي إسطنبول هي الثقل الانتخابي الأول والمركزي في تركيا، كما أنه سيكون لها 98 مقعد برلماني من أصل 600 مقعد في الانتخابات المقبلة وبالتالي نتحدث عن سدس مقاعد البرلمان هي لمدينة إسطنبول”.
ولفت إلى أن “إسطنبول تتمتع بتركيبة تجعل منها تركيا صغيرة، وهو ما يُجمع عليه السياسيون الأتراك، فهي تضم جميع أطياف الشعب التركي من مختلف الولايات الأخرى، كما أن نتيجتها تعتبر نموذجا مصغرا للنتيجة العامة في تركيا، ولهذا السبب يؤكد الرئيس التركي دائمًا أنه من يفوز في إسطنبول يفوز في تركيا بشكل عام”.
مشاريع اقتصادية وتركيبة سكانية متنوعة:
أما الصحفي التركي هشام جوناي، فلم تختلف وجهة نظره عما تحدث به عثمان وكايا.
وقال جوناي إن “الرئيس أردوغان يعول كثيرًا على إسطنبول كونه كان رئيسًا لبلديتها وكانت نقطة انطلاقته السياسية منذ العام 1994″، مشيرًا إلى أن “كبرى المشاريع التركية التي تأخذ حيزًا كبيرًا في الإعلام تنطلق من إسطنبول، ومن أبرزها مشروع قناة إسطنبول التي ستجعل الجزء الأوروبي من هذه المدينة جزيرة، وهو مشروع من أكبر المشاريع التي يعول عليها أردوغان وحزب العدالة والتنمية في حملتهم الانتخابية المقبلة”.
وأضاف جوناي أن “ما يميز إسطنبول تركيبتها السكانية المتنوعة والمتشكلة من المهاجرين القادمين إليها من كافة المدن التركية بحثًا عن فرص العمل، كونها مدينة عامرة تضم العديد من المشاريع تفوق أي مدينة تركية أخرى”.
منارةٌ عالمية:
من جانبه وصف عبد الحميد طحان، مدير “مكتب العلاقات التركية ـ السورية” السابق في ولاية هاتاي جنوب شرقي تركيا، مدينة إسطنبول بأنها “منارة الحضارة التركية عالميًا، عدى عن أنها المدينة التي انطلق منها الطيب أردوغان بداية من رئاسة البلدية الكبرى وبعدها إلى الحكومة ومن ثم إلى رئاسة الجمهورية”.