مدونات TR

الاستحقاق التركي الأكبر… ضرورة استراتيجية

مرّ يوم 24 حزيران/يونيو الماضي على تركيا بقلق مشوب بأمل كبير، كان الترقب سيد الحال في ذلك اليوم، فالناس تنتظر أن يجتاز رجب طيب أردوغان جولة المنافسة على منصب رئيس الجمهورية من الجولة الأولى، وأن يحصل حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه على أكثرية نيابية مقبولة تتجاوز 50% من مقاعد البرلمان البالغ عددها 600 مقعد.

وقد استطاع الرئيس رجب طيب أردوغان حسم المنافسة من الجولة الأولى بعد أن نال ما نسبته 52.58% من أصوات جميع المصوتين، وحصل تحالفه على 344 مقعداً من مجموع المقاعد.

هذه النتائج تكشف خيار الشعب التركي بمتابعة مسيرة التنمية وتطوير البلاد على قاعدة مؤشرات نمو متقدمة، ولكن ثمة 5 سنوات قادمة أمام حكم العدالة والتنمية وحلفائه لتنفيذ برنامج التنمية الطموحة الذي وُضعَ للتنفيذ.

هذا البرنامج الذي يخُططُ له بنقل تركيا الحالية من ترتيبها السادس عشر إلى ترتيب ضمن مجموعة الدول العشرة الأكثر تطوراً اقتصادياً في العالم.

هذه السنوات الخمسة تحتاج مراجعة نقدية صارمة لما قبلها من عمل وتطوير وتنمية، فلا أحد يتقدم إلى الأمام دون هذه المراجعة واكتشاف مواقع الخلل في التجربة وضرورة التصويب اللازم لعثراتها، وباعتقادي كمراقب حيادي يهتم لشأن التجربة التركية، أن تلجأ قيادة حزب العدالة والتنمية إلى إجراء هذه المراجعة النقدية، بحيث يتمّ تقديم الكفاءات العلمية والفكرية والإبداعية والإدارية الوطنية على حساب الكفاءات الأقل كفاءةً ذات الصبغة السياسية والأيديولوجية القريبة أو المنتمية لحزب العدالة والتنمية، فالبناء العظيم يحتاج إلى جهود كل أبناء الأمة الخيرين.

إن المراجعة النقدية الصارمة تستوجب أيضاً معرفة الخلل بتراجع نسبة التصويت لمرشحي حزب العدالة والتنمية الذين خاضوا الانتخابات الأخيرة مقارنة بما سبقها من انتخابات في دورات سابقة، ومعرفة السبب الحقيقي لهذا التراجع، ومعرفة أين يكمن الخلل، سواءً كان الخلل إدارياً أو سياسياً أو غير ذلك.

الشعب التركي ينتظر تطويراً جاداً لحياته الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية وغيرها، وهذا التطوير يحتاج إلى ترسيخ بنى ثقافية وطنية متينة، أي مؤسسات متجذرة في حياة المجتمع ومتجددة الأداء، وترسيخ أساليب عمل سياسي واجتماعي واقتصادي أكثر دقة، أساليب تؤمن بتركيا المتطورة العادلة الديمقراطية، هذا التطوير ومراقبة اتجاهاته يدخل في صلب عملية التنمية الشاملة، التي صوّت لها بالإيجاب الشعب التركي عبر اختياره للرئيس أردوغان وحزب العدالة وحلفه السياسي لقيادة البلاد خلال خمس السنوات القادمة.

إن تطوير الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية في تركيا سيعزّز من فرص المنافسة الوطنية العميقة على برامج أكثر جذرية بإحياء عظمة الدولة التركية التي يعمل الغرب بكل تلويناته السياسية على الحدّ من تطورها وتجذرها.

هذا التطوير لا ينبغي له نسيان أهمية الصراعات الجارية في الإقليم وأثرها عليه، هذه الصراعات تنتظر دوراً تركياً رائداً، يساعد في نقل هذه البلدان من حالة الصراعات الدامية إلى عتبات الاستقرار والسلام والعمل من أجل إعادة بناء الإنسان والبلاد.

إن وضع هذه الصراعات ضمن أجندة مستقبل تركيا المتطور يعني النجاح في منع زحف التهديدات إلى التجربة والاستقرار التركيين وهذا ما تعيه قيادة البلاد وتعي معه ضرورة تشكيل كتلة عمل تاريخية سيكون لها دور في رسم ملامح العالم الجديد.

الكتلة التاريخية المتشكلة من نخب وكوادر شعوب المنطقة التي يجمعها هم تطوير ومناعة واستقلال بلدانها أعتقد أنها ضرورة يمكن العمل عليها بعيداً عن نطاق الإيديولوجيا السياسية الضيقة، هذا الدور التركي، نعتقد أن فعاليته تتقدم، ومع تقدمها تتضاءل فرص القوى المعادية للمنطقة وشعوبها.

إن نجاح التجربة في تركيا وحدها لا يكفي لسلامة تطورها اللاحق، وإنما تحتاج التجربة التركية إلى محيط إقليمي آمن يعمّه السلام ويتكامل مع التجربة التركية بدون أوهام.

أسامة محمود آغي

أديب وإعلامي سوري
زر الذهاب إلى الأعلى