مدونات TRمميز

حمزة تكين يكتب: آخر “زيارة” لإبليس

الحمد لله رب العالمين الذي أكرمنا، اليوم الجمعة، بإنهاء كافة مناسك الحج، غير متعجلين… أنهينا أداء مناسك الركن الخامس في الإسلام ملبين مع الملايين من الذين أتوا من كل فج عميق محرمين لله تعالى، لا تفرقهم ألوان ولا لغات ولا قوميات وأعراق ولا عادات ولا تقاليد.

وكما أن الصلاة عبادة يومية، وهي حافذ إيجابي يومي، وكما أن صلاة الجمعة عبادة أسبوعية، وهي حافذ إيجابي أسبوعي، وكما أن شهر رمضان عبادة سنوية، وهي حافذ إيجابي سنوي، فإن الحج عبادة العمر، وهي حافذ إيجابي تمد العمر كله إن تمت بشكل صحيح.

أنهينا مناسكنا بـ”زيارة أخيرة لإبليس”، بعد “زيارتين” اثنتين في أول وثاني أيام التشريق.

مصطلح “ذاهب لزيارة إبليس ورجمه”، كثير ما تتردد على ألسنة الحججا هنا في مشعر منى، علما أن الأصح قول “رمي الجمرات”، أي الرجم المعنوي لإبليس الذي يؤذيه امتثال المؤمنين وطاعتهم لله تعالى.

“زيارتنا” اليوم أيضا في ثالث أيام التشريق، كانت “زيارة” رجم لا “زيارة” ود، ولكن هل يكفي أن نرجم تلك الجمرات الثلاثة في مشعر منى مدعين أننا زرناه ورجمناه وتبرأنا منه ومن منهجه؟!

قبل أن تقوم الأمة برجم إبليس، ذاك الرجم الحسي في منى ـ مع أهميته ومشروعيته ـ عليها أن تقوم بالرجم الحقيقي له ولمنهجه وطريقه، وذلك بترك كل الأمراض القلبية الإبليسية.

أول تلك الأمراض: الكبر والغرور، قال تعالى “قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ”، وقد ظهر كبر إبليس بصورة أوضح عندما رفض أيضا العودة عن خطئه والمبادرة بالاستغفار والإنابة لربه.

فهل تركنا الكبر والتكبر والغرور في منهج حيتنا، وهل فعلا نعيش حالة تواضع مع البشر عامة والمؤمنين خاصة، وهل فعلا نحن على استعداد للعودة عن أي خطأ قد نقع فيه دون أن نشعر بحرج من ذلك بسبب الكبر والتكبر؟!

إن كنا كذلك فنحن فعلا ممن يرجمون إبليس رجما حقيقيا يؤذيه أكثر من الرجم الحجري.

ثاني تلك الأمراض: الحسد قال تعالى على لسان إبليس “قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ”، هنا أظهر إبليس حسده وحقده على بني آدم، واستتبع تكبره برفضه دخول جهنم وحيدا فقرر العمل على إغواء البشر كي يتبعوه فيدخلوا معه جنهم.

فهل نحن ممن لا ينتهجون هذا النهج القلبي الإبليسي، وبدل أن نحسد الآخرين على ما بهم من نعم وخير ورزق وغير ذلك، ندعو الله لهم بدوام ذلك دون أن نتمنى لهم الشر والضرر وزوال النعم؟!

وبدل أن نحسد الآخرين على ما بهم من خير، فلنعمل بجد وصدق نية كي يكرمنا الله تعالى بما أكرم غيرنا، لا أن ننتهج منهج إبليس.

إن كنا كذلك فنحن فعلا ممن يرجمون إبليس رجما حقيقيا يؤذيه أكثر من الرجم الحجري.

ثالث تلك الأمراض: إساءة الأدب مع الله، قال تعالى على لسان إبليس “قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ”، مجددا يصر إبليس على معصيته مسيئا الأدب مع رب العالمين، وبدل أن يعود عن معصيته ويخضع لله تعالى وإرادته إذ به يتحدى الله ويقلل أدبه معه.

فهل نحن نسير في طريق الأدب مع الله تعالى، نعظم شعائر بدل أن نستهزئ بها، نقدس آياته وأحكامه وشرعه بدل أن “نتفزلك” على الشارع والشريعة، محاولين نسف لب الشرع وأصله تحت حجة “الحداثة وتطوير الدين”؟!

أدب يا هو.. أدب يا هو

إن كنا كذلك فنحن فعلا ممن يرجمون إبليس رجما حقيقيا يؤذيه أكثر من الرجم الحجري.

رابع تلك الأمراض: عدم طاعة الله، قال تعالى “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا”، فإبليس رفض طاعة من خلقه أصلا بسبب الأمراض التي ذكرناها سابقا.

إن من طاعة الله والأدب معه سبحانه وتعالى الانصياع لأوامره وتطبيق شرعه، لا التراخي في هذا الأمر، والاعتراض عليه تحت حجج واهية عنوانها “لم أقتنع ولا أرى هذا من المنطق وإن الله لا يريد تعذيب خلقه بمثل هذه التشريعات”!

إن كنا كذلك فنحن فعلا ممن يرجمون إبليس رجما حقيقيا يؤذيه أكثر من الرجم الحجري.

خامس تلك الأمراض: التراخي في التوبة واستمراء المعاصي، قال تعالى “إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا”، إبليس استكبر واغتر وحسد وأساء الأدب ثم استمرأ ذلك ورفض التوبة، فكان عقابه ما كان وما سيكون.

فمن كان منا لا يريد أن تكون عاقبته كعاقبة إبليس، فعليه أن يدرك حقيقة التوبة وأن يبادر إليها عند الوقوع بأي معصية، لا أن يتراخى فيها ويستمرئ المعاصي تحت حجج إبليسية.

من أراد أن لا يكون على طريق إبليس، عليه بالتوبة فورا عند الوقوع بأي معصية مهما صغرت أو كبرت.. ومن منا لا يقع!

إن كنا كذلك فنحن فعلا ممن يرجمون إبليس رجما حقيقيا يؤذيه أكثر من الرجم الحجري.

إذن حين نرمي الجمرات فإننا نقف موقف صدق، وبالتالي علينا وعلى كل من تابعنا من بعيد أن لا نعود بعد الحج كما كنا في السابق من تقصير ومخالفات، وإلا حينها من الذي رجم الآخر؟!

نحن رجمنا إبليس بترك طريقه ومنهجه ومداواة قلوبنا وأنفسنا من أمراضه، أم أن إبليس هو الذي رجمنا بإصرارنا على البقاء في طريق الخطأ والأمراض والشهوات والتفاهات والسخافات؟!

يقول الله تعالى “إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ”.

نحن وأنتم أنهينا اليوم “زيارتنا” الأخيرة لإبليس… فمتى سنضع حدا لزيارة إبليس إلى قلوبنا وأنفسنا.. ومتى ستكون زيارته الأخيرة لنا؟!

زر الذهاب إلى الأعلى