بعد 6 أعوام على وقوعها.. مصير مجهول لآلاف المفقودين بمذبحة رابعة
مشاهد مرعبة يرويها شهود عايشوا المذبحة التي صنفت كأبشع مذبحة في تاريخ العالم الحديث
“أن تستيقظ فجراً على جرافة تدهس أصحابك.. وعربة مصفحة تطلق النار على صديقك.. عناصر مسلحون بالخوف من مدنيين عزل يطلقون رصاص قناصتهم على مئات المعتصمين السلميين.. وعناصر آخرون يحرقون الخيم يركلون الشيوخ يعتدون النساء يضربون على الأطفال.. هذه مشاهد قليلة من فضائع ارتكبت خلال فض اعتصام ميداني رابعة والنهضة”.
بغصة وصعوبة في الحديث، بدأ عبد الله المصري (28 عامًا) أحد شهود العيان على مذبحة رابعة، حديثه عن المجزرة المروعة التي نفذتها قوات الانقلاب العسكري في مصر قبل 6 سنوات، وهذ من الذكريات التي لا تزال عالقة بذاكرة المصريين كأحد أبرز الأحداث التي هزت مصر العالم.
المصري قال لـ”وكالة أنباء تركيا” إن “قوات الانقلاب العسكري بدأت فجر 14 آب/أغسطس 2013 بأكبر عملية وحشية شهدها تاريخ مصر الحديث والعالم، قتل وقنص ودهس وحرق دون مراعاة لوجود النساء والأطفال والشيوخ في الميدان بالتزامن مع فض اعتصام النهضة بذات الطريقة والأسلوب”.
وأضاف “اليوم بعد 6 أعوام من المجزرة وفقدان ومقتل الآلاف المصريين، لا يزال العالم صامتاً، بل ومتواطئ مع المجرم في خرق لكل القيم الإنسانية والأخلاقية”.
ورغم أن “الحادثة والتي توصف بالمذبحة أساساً، حركت ضمير المجتمع الدولي ووجهت انتقادات كبيرة لحكومة الانقلاب العسكري حينها، إلا أن الجميع بما فيهم المصريين عولوا على القضاء المصري ليضع حداً لانتهاكات سلطة الانقلاب وإيجاد المفقودين وتحصيل حقوق الضحايا، لكن السلطات القضائية شاركت بشكل أو بآخر بدعم سلطة الانقلاب” بحسب علاء عبد المنصف، مدير منظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان.
وفي حديث مع “وكالة أنباء تركيا”، قال المنصف إن “منظومة القضاء هي ضمن الدولة العميقة التي ذاتها ساهمت في عملية الانقلاب العسكري، وبالتالي هي من تنفذ أحكام الأعدام بدون مراعاة لأي حقوق وبدون أي محاكم حقيقية، والثوار المصريين لم يكونوا مدركين لهذه الحقيقة أن القضاء جزء من الانقلاب اساسا”.
وأكد المنصف على أن “عشرات المفقودين لايزال مصيرهم مجهول وأن كل المحاولات للوصول لأماكنهم ومعرفة مصيرهم تبوء بالفشل وهناك 36 حالة عند البحث عنها نصل لحلقات مفقودة ولا يمكننا معرفة مصيرهم ويظن أهالي المفقودين أن أبناءهم معتقلون في سجون ومعتقلات سرية”.
وأشار المنصف إلى أن “كل من الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والإمارات العربية المتحدة والاحتلال الإسرائيلي هم من كانوا وراء الانقلاب العسكري ومن أشد الداعمين له وساهموا بتوطيده في سدة الحكم المصرية، رغم قيامه بمذبحة رابعة لازالوا حتى اليوم يقدمون له الدعم بكافة أشكاله”.
من جهته، رأى ياسر عبد العزيز، وهو كاتب ومحلل سياسي مصري، أن “انتهاكات النظام المصري لم تنتهِ منذ ثورة يناير واستمرت إلى مجزرة القرن في رابعة العدوية، فتجاوزت المدى بحرق المستشفيات الميدانية وقتلت الجرحى في سيارات الإسعاف أو أجهزت عليهم ميدانياً عند تمشيط الميدان”.
وأكد عبد العزيز أنه “رغم أن هذه الجرائم التي يعاقب عليه قانون العقوبات المصري، تحت بند جرائم الموظف العام ومأموري الضبط لكن لم تنظر المحاكم المصرية في هذه الانتهاكات حتى لو رفعت أمامها شكاوى من أصحاب المصلحة”.
وأضاف “قد تقدم الكثير من المعتقلين أثناء محاكمتهم بشكاوى أمام المحكمة لما تعرضوا إليه و وذويهم من انتهاكات، أو ما شهدوه أثناء فض الاعتصام في رابعة العدوية، إلا أن المحكمة لا تلتفت لهذه الشكاوى رغم أن قانون الإجراءات الجنائية يحتم عليها النظر في الشكاوى وإحالتها للتحقيق أو النظر فيها بنفسها”.
وعن إهانة النساء والإعتداء عليهن تابع عبد العزيز حديثه قائلاً إن “إهانة المرأة كوسيلة للضغط على الرجال هي ذات الوسيلة التي اتخذها نظام عبد الناصر لإذلال الإسلاميين واتخذها نظام مبارك لإرغام الجهاديين لتسليم أنفسهم، وقد زاد نظام السيسي في فجره بالتحرش بالمعتقلات وصولاً إلى حد اغتصابهن، حتى أن هناك حالات إجهاض داخل المعتقلات وهناك حالة لم تستطع الإجهاض ولدت سفاحا نتاج لهذا الاغتصاب”.
وحول المفقودين الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم، قال عبد العزيز إنه “على الرغم من أن القانون المصري يعاقب على جريمة الإخفاء القسري، إلا أن النظام استخدم سلاح الإخفاء القسري ضد المعارضين من أول يوم انقلب فيه على الشرعية في الثالث من حزيران/يوليو 2013”.
وأشار إلى أنه “لم يكن ذلك مستغرباً على العسكر فمنذ اندلاع ثورة يناير في 2011، استخدمت المخابرات الحربية جريمة الإخفاء القسري لوأد الثورة ولا يزال مصير المئات من الثوار مجهولا منذ 2011 وحتى اليوم”.
ولفت إلى أن “ورقة الإخفاء القسري ورقة مهمة يلعب بها نظام الانقلاب للضغط على الثوار و داعمي الشرعية، وامتد الأمر إلى حتى مؤيديه أو من كانوا مؤيديه سواء من السياسيين والنشطاء أو حتى العسكريين، وهو ما حدث مع العميد أحمد قنصوة الذي ظهر بعد فترة من إخفائه في النيابة العسكرية إثر تلفيق تهم غريبة والسبب الترشح للرئاسة”.
وعن التغييب والإخفاء القسري الذي نفذتها سلطات الإنقلاب العسكري أكد عبدالعزيز أن “النظام المصري أفرط في إخفاء النشطاء والسياسيين قسراً ليسهل عملية استنطاقهم بعيدا عن النيابة قبل إظهارهم في الوقت المناسب للاعتراف بجرائم لم يقوموا بها، أو يتم تصفيتهم كرد على بعض العمليات الإرهابية التي لا يعرف من ينفذها ولمصلحة من رغم انتهاج المعارضة السلمية”.
وعن الدور الذي لعبته دول إقليمية في الملف المصري نوه عبدالعزيز على أن “الأنظمة العربية أنظمة وظيفية تعمل بأمر أمريكا لمصلحة الكيان الصهيوني، ويربطون ملكهم لخدمة مصالح من يحميهم ومن هنا يتضح سبب دعمهم لسلطات الانقلاب العسكري في مصر”.
ويتفق ياسر عبد العزيز وعلاء عبد المنصف أنه “على الرغم من أن المجتمع المصري هو مجتمع محافظ ويضع النساء في مكانة كبيرة ويجعلها خطا أحمراً لا يمكن المساس به، وعلى الرغم من أن التجربة النسوية في مصر متجذرة منذ مئة عام، والمكانة الكبيرة التي تحظى بها إلا أن النظام شاء أن يضرب بكل تلك الأعراف والقوانين عرض الحائط، ويجعل من إهانة المرأة واعتقالها وسيلة لإهانة الرجال وإذلالهم”.
وتعتبر مذبحتي رابعة والنهضة من أبشع المجازر الجماعية التي ارتكبت بحق مدنيين عزل خلال يوم واحد بتاريخ العالم الحديث، بحسب مؤسسات حقوقية، وبلغ عدد الضحايا فيهما أكثر من 3 آلاف بينما تفوق أعداد الجرحى والمعتقلين والمفقودين ذلك الرقم بكثير، يضاف إليها حالات إعدام مستمرة بمحاكمات جائرة منذ قيام الانقلاب العسكري، بحق ناشطين وسياسيين من الحكومة الشرعية.
ويصادف اليوم الذكري السادسة لتلك المذبحتين وسط ذكريات أليمة في عقول المصريين أبرزها إحراق جثث المعتصمين، وإحراق مسجد رابعة العدوية، والمستشفى الميداني في رابعة.