العالم الإسلاميتقاريرمميز

من العراق إلى لبنان.. “صرخة بوجه الفساد”

يعيش كل من العراق ولبنان على وقع حراكين شعبيين متسارعين انطلقا مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، واتسعت رقعتهما لتشمل مناطق متعددة في كلا البلدين.

إلا أن القاسم المشترك في  الحراكين العراقي واللبناني هو رفض الفساد المستشرين في المؤسسات الرسمية لكلا البلدين.

حالة الحراك في لبنان والتي وصفها صحفيون ونشطاء وأكاديميون لبنانيون وغير لبنانيين أنها “ثورة على خطى الربيع العربي”، أجبرت الحكومة على الرضوخ لمطالب الشارع، فأعلن رئيس الحكومة سعد الحريري، في 29 تشرين الأول/أكتوبر الماضي استقالته من منصبه.

لكن ورغم هذا التطور المتسارع، استمر الشارع اللبناني بحراكه مطالبا بتغيير بنية الحكومة الجديدة وتحسين الأوضاع الاقتصادية وغيرها من المطالب الأخرى.

أما في العراق فكانت الاحتجاجات متشابهة بالمطالب مع ما يجري في لبنان من حيث، مطالبة المتظاهرين بوضع حد لحالة الفساد وإيجاد الحلول اللازمة لمشكلة البطالة وتحسين الأمور الخدمية والمعيشية، إلا أن السلطة الحاكمة واجهت المتظاهرين هناك بالعنف ما أدى لسقوط ضحايا بين المتظاهرين، الأمر الذي زاد من حدة الاحتجاجات.

وعن رأيه فيما يجري في العراق ولبنان، قال خبير دراسات بلاد الشام في “مركز دراسات الشرق الأوسط ـ أورسام” بالعاصمة التركية أنقرة الدكتور سمير العبد الله، إن “الرابط المشترك بين المظاهرات في كل من العراق ولبنان يعود بالأصل إلى التشابه بين النظامين الطائفيين اللذين يديران البلاد، فالمحاصصة الطائفية أدت إلى وصول أشخاص غير أكفاء يديرون الملفات الاقتصادية والمالية والمعيشية، وانعدام الكفاءة أدى إلى انعدام وجود برامج تنموية ومعيشية، وخاصة أن زعماء الطوائف يهتمون بتطوير أحزابهم وتوزيع المناصب على الموالين لهم دون الاعتماد على برامج اقتصادية وتنموية”.

 وأضاف العبد الله في تصريحه لـ”وكالة أنباء تركيا” أن “هذا الأمر أدى إلى انتشار الفساد وخاصة أن أغلب المسؤولين في ظل النظامين محصنين عن المساءلة، لأن أحزابهم وميلشياتهم تحميهم، و كل هذا أدى إلى تراجع الأوضاع المعيشية والاقتصادية بشكل كبير في البلدين، وخاصة العراق الذي يمتلك ثروات هائلة”.

وأشار  العبد الله إلى أن “البطالة في كلا البلدين وصلت لمستويات غير مسبوقة، ما أدى إلى تفجر المظاهرات التي طالبت بتغيير النظام كاملاً”.

وفي وقت تحاول فيه بعض الأطراف تسييس ما يجري وإرجاع سببه إلى مؤامرات خارجية تستهدف العراق ولبنان، رأى محللون أن حالة الحراك الشعبي هي “صرخة بوجه الفساد” الذي استشرى على حساب قوت الشعوب.

وتعليقا على التطورات، قال الباحث والمحلل السياسي فراس السقال لـ”وكالة أنباء تركيا” إن “رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إنّي أعوذ بك من الجوع فإنّه بِئس الضجيع”، ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لو كان الفقر رجلاً لقتلته”، فمن هنا تبدأ حكاية انتفاضة الشعوب على حكامها قاطبة، والشعوب العربية على وجه الخصوص”.

وأضاف السقال أن “جريمة التجويع والحرمان والقهر من أسس الحكم الاستبدادي الظالم الموظف لمعاداة الشعب وسحقه، فيسعى المستبد ليكون وطنه فقيرا ذليلا لسطوته وجبروته، إلى أن يكون هذا القهر طاقة هائلة تحولت إلى بركان هائج يجرف كل من في طريقه من تلك الطغاة المرتزقة”.

وتابع السقال “اليوم انضم عراقنا الأبي ولبناننا الحبيب إلى ركب ثوراتنا المباركة، التي انفجرت ضد الفقر والفساد والظلم والاستبداد، فالعراق اليوم يرتع في وحل الاحتلال الأمريكي والإيراني الآسن الخبيث، بعد أن أفقروا البلاد ونهبوا خيراتها وامتصوا كنوزها وهجروا وشردوا طاقاتها البشرية من جميع شرائح المجتمع المنتجة، ولا يختلف وضع لبنان عن أخيه العراق فالفساد أهلكه والفقر أنهك كاهله والبطالة جعلته مشلولا تماما”.

ورأى أن “الفساد المستشري في البلاد، من انحلال أخلاقي مريع إلى نهب ثروات البلاد، وشراء المناصب، إضافة إلى المحسوبيات وشراء الذمم والخيانات، والعمالة لأعداء الوطن، والسرقات التي خرجت من تحت الطاولة إلى ظاهرها، وكذلك تدني الحالة الاقتصادية وانتشار البطالة، وهبوط حاد في العملة المحلية، وارتفاع كارثي لأسعار المواد الضرورية،كلها مجتمعة حركت غيرة تلك الشعوب الثائرة على حاكميها الظالمين”.

وختم السقال قائلا إن “مقومات الشعوب معلومة، وهي الحرية والأمان والعيش الكريم، فإن نالها شعب ما شكر وساهم في سمو بلاده أكثر، وكان عضوا فعالا في ازدهاره، لا مواطنا تحول لكاره لتلك البلاد التي أذلته وسودت حياته ودمرت مستقبله، وكما يقول أهل الأمثال: “أطعم الفم تستحي العين” فهلا فقهت حكوماتنا ماذا تريد الشعوب وإلى ماذا تطمح؟! أم أنها حكومات مأجورة لمن يسيرها من قوى الاحتلال لا حول لها ولا قوة؟”.

وتمتاز المظاهرات التي اطلقت في لبنان يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أنها الأكبر من نوعها، شاركت فيها كل المدن والبلدات، وحدت كل الطوائف بمختلف مسمياتها ضد الفساد الذي لم يعد يحتمله اللبنانيون.

أما الغضب الشعبي الذي انفجر في العراق مطلع الشهر ذاته، فإنه يمتاز بإصرار المتظاهرين على مواصلة حراكهم حتى إجبار السلطة الحاكمة التي واجهتهم بالرصاص والغاز المسيل للدموع، على الرضوخ للمطالب المحقة التي ينادون بها.

زر الذهاب إلى الأعلى