توالت الردود المستنكرة لقرار المحكمة السعودية بتبرأة المتهمين المباشرين عن قتل الصحفي جمال خاشقجي، الذي قتل داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، في تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي.
وأجمعت الجهات الدولية في غالبيتها على أن التحقيق الدولي هو الحل الوحيد لتحقيق العدالة في هذه القضية.
فمن جانبها أكدت منظمة الأمم المتحدة، على ضرورة إجراء تحقيق مستقل في جريمة قتل خاشقجي.
وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام الأممي، خلال مؤتمر صحفي، الإثنين، إن” الأمين العام للأمم المتحدة يؤكد على ضرورة إجراء تحقيق مستقل وغير متحيز في جريمة القتل لضمان التدقيق الكامل في الانتهاكات المرتكبة ضد حقوق الإنسان والمحاسبة عليها”.
دول ترفض القرار
وفي تركيا، وصف رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، “قرار القضاء السعودي حول قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي أنه مجرد استهزاء بذكاء العالم بأسره”.
ووصف ألطون على حسابه في “تويتر” أن “قرار القضاء السعودي الذي جاء بعد شهور من جلسات الاستماع السرية حول اغتيال خاشقجي، بـ(الفضيحة)”، مؤكّدا “مواصلة أنقرة بذل الجهود لكشف تفاصيل الحدث”.
فيما قال متحدث وزارة الخارجية التركية، حامي أقصوي،إن ” الحكم السعودي بعيد عن تلبية تطلعات أنقرة والمجتمع الدولي”، ويعبر عن “قصور أساسي في تجلّي العدالة ومبدأ المساءلة”، مجددا تطلع تركيا إلى التعاون القضائي مع السلطات السعودية في جريمة قتل خاشقجي.
وفي واشنطن، قال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي، آدم شيف، لشبكة “سي إن إن” الأمريكية، إن “حكم الإعدام بحق 5 مدانين بمقتل خاشقجي محاولة من السعودية لإبعاد قيادتها وعلى رأسها ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، وكبار مستشاريه عن الجريمة”.
ووصف شيف الجريمة بـ”الوحشية”، مشيرا إلى انه “طلب من مدير الاستخبارات القومية الأمريكية أن يزود الكونغرس بتقرير خلال 30 يوما، حول المسؤولين الحاليين والسابقين الذين شاركوا أو كانوا على علم مسبق بعملية قتل خاشقجي”.
وأكد أن “المجلس سيصر على متابعة هذا التقرير وسيواصل المحاربة من أجل تحميل منفذي عملية القتل ومن أمر بتنفيذها المسؤولية”.
وفي لندن، قال وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، في بيان، إن “مقتل خاشقجي جريمة وحشية، وأسرته تستحق أن ترى العدالة تأخذ مجراها”، مضيفا أنه “يجب على السعودية ضمان محاسبة جميع المسؤولين، وعدم تكرار مثل هذه الجرائم البشعة”.
هيئات ومنظمات دولية تتعهد باستمرار التحقيق
من جانبها، اعتبرت مقررة الأمم المتحدة لحالات الإعدام خارج نطاق القانون، أنييس كالامار، في سلسلة تغريدات في “تويتر”، أن “الأحكام الصادرة على المتهمين بقتل خاشقجي مثيرة للسخرية”، مضيفة أن “الرؤوس المدبرة لجريمة خاشقجي ليست حرة فحسب، بل لم تتأثر تقريبا بالتحقيق والمحاكمة، وهذا هو نقيض العدالة”.
وأضافت أنه”بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، كان مقتل خاشقجي بمثابة إعدام خارج نطاق القضاء وتتحمل دولة السعودية المسؤولية عنه. لكن لم تنظر المحكمة في أي وقت من الأوقات في مسؤوليات الدولة”.
وأكد المتحدث باسم منظمة “هيومن رايتس ووتش” أحمد بنشمسي في مقابلة مع قناة الجزيرة، أن “الأحكام الصادرة أبعد ما تكون عن تحقيق العدالة”، موضحا “أن الغموض لف هذه القضية التي أحيطت بالسرية منذ بدايتها وحتى الآن”.
من جانبها، دعت منظمة العفو الدولية (أمنستي)، في بيان، الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، “لإطلاق تحقيق جنائي دولي عاجل في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، استنادا لما ورد في تقرير المفوضية الأممية لحقوق الإنسان الذي حمّل السعودية مسؤولية قتل خاشقجي عمدًا”.
وأضافت المنظمة: “يجب أن يرسل الأمين العام غوتيريش رسالة قوية مفادها أنّ عمليات استهداف المعارضين والصحفيين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم بالقتل، ستقابل بتحرك صارم”.
وندد الأمين العام لمنظمة “مراسلون بلا حدود” كريستوف ديلوار، بتبرئة المتهمين الرئيسيين بقضية مقتل خاشقجي، ووصف ذلك بأنه أمر “لا يحترم العدالة الدولية”، وفق ما نقلته “نيويورك تايمز”.
ورأت جمعية “بيت الاعلاميين العرب” في تركيا، عبر بيان نشرته “وكالة أنباء تركيا”، أن “القرارات الصادرة من المحاكم السعودية بخصوص جريمة قتل خاشقجي، غير كافية ولا تظهر الحقيقة في الجريمة”.
وأردفت متوجهة للسلطات السعودية، أنه “طالما استطعتم التأكد من تورط 8 أشخاص مجرمين، فبالتالي من الطبيعي أن تكونوا عرفتم منهم أين تم إخفاء الجثة، فأين جثة خاشقجي؟”.
خطيبة الخاشقجي: محاولة إغلاق الملف لن تنجح
من جانبها، نددت خديجة جنكيز، خطيبة خاشقجي بتبرئة المسؤولين السعوديين البارزين من الاتهام بمقتله، مؤكدة أنه إعلان “غير مقبول”،على حسابها في “تويتر”.
واعتبرت جنكيز القرار “محاولة لإغلاق القضية على عجل وإعدام من يملكون معلومات عنها”.
وقالت جنكيز، إن “قرار النيابة العامة كان عشوائيًا وغير مقبول على الإطلاق وغير قانون”، وأن الهدف منه هو طي ملف التحقيق في القضية وإعدام الشهود”.
ودعت جنكيز “المجتمع الدولي إلى “اتخاذ خطوات تساهم في تحقيق العدالة، وعدم قبول قرار النيابة العامة السعودية”، مطالبة بـ “الضغط على السلطات السعودية من أجل إماطة اللثام عن قضية اغتيال خاشقجي”.
محاكمة مجهولين وتبرأة الجناة
وكانت محكمة سعودية قد أصدرت، الإثنين، حكمًا أوليًا بإعدام 5 أشخاص (لم تسمهم) من بين 11 مدانًا، كما عاقبت 3 مدانين منهم بأحكام سجن متفاوتة تبلغ في مجملها 24 عامًا، كما قضت ببراءة القيادات الثلاثة التي تشير كل الأدلة إلى تورطهم بشكل مباشر في مقتل الخاشقجي.
وأعلنت النيابة السعودية، في بيان صحفي، أن المحكمة الجزائية بالرياض برأت سعود القحطاني (مستشار سابق لولي العهد محمد بن سلمان) لعدم توجيه تهم إليه، وأحمد عسيري (النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودية) لعدم ثبوت تهم عليه، ومحمد العتيبي (القنصل السعودي السابق بإسطنبول) بعدما أثبت تواجده في مكان آخر وقت مقتل خاشقجي.
وتم اغتيال الصحفي خاشقجي بطريقة وحشية، في 2 تشرين أول/أكتوبر 2018، داخل القنصلية السعودية بولاية إسطنبول، في قضية هزت الرأي العام الدولي.
وبعد 18 يوما من الإنكار والتفسيرات المتضاربة، أعلنت الرياض مقتله داخل القنصلية، إثر “شجار” مع أشخاص سعوديين، وأوقفت 18 مواطنا ضمن التحقيقات، دون كشف المسؤولين عن الجريمة أو مكان الجثة.