قارن مراقبون بين الخطوة التي اتخذها وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، باعتذاره من الشعب التركي عندما قال إنه يتحمل كامل المسؤولية عما حصل ليلة حظر التجول، نهاية الأسبوع الماضي، وبين وزراء وحكام في عدد من الدول التي ترتكب فيها أفظع الانتهاكات من دون أن يعتذر أحد من شعبه.
دكتور اللغة العربية في جامعة إسطنبول، معاذ البوريني (أردني الجنسية) قال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “الحقيقة الواضحة لأصحاب الألباب والعقول أن المسؤول التركي، الوزير على سبيل المثال فهِمَ أن الوزارة مغرم لا مغنم، فزهد فيها فطلبته، بعكس المسؤول في كثير من البلاد الظالم حكامها، الذي يرى الحكم والمنصب مغنما فيسعى إليه للتفاخر القبلي والكسب السريع والجاه والسلطة لا خدمة للناس والأمة”.
وأضاف البوريني “ستعرف ما أقول بمجرد النظر إلى حسابات معظم المسؤولين في عدد من البلاد العربية وغير العربية، قبل حصوله على منصبه وبعد ذلك، ولك أن تقارن هذا بالمسؤول التركي مثلا أو الأوروبي عموما”.
وبدت تلك المقارنة واضحة من خلال التكاتف ليس فقط بالنسبة للشعب التركي مع وزير داخليته، بل بالنسبة لكل عربي وحتى ربما غربي خارج تركيا يتماهى مع الديمقراطية والإنسانية وثقافة الاعتذار، التي أعطت فيها تريا ومن خلال الوزير صويلو درسا لكثيرين من الحكام والساسة والقادة في هذا الشأن.
وقال الكاتب والباحث السياسي السوري، محمد علي صابوني لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “المتابع للمشهد التركي برمته وحرص الحكومة التركية على إدارة أزمة (كورونا) وتبعاتها، والجاهزية العالية من قبل معظم الوزارات المعنية كوزارات الصحة والداخلية والمالية، أقول إن المتابع لما جرى ويجري في تركيا يدرك تماماً الجهود الخارقة التي بذلها وزير الداخلية السيد سليمان صويلو والذي استطاع بحنكته وذكائه وضمن اختصاصه أن يُحسن التصرف بضبط وإدارة هذه الأزمة الصحية، كما استطاع من قبل أن يعيد الاستقرار والأمان إلى بعض المدن الجنوبية الشرقية في البلاد، والتي حاول PKK (الإرهابي) ويحاول أن ينشر فيها الرعب والفوضى”.
وأضاف صابوني أن “ما جرى من إقدام السيد وزير الداخلية على تحمل مسؤوليته عن بعض مظاهر الفوضى أمام بعض متاجر إسطنبول بسبب تأخر الإعلان عن حظر التجوال ليومي السبت والأحد الماضيين، وتقدمه بطلب إعفائه من منصبه ومن ثم اعتذاره للشعب التركي عن تقصيره بالرغم من حسن نيته في محاولة تقليص أعداد الإصابات، فإن ذلك يُثبت ويُعزز أن تركيا هي دولة مؤسسات، وشتان بين من يتحمل مسؤولياته ويعتذر عن سلبية بسيطة تكاد لا تذكر إذا ما قورنت بالكم الهائل من الإيجابيات، وبين من قتل مئات الآلاف وهجر الملايين وحرق البلدات ودمّر المدن وباع ورهن البلاد ولم يرف له جفن أو تهتز له مشاعر، فقط من أجل أن يبقى متشبثاً بكرسيه المهلهل الذي لم يعد يخوله أن يتخذ أبسط القرارات السيادية”.
وأشار صابوني إلى “من ينتقدون تركيا من بعض الدول، والتي لا تزال بلادهم إلى يومنا هذا تفتقد لدستور يضبط أمورهم، فتلك قصة أخرى.. وفاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه”.
أما المحلل السياسي السوري، مصطفى النعيمي فقال لـ”وكالة أنباء تركيا”، إن “ما تتم ممارسته في الدول القمعية هو امتداد للأنظمة الديكتاتورية سواء كانت عربية أو غربية، فإننا لم نعهد استقالة لأي وزير سواء كانت في الأزمات أو غيرها نظرا لتجذر روح الديكتاتور في شخصية كل من يعمل لدى مؤسسات تلك الدول، لكن علينا أن لا ننسى أن بعض الدول العربية قد فتحت فنادقها ذات الخمس نجوم والتي يمتلكها القطاع الخاص وذلك من أجل مساعدة الدولة في الحد من انتشار الفيروس، وكانت تعمل بمنتهى الشفافية مع شعوبها، علما بأنها قد فرضت حظرا منذ قرابة الأسبوعين ما حد من خطر انتشار الفايروس ومعالجة الغالبية العظمى من المصابين وكانت شفافة مع شعوبها في نقل الأرقام الحقيقة سواء على صعيد أعداد الإصابات أو الذين تمت معالجتهم وكذلك من توفي”.
وأضاف النعيمي أنه “نحن كسوريين نقول لو أن ذات الحس الإنساني والأخلاقي الذي توفر لدى الحكومات التي تتمتع شعوبها بالحرية المنضبطة، لساهم ذلك باحتواء أزمة (كورونا) العالمية، لكن طبيعة نظام الحكم في سوريا مثلا لا يترك منصبا يعمل بمؤسساته إلا في حالتين الانشقاق أو الانتحار، ويعملون في تلك المؤسسات بمبدأ العبيد لا بمبدأ المسؤولية لذلك لن يتخلوا عن المكاسب التي يحققها لهم المنصب، لا بل على العكس يستثمروا المنصب لتعزيز مكانتهم الاجتماعية وإبتزاز الشعوب التي يحكموها، وهذا منافي للقيم والأخلاق والمبادئ القانونية التي من أجلها سنت القوانين وأنشأت تلك المؤسسات”.
وتابع النعيمي أنه “بالعودة إلى المؤسسة العسكرية، نشهد أن تلك المؤسسة التي أنشأت لحماية حدود الأوطان تنزل إلى الشوارع لحماية المدنيين بدلا من إلقاء البراميل المتفجرة كما يفعل النظام السوري، وسخرت كافة مقدراتها ومواردها البشرية والإقتصادية لخدمة الوطن، بينما على صعيد الأنظمة الإستبدادية كما في روسيا وإيران والصين وسوريا والعراق، تقوم بتضليل شعوبها وتساهم بشكل مباشر في نقل هذا الوباء إلى خارج حدودها، وتمثل ذلك جليا في سوريا وفقا لما صرحت به القوات الروسية على منع التماس بين جنودها والميليشيات الطائفية متعددة الجنسيات العاملة ضمن الأراضي السورية، وتم تأكيد إصابات جماعية نتيجة لوصول بعض زوار المراجع الدينية في دمشق، وتم حظر التحرك داخل منطقتي السيدة زينب والسيدة رقية”.
ومنتصف ليلة الأحد، عبّر مئات الآلاف من العرب المقيمين في تركيا، عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، عن رفضهم لقرار وزير الداخلية التركي تقديم استقالته من منصبه، وذلك على خلفية طريقة تطبيقه لحظر التجوال في البلاد.
وتصدرت هاشتاغات “لا نقبل استقالتك صويلو” و”لانستيطع أن نكمل بدونك ياصويلو” و”صويلو ليس وحيدا” موقع “تويتر” بعد أقل من ساعة ونصف على إعلان صويلو تقديم استقالته.
ومساء الأحد، أعلن صويلو، استقالته من منصبه وذلك على خلفية طريقة تطبيقه لقرار حظر التجوال في 31 ولاية تركية قبل يومين.
وقال صويلو في بيان “أنا أتحمل المسؤولية بشكل كامل عن قرار حظر التجوال الذي طبق في نهاية الأسبوع، الصور التي رأيناها في الشوارع كانت بسبب خطأ مني ولم تنسجم مع الإدارة الرائعة لهذه المرحلة”.
وفي وقت سابق مساء الأحد، قال مصدر متابع إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفض استقالة صويلو، مشددا في حديث خاص مع “وكالة أنباء تركيا” أن “أردوغان رد الاستقالة وطلب من صويلو الاستمرار في مهامه ومنصبه”، لتعود وتصدر الرئاسة التركية بيانا تؤكد فيه بشكل رسمي عدم قبول استقالة صويلو، الذي بدوره أعلن أمس الإثنين تراجعه عن الاستقالة.