تقاريردولي

هل تجبر التطورات في أفغانستان اليونان على التقارب مع تركيا؟! (تقرير)

بعد سنوات من التنافر.. قضايا مستجدة توحّد مصالح تركيا واليونان

سنوات طويلة من التنافر والخلافات حيناً، وافتعال الخلافات من قبل اليونان أحياناً أخرى، عرفتها العلاقات التركية اليونانية.

البلدان تفرقهما ملفاتٌ خلافية عديدة بسبب تعنت الجانب اليوناني، ورفضه بشكل مستمر الحوار مع تركيا حول تلك الملفات.

ولعلّ أبرز التحولات التي من شأنها أن تنعكس على أولويات الجانب اليوناني وتجعله يتراجع عن سياسات معاداة تركيا، هي فرض حركة “طالبان” سيطرتها من جديد على أفغانستان، وما يترتّب على ذلك من نتائج أهمها تجدد موجة هجرة ولجوء جزء من الأفغان نحو أوروبا عن طريق تركيا واليونان.

في حديث لـ”وكالة أنباء تركيا” قال الكاتب والمحلل السياسي يوسف كاتب أوغلو إنه “يجب على الجميع أن يعلم أن الطرف السلبيّ هو اليونان وليست تركيا، تركيا منذ سنوات وهي الجانب الإيجابي في أن تكون هنالك مفاوضات مباشرة مع الطرف اليوناني في جميع الملفات العالقة، سواء في بحر المتوسط، أو في قبرص التركية، أو في موضوع الجزر الموجودة في بحر المتوسط وما يسمى مسافة 12 ميل و6 أميال”.

وأضاف “تركيا هي التي دائماً نادت إلى الحوار المباشر الثنائي دون تدخل دول أخرى، الطرف الذي قام عن طاولة وتخلّى عن الحوار وتمرّد على أن تكون هنالك تفاهمات، هو الطرف اليوناني، وبالتالي تدخل أطراف أخرى كفرنسا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي هو الذي أدّى إلى أن يكون هناك نوعٌ من التمرّد أو التعنّت اليوناني في الوصول إلى نتائج إيجابية”.

ولفت إلى أن “تركيا  مع ذلك مستعدة مرة أخرى أن تعزّز وتفعّل قنوات الحوار، ولكن لن يكون على حساب أي تنازلات في موضوع قبرص الشمالية التركية، أو في الحقوق السيادية لكلٍّ من تركيا وقبرص التركية في الجرف القارّي والغاز شرق المتوسط في الحدود البحرية الإقليمية”.

وتابع كاتب أوغلو “ما تزال تركيا تستخدم سياسة حكيمة، وهي تقوم بخطواتٍ وتواصلٍ دبلوماسيّ سواء من خلال عضويّتها في الـ(ناتو) أو من خلال الاتحاد الأوروبي، وتحث على تفعيل قنوات حوارٍ ثنائية مباشرة مع اليونان للتوصّل لنتائج إيجابية”.
وفي معرض إجابته على سؤال ما إذا كانت التغيرات الإقليمية الحاصلة في المنطقة ستجبر الدول على التفاوض والتعاون مع تركيا قال إن “انسحاب أمريكا المفاجئ من أفغانستان دون مراعاة هذه الفراغات السياسية التي تركتها في المنطقة أدّى إلى أن يكون هنالك نوعٌ من التخبّط والضبابية وعدم الشفافية في الكثير من المحاور والتحالفات الإقليمية، وهذا ألقى بظلاله بقوة على جميع الأقطاب السياسية وبالتالي أصبحت هناك مرحلة إعادة تموضعٍ لهذه القوى السياسية”.

وأردف بالقول “الكل بدأ يبحث عن تحالفاتٍ جديدة، نجد أنّ مستشار الأمن القوميّ الإماراتيّ هرول إلى تركيا، أرمينيا بدأت تبدي رغبتها في فتح علاقات دبلوماسية وسياسية سلمية مع تركيا، دول أخرى ستتبعهم لفتح علاقات مع تركيا، هناك أيضاً تطوّرات إيجابية للسعودية مع تركيا، لذلك أصبح من الواضح تماماً أنه حتى دول إقليمية كاليونان يمكن أن تكون جدّية أكثر في إعادة الحوار السياسي الدبلوماسي لحلّ المشاكل العالقة بناءً على ما استُجدّ على الساحة وخصوصاً فيما يتعلق بأفغانستان”.

وختم حديثه بالإشارة إلى أن “الآن أصبحت الدول لا تحترم إلا القوي وتبحث عن تحالفات قوية، وخاصة التحالفات القوية مع دول ذات سيادة، قرارها بنفسها، وبالتالي أصبحت تركيا رقماً صعباً في المعادلات الإقليمية الموجودة، وخاصة أنها جزءٌ أساسيّ في هذه المنطقة، وهذا ربما يكون له دورٌ إيجابيّ في حلّ الكثير من القضايا العالقة التي كان الآخرون دائماً يمسكون بخيوطها ولا يريدون حلّها، بل التحكم بها لحسابات استراتيجية خاصة بهم”.

من جانبه رأى أستاذ العلاقات الدولية رائد المصري في حديث لـ”وكالة أنباء تركيا” أن “العلاقات التركية اليونانية يمكن أن تتطوّر إيجاباً ويمكن أن تلعب تركيا دورا أساسيا في ملف اللجوء من أفغانستان، خصوصاً أننا نرى أن التطورات في أفغانستان هي تطورات مقلقة لكلّ دول الجوار والبلدان الإقليمة دون استثناء”.

وأضاف أن “هذه التطورات تتطلّب تصلباً في المواقف لناحية الانتهاء من النزاعات الجانبية بين الدول للتفرّغ للهمّ الأكبر وهو سيطرة (طالبان) على أفغانستان بشكلٍ كامل، وكيف ستكون سياسة الحركة الجديدة في أفغانستان، وكيف ستتعاطى مع دول الجوار، ودول حوض البحر المتوسط وإيران وتركيا وغيرهما”.

وتابع المصري “هذا بطبيعة الأمر سينعكس في الفكر الإيديولوجي على المستوى السُنّي في العالم العربيّ والإسلاميّ، وبالتالي تبدو الحاجة الأوروبية مُلحّةً لدور تركيّ وازن وقويّ”.

وقال إن “هذا الدور موجود بطبيعة الحال، لناحية إقامة شبكةٍ من العلاقات ومنها التفاهمات مع اليونان للتفرّغ لهذا الخطر (بين مزدوجين) الذي يمكن أن يشكل خطراً استراتيجياً على مسار العلاقات التي تُبنى في المنطقة والتي يمكن أن يكون لتركيا الدور المفصلي في العالمين العربيّ والإسلاميّ وأيضاً على مستوى العالم الأوروبيّ”.

واعتبر أن “هذا الأمر بات اليوم أمام امتحان كبير وصعب بعد وصول (طالبان) وسيطرتها على أفغانستان، رغم تصريحات الحركة الجيّدة، ورغم الحديث عن الحوار والائتلافات والشراكة في الحكم”.

وختم المصري قائلاً “لكن تبقى العبرة في تنفيذ هذه السياسة على مستوى الداخل في أفغانستان، وكيف ستنعكس على المستوى الخارجيّ وبلدان الإقليم والمتغيّرات على المستوى السياسيّ في هذه الدول”.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أكد عقب أداء صلاة الجمعة في 20 آب/أغسطس 2021 في إسطنبول، أن تركيا تستضيف حوالي 300 ألف مهاجر أفغانيّ، معربا عن استعداده للتباحث مع حركة “طالبان” في هذا الشأن، قائلا “يمكننا إجراء مباحثات مع طالبان إذا لزم الأمر، فهناك حقائق على الأرض، وعندما يُطرق بابُنا سنفتحه”.

أما على الجانب اليوناني، فقد كشف مكتب رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس، أنه سيبحث الوضع في أفغانستان مع الرئيس التركي، في الوقت الذي تخشى فيه أثينا من وصول أعداد كبيرة من المهاجرين إلى أراضيها.

وتعتبر اليونان بمثابة خط التماس والبوابة الطبيعية إلى جانب تركيا بين دول الهجرة ودول اللجوء في أوروبا، خاصة بعد تفاقم أزمة الهجرة إلى أوروبا منذ عام 2015، ووصول نحو مليون شخص إلى جزرها معظمهم دخل عبر تركيا، بعد فرارهم من الصراع في سوريا والعراق وأفغانستان.

ونقلت وكالة رويترز مخاوف اليونان وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي، من أن تؤدي عودة حركة “طالبان” إلى السلطة في أفغانستان إلى تكرار أزمة الهجرة، حيث قالت الحكومة اليونانية إنها لا تريد أن تصبح نقطة دخول إلى الاتحاد الأوروبيّ للأفغان الفارّين من الصراع المتصاعد في وطنهم، وإن قوات حرس الحدود مستعدةٌ لمنع حدوث ذلك.

كما ذكرت دائرة الاتصال في الرئاسة التركية أن أردوغان بحث في اتصال هاتفي مع ميتسوتاكيس العلاقات الثنائية وقضايا إقليمية مثل التطورات الأخيرة في أفغانستان وتداعياتها على مسألة الهجرة غير النظامية في المنطقة.

كما أكد أردوغان أن عدم تأسيس مرحلة انتقالية في أفغانستان سيؤدي إلى زيادة موجة الهجرة، ما يشكّل تحدّياً كبيراً للجميع، داعيًا الاتحاد الأوروبي إلى مساعدة دول جوار أفغانستان.

وفي هذا السياق أكد أردوغان على ضرورة تعزيز التعاون مع اليونان في مجال الهجرة على أساس التفاهم والمصالح المتبادلة، ودعا لعقد اجتماعات مجلس التعاون التركي-اليوناني رفيع المستوى من جديد، كما جدّد مطالبته الاتحاد الأوروبي بالالتزام بتعهّداته تجاه تركيا فيما يتعلق باتفاقية “إعادة القبول” الخاصة بالهجرة المُبرمة بين الطرفين بتاريخ 18 آذار/مارس 2016.

يأتي ذلك في أعقاب فترة هدوءٍ دبلوماسي بين تركيا واليونان، حيث أجرى وزيرا الخارجية التركي واليوناني في أيار/مايو الماضي محادثات في أثينا هدفها التطبيع التدريجي بين بلديهما، وقال وزير الخارجية اليوناني ديندياس آنذاك إن الوزيرين اتفقا على “لائحة محدودة” من الشراكات الاقتصادية.

في حين أكد مولود تشاويش أوغلو أن تركيا تريد مواصلة المحادثات مع اليونان “بدون شروط مسبقة”.

وقبل فترةٍ وجيزة من الآن أعلنت تركيا تلقّيها طلباً من اليونان للمساعدة في إخماد حرائق الغابات الواسعة التي اجتاحتها، وذلك على الرغم من الخلافات القائمة بين سلطات الدولتين.

زر الذهاب إلى الأعلى