بذكرى استشهاد القسام.. المجاهد الذي قاد ثورة من تحت التراب (تقرير)
في مثل هذا اليوم، 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1935 استشهد القائد عز الدين القسّام في بلدة يعبد الفلسطينية على يد القوات البريطانية
بطلٌ مقدامٌ زاوجَ بين المقاومة بالكلمة والمقاومة بالسلاح، ترك بصمةً فريدةً ما زالت حيّةً في وجدان الفلسطينيين وكل من يناصر القضية الفلسطينية.
هو الشيخ المجاهد عز الدين القسّام، الذي تميّز بمنهج تربويّ أقرنه بمسلكٍ جهاديّ، لينطبق عليه القول إنه أتبع القول بالفعل، حتى صار أحد أبطال الأمّة الإسلامية اللامعين.
يُعرف عز الدين القسّام بأنه قائدُ ثورة فلسطين الأولى التي استمدّت قوّتها من إحياء فكرة الانتفاضة المباركة.
عوّل القسّام على ما يمكن لقوّة الإيمان أن تتركه من أثرٍ على همّة المؤمنين، فكان خطيباً مفوّهاً كلماته الرنّانة استنهضت روح الجهاد والمقاومة لدى الفلسطينيين، فأرعبت الأعداء أكثر من الأسلحة والنار.
ولد عز الدين القساّم في بلدة جبلة في محافظة اللاذقية في سوريا عام 1882، حيث نشأ وتلقّى تعليمه الابتدائي والدينيّ داخل المساجد والكتاتيب.
في عمر الـ14 أرسله والده إلى مصر حيث أمضى 8 سنوات في الأزهر الشريف، حيث تلقّى العلوم الدينية والفقه والتفسير والحديث على يد كوكبةٍ من الشيوخ، ثم عاد إلى جبلة حاملاً الإجازة العالمية الدّالة على تضلّعه في العلوم الإسلامية، فضلاً عن التفقّه واتساع المعرفة الذين تميّز بهما.
شكّل اشتعال الثورة ضد الفرنسيين في سوريا، أول أسباب انخراطه المباشر على أعمال المقاومة، وفي محاولةٍ لإسكات صوته الذي كان يجيّش المقاومين ضد ظلم الاستعمار، حاول الفرنسيون إغراءه بمنحه منصب القضاء، فرفض، فما كان من الديوان السوري العرفي إلا أن حكم عليه بالإعدام.
توسّع اهتمام القسّام ليشمل كل القضايا المحقّة وليس فقط ضمن نطاق سوريا أو فلسطين، وتجلّى ذلك عندما لم يتردّد في قيادة مظاهرةٍ تؤيّد المقاومة الليبية ضد الاحتلال الإيطالي، ولم يكتفِ بالهتافات، بل جمع التبرّعات من المال والسلاح نجدةً للمجاهدين في طرابلس الغرب.
أمام هذا الواقع، وجد نفسه مطارداً من اثنتين من أعظم القوى الدولية في ذلك الزمن، فرنسا حكمت عليه بالإعدام، فيما لاحقته إيطاليا بسبب دعمه لثورة شيخ المجاهدين عمر المختار.
عام 1921 اختار القسّام اللجوء إلى حيفا في فلسطين، حيث اجتهد في محاربة الأميّة المتفشية بين الأهالي، فاتخذ من مسجد الاستقلال الذي أشرف على تشييده في الحي القديم، مركزاً لتعليم القراءة والكتابة.
بسيرته الطيّبة وصدقه وورعه، استحقّ القسّام اكتساب احترام وتقدير وتأييد أهالي حيفا، وعام 1926 أسّس وترأّس “جمعية الشبّان المسلمين”، التي دعا من خلالها إلى الجهاد ضدّ المستعمر البريطانيّ.
في خطبِه التي كان يلقيها في مسجد الاستقلال كان يتوجّه إلى الناس بالقول: “إنْ كنتم مؤمنين، فلا يقعُدنّ أحدٌ منكم بلا سلاحٍ وجهاد”، فصار هدفاً للقوات البريطانية التي اعتقلته، قبل أن تعود وتجبر على الإفراج عنه تحت ضغط الشعب الذي اعترض على ذلك بالتظاهر والإضراب.
وترجمةً لدعواته الجهادية، باشر القسّام بتأسيس “الخلايا السريّة” وتدريبها وتجنيدها على تنفيذ عمليات المقاومة، وعندما أعلن وعد بلفور البريطاني الذي أعطى اليهود حق تأسيس دولة خاصة بهم على الأراضي الفلسطينية، قضى القسّام سنواتٍ في الإعداد للثورة الكبرى، فقام قبل كلّ شيء بتعليم أبناء القرى وتدريبهم جيّداً على السلاح، وتلقّى دعماً وازناً بالمال والسلاح من أمير الأردن الخزاعي.
شكّت القوات البريطانية بوجود “الخلايا السرية” الناشطة، لكنها لم تتمكن من فضحها رغم العيون التي زرعوها في كل الأماكن للنيل من المجاهدين.
لم يدم التخفّي طويلاً، ففي 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1935، أطلق القسّام الشرارة الأولى للثورة الفلسطينية الكبرى، بعد أن اكتشفت القوات البريطانية أمره وعمدت إلى محاصرته في بلدة “يعبد” في جنين.
لم يتوانى الشعب عن بذل النفوس لنجدة المجاهدين، خاصةً أن قائدهم القسّام كان قد دربهم على استعمال السلاح، فباتوا لا يهابون خطر المواجهة مع قوّات الانتداب البريطاني.
حاول البريطانيون دعوته ورفاقه إلى الاستسلام، فجاء ردّه: “إننا لا نستسلم، إننا في موقف الجهاد في سبيل اللّه”، فاندلعت معركةٌ غير متكافئة بين الجانبين، عُرفت فيما بعد بـ “ثورة القسّام”.
انتهت مواجهات يعبد باستشهاد القسّام ورفاقه في 20 تشرين الثاني/نوفمبر، بعد أن سطّروا بطولاتٍ في المقاومة وبذل النفس في سبيل التحرير من قهر المحتل، ولم يكن بحوزته سوى مصحفٍ وأربعة عشر جنيهًا ومسدسًا كبيرًا.
هزّ استشهاد القسّام فلسطين من أقصاها إلى أقصاها، وألهم الآلاف الذين باتوا يُقبلون على الشهادة في سبيل الله والوطن.
وحتى قيل إنه قاد الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1935 من تحت التراب، لأن استشهاده كان نواة اشتعالها، مع ما رافقها من إضراب الستة أشهر والعصيان المدني.