تقاريرهام

كيف أسقط “طوفان الأقصى” ما يسمى بـ”الدين الإبراهيمي” المستحدث؟ (تقرير)

يعيش الاحتلال الإسرائيلي حالة من الإحباط بعد تراجع مكانة ما يسمى “الدين الإبراهيمي”، الذي أصبح من المسائل المثيرة للجدل، بعد أن كانت يأمل الاحتلال باستخدام هذا الدين كأداة لتعزيز سيطرته على مدينة القدس المحتلة.

ويعتبر “الدين الإبراهيمي” فكرة مرفوضة من قبل شرائح واسعة من العلماء والمفكرين، لأنها تنتهك حرية الاعتقاد والاختيار، وتحاول طمس الهوية والقيم والمبادئ الخاصة بكل دين وخاصة الإسلام، كما أنها تحمل بعدا سياسيا يخدم المصالح الغربية والصهيونية، ويسعى إلى تهميش القضية الفلسطينية وتبرير التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

كما يُنظر إلى “الدين الإبراهيمي” على أنه محاولة لتطبيع العلاقات بين الاحتلال الإسرائيلي والدول العربية والإسلامية، كما يُنظر إليه على أنه محاولة لفرض الهيمنة الإسرائيلية على القدس المحتلة.

وإجابة على هذا السؤال “هل أسقط (طوفان الأقصى) الدين الإبراهيمي المستحدث”، أكد الحقوقي والمحلل السياسي عبد الناصر حوشان في حديث لـ”وكالة أنباء تركيا”، أن “الدين الإبراهيمي كان غطاء لعمليات التطبيع  العربي مع الكيان الصهيوني على حساب القضيّة الفلسطينيّة وفق معادلة الأرض مقابل السلام الذي تمسّك به الكيان وفقاً لمقاربته، وهو أن يمنح الفلسطينيين حكما ذاتيا مقابل التطبيع، مع احتفاظه بالسيادة والأمن، وقد وصل المشروع إلى نهاياته بعد إعلان السعودية قبولها التطبيع مع الكيان، والذي اقتضى منها أيضا التخلّص من مشاكلها الإقليمية في اليمن ولبنان وسورية والعراق بالتسليم لإيران بسيطرتها مقابل التطبيع معها ومع نظام بشار أسد، والذي اطلق عليه مقاربة تصفير المشاكل، وكانت العلاقة بين إيران والفصائل الفلسطينيّة هي إحدى أوراق التفاوض بحيث تتخلى إيران عن دعمها للفصائل المذكورة مما يجبرها للقبول بالمقاربة العربية الإسرائيليّة، و قد استجابت إيران لذلك بدليل صفقة تبادل الرهائن بينها وبين أمريكا والإفراج عن 6 مليارات دولار، ورفع العقوبات الدولية من قبل مجلس الأمن التي كانت تتعلّق بمشروع تطوير الصواريخ البالستية، وبالتالي تحقيق مكاسب سياسية ومقدمات لإغلاق ملفها النووي”.

وتابع حوشان “فكانت عمليّة الطوفان بعد 10 أيام من إتمام صفقة الرهائن الإيرانيّة الأمريكية، وقبل 22 يوما من رفع العقوبات الدولية، فكانت النتيجة إغراق محور المتاجرة ومحور المتصهينين العرب وإسرائيل وحلفائها في خيباتهم، وأثبتت الفصائل الفلسطينية قدرتها على خلط الأوراق والتأثير على مسارات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، والدليل تبرؤ إيران ونظام الأسد من عملية الطوفان”، على حد تعبيره.

ويرى مراقبون أنه وعقب عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، فإن مصير تطبيع العلاقات الإسرائيلية العربية بغطاء “الدين الإبراهيمي” هو أمر غير واضح، ويعتمد على عدد من العوامل، منها: موقف الفلسطينيين والعرب بشكل عام من “الدين الإبراهيمي”، مدى نجاح إسرائيل في إقناع الدول العربية والإسلامية بقبول الدين الإبراهيمي، مدى اهتمام الدول العربية والإسلامية بهذه الأفكار الدينية المستحدثة.

ويحذر محللون من أن “الدول العربية والإسلامية التي تفكر في قبول الدين الإبراهيمي ستواجه ضغوطًا كبيرة من الفلسطينيين والعرب، وستحتاج إلى تقديم تنازلات كبيرة لإسرائيل، مثل فتح علاقات دبلوماسية معها أو إقامة مشاريع اقتصادية مشتركة”، وفق وجهة نظرهم.

ويُرجح مراقبون أن “يواصل الفلسطينيون والعرب رفض الدين الإبراهيمي، ورفض أي محاولات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وفي هذه الحالة، سيفشل الدين الإبراهيمي في تحقيق أهدافه، وسيبقى مجرد مشروع إسرائيلي غير مقبول”.

من جهته، قال المحلل السياسي الفلسطيني محمد القيق لـ”وكالة أنباء تركيا”، إنه “مما لا شك فيه أن مرحلة الهدوء دائما ما يسعى الاحتلال لها في منطقة الشرق الأوسط أو المنطقة العربية بشكل عام، ليتسنى له برمجة وفرمتة وغسل دماغ الساحة العربية”.

وأضاف أن “الاتفاق الإبراهيمي الذي كانت عرابته الإمارات بشكل رئيسي، مرحلة ليست سهلة في دمج إسرائيل في المنطقة وجعل المنطقة مؤسسة ومصنفة على أساس هذا الدين وليس على أساس شعوب وأراضٍ واحتلال”.

وزاد قائلاً “جاء طوفان الأقصى وأعاد المفاهيم إلى مواقعها وعززت النظرية التاريخية والدولية، وأزالت الغبار عن قرارات الشرعية الدولية، ووضعت إسرائيل في الصورة الحقيقية لها، ووضعت الفلسطينيين في الصورة الحقيقية لهم، وباتت المعادلة التي حاول مشروع التطبيع ومشروع التنسيق الأمني ومشروع التهويد أن يطمسها، وهي شعب تحت احتلال لديه قرارات دولية غير مطبقة ويريد حقه”.

ومضى قائلاً “لذا أعتقد أن الطوفان كان عابرا للحدود وعابرا للاتفاقيات، وأيضا وفي أثناء العملية وما بعد العملية وفي أثناء الحرب على غزة أثبت وعزز فكرة أنه عابر للأخلاق، فالإسرائيلي أجرم، والفلسطيني تألق في التعامل مع الأسرى وغيرهم، وبالتالي نستطيع القول إن هناك مفارقات جديدة تعززت وإسرائيل خسرت في ذلك ما كانت تبنيه من صورة مزيفة على مدار عقود، بينما الفلسطيني أزال كل هذا المشهد التضليلي عن قضيته، والآن كل العالم يقول إنه لا يمكن ما بعد 7 أكتوبر إلا أن يكون حل سياسي للفلسطينيين، وأعتقد أن هذا الهدف الرئيسي لعملية الطوفان كلها”.

ويحذر محللون آخرون من أن “الإمارات وإسرائيل، تسعى من خلال نشر الدين الإبراهيمي إلى تعزيز دورهما في المنطقة، ويأملان أن يؤدي ذلك إلى جعلهما قوة إقليمية مهمة، قادرة على لعب دور فعال في حل الأزمات والصراعات في المنطقة”.

وعلى الرغم من الأهداف التي تسعى الإمارات والاحتلال الإسرائيلي إلى تحقيقها من وراء نشر “الدين الإبراهيمي”، إلا أن هذا المشروع يواجه عددًا من التحديات على رأسها حالة الرفض العربي والإسلامي له ولكل من يروج له.

زر الذهاب إلى الأعلى