
في خطوة لافتة، كشفت تركيا عن السبب الحقيقي وراء رفض الاتحاد الأوروبي انضمامها إلى عضويته، مؤكدة أن الأمر لايتعلق بالمعايير أو الشروط المعلنة، بل يعود إلى أسباب أيديولوجية ودينية.
وأكد المسؤولون الأتراك أن الدول الأوروبية غير مستعدة لاستقبال دولة مسلمة ذات ثقل إقليمي ودولي مثل تركيا ضمنصفوفها.
وجاءت هذه التصريحات في وقت حساس للغاية، حيث يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات داخلية وخارجية، بدءاً من خروجبريطانيا (بريكست)، مروراً بالتوترات مع الولايات المتحدة، ووصولاً إلى الحرب الروسية الأوكرانية التي فرضت ضغوطاً اقتصادية وسياسية على القارة العجوز.
وفي هذا السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم قيسون لـ “وكالة أنباء تركيا”، إن “هذا ليس جديدًا”، مشيرًا إلى أنرفض الاتحاد الأوروبي لتركيا يعود بشكل أساسي إلى هويتها الإسلامية، حسب تعبيره.
وأوضح قيسون أن “الاتحاد الأوروبي كان دائمًا يضع العراقيل أمام طموحات تركيا للانضمام إليه، مستخدمًا شروطًا صارمةكذريعة، بينما السبب الحقيقي هو عدم رغبة أوروبا في استقبال دولة مسلمة كبيرة ذات دور محوري في المنطقة”.
ولفت إلى أن “التغيرات الجيوسياسية الأخيرة قد تكون فرصة جديدة لتركيا لإعادة النظر في موقف الاتحاد الأوروبي منها”، مشيرا إلى أن “خروج بريطانيا من الاتحاد، والتوترات بين أوروبا والولايات المتحدة، والحرب في أوكرانيا، كلها عواملأدت إلى إعادة ترتيب الأولويات الأوروبية”.
وزاد قائلا، إن “تركيا، بفضل موقعها الاستراتيجي ومزاياها العسكرية والاقتصادية، أصبحت أكثر أهمية الآن بالنسبةلأوروبا، مما قد يدفع الأخيرة إلى إعادة النظر في موقفها”.
ووفقًا لتقارير إعلامية ودراسات أجراها مركز “كارنيغي” للشرق الأوسط، فإن الاتحاد الأوروبي وضع منذ البداية شروطًاتعجيزية أمام تركيا، منها تحقيق العلمانية الكاملة، ورفع الحد الأدنى للأجور، وزيادة تمثيل النساء في سوق العمل، وغيرها.
ومع ذلك، حققت تركيا تقدمًا كبيرًا في العديد من هذه المجالات، لكن الخلافات الأساسية لا تزال قائمة، مثل قضية قبرص، والنزاع مع اليونان حول ترسيم الحدود البحرية، وتعامل تركيا مع الأكراد.
من جهته، أكد المحلل السياسي التركي مهند حافظ أوغلو في تصريحات لـ “وكالة أنباء تركيا”، على أن “السبب الأساسيلرفض الاتحاد الأوروبي لتركيا هو ديني بحت”.
وأضاف أن “الحديث عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة ومعايير أخرى هو مجرد ذرائع تخفي حقيقة أن الاتحاد الأوروبيغير مستعد لاستقبال دولة مسلمة كتركيا”.
وأشار إلى أن “تركيا حاولت سابقًا تجنب الإفصاح عن هذا السبب، آملة في إيجاد حلول دبلوماسية تؤدي إلى انضمامهاللاتحاد، لكنها اضطرت الآن إلى كشف الحقيقة”.
واعتبر أن “تركيا ليست الدولة الخاسرة في حال استمرار رفض الاتحاد الأوروبي لها، بل إن الخاسر الأكبر سيكون الاتحادنفسه”.
وأوضح أن “تركيا تمضي قدمًا في تعزيز قوتها الدبلوماسية والعسكرية والسياسية، بينما الاتحاد الأوروبي يعتمد بشكل كبيرعلى الدعم الأمريكي للبقاء على قيد الحياة، وإذا ما قررت الولايات المتحدة سحب هذا الدعم، فإن الاتحاد الأوروبي سيواجهانهيارًا تامًا”.
وتشير دراسات متعددة، بما في ذلك تلك الصادرة عن معهد “شاتام هاوس” البريطاني، إلى أن العلاقات بين تركيا والاتحادالأوروبي كانت دائمًا معقدة بسبب الاختلافات الثقافية والدينية.
كما أن تصاعد الخطاب الشعبوي واليميني في أوروبا خلال السنوات الأخيرة زاد من المخاوف بشأن استقبال دول ذاتغالبية مسلمة، ومن جهة أخرى، تشير التقارير إلى أن تركيا أصبحت لاعبًا مهمًا في ملفات الشرق الأوسط وأوروبا، خاصة في مجالات الطاقة والهجرة والأمن.
ومع تصاعد التوترات العالمية وتغير موازين القوى، يبدو أن تركيا تسعى لاستغلال الظروف الحالية لإعادة فتح ملفالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، فإن النظرة المستقبلية لهذه العلاقة تعتمد على مدى استعداد أوروبا لتغيير موقفها التقليدي تجاه الدول المسلمة، ومدى قدرة تركيا على تقديم تنازلات تتعلق بالقضايا الخلافية.
في النهاية، يبدو أن السؤال الأكبر الذي يطرح نفسه ليس فقط حول مستقبل العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، بل أيضًاحول مستقبل الاتحاد نفسه في ظل التحديات المتزايدة التي تواجهه.، وهل سيتمكن الاتحاد من التغلب على انقساماته الداخليةواستيعاب دولة بحجم وقوة تركيا؟ أم أن الهوية الدينية ستظل حاجزًا لا يمكن تجاوزه؟
وبينما تستمر تركيا في كشف الحقائق حول رفض الاتحاد الأوروبي لها، تبقى العيون متجهة نحو القارة العجوز لمعرفة ماإذا كانت ستتغير قواعد اللعبة أم ستظل الأمور على حالها، حسب مراقبين.