تقاريرهام

القمة العربية في بغداد كلفت مئات ملايين الدولارات.. ماذا قدمت للعرب وقطاع غزة؟ (تقرير)

انعقدت القمة العربية الرابعة والثلاثون في العاصمة العراقية بغداد، السبت 17 أيار/مايو 2025، تحت شعار “حوار وتضامن وتنمية”، وسط أجواء سياسية مشحونة وتحديات إقليمية متصاعدة، لاسيما عدوان الاحتلال الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، والذي تكثف بشكل كبير تزامنا مع انعقاد القمة وبعدها أي اليوم الأحد.

استضافت القمة، برئاسة رئيس جمهورية العراق عبد اللطيف جمال رشيد، قادة وممثلين عن الدول العربية، بالإضافة إلى شخصيات دولية بارزة مثل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز.

تصدرت القضية الفلسطينية جدول أعمال القمة، مع تركيز خاص على دعم غزة ووقف عدوان الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب مناقشة قضايا إقليمية أخرى مثل الأوضاع في سوريا والسودان.

لكن مع تكلفة تقدر بمئات الملايين من الدولارات، يثار السؤال: هل حققت القمة أهدافها؟ وما الذي قدمته للعرب وقطاع غزة؟

تشير التقديرات إلى أن تكلفة تنظيم القمة العربية في بغداد بلغت نحو 600 مليون دولار، حيث شملت هذه التكاليف تجهيز قاعة المؤتمرات الفخمة في القصر الحكومي في منطقة كرادة مريم، واستضافة الوفود، وتوفير الأمن خلال الفترة من 11 إلى 20 أيار/مايو 2025، حيث فرضت السلطات العراقية حظرًا على التظاهرات لضمان سلامة الحدث.

ومع ذلك، أثارت هذه التكاليف جدلًا واسعًا حول جدوى إنفاق مبالغ طائلة في ظل الأزمات الإنسانية التي تعاني منها المنطقة، خاصة في غزة.

تضمن جدول أعمال القمة ثمانية بنود رئيسية، تصدرتها القضية الفلسطينية، إلى جانب ملفات الأمن القومي العربي، مكافحة الإرهاب، والتعاون الاقتصادي.

وأكد البيان الختامي للقمة، المعروف بـ”إعلان بغداد”، على “مركزية القضية الفلسطينية”، داعيًا إلى “وقف فوري للحرب في غزة، وفتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية، ودعم إعادة إعمار القطاع. كما دعا القادة العرب المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم السياسي والمالي والقانوني لإعادة إعمار غزة، مع رفض قاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين”.

وأشار البيان إلى “دعم قرارات القمة العربية الاستثنائية التي عقدت في القاهرة في آذار/مارس 2025، والتي ركزت على خطة عربية لإعمار غزة دون تهجير”.

كما اقترح العراق “إنشاء صندوق بالتعاون مع الأمم المتحدة لدعم أكثر من 40 ألف طفل فلسطيني يعانون من اليتم والصدمات النفسية جراء الحرب”.

وفي سياق إقليمي أوسع، أكدت القمة على “دعم وحدة سوريا وسيادتها”، ورحبت بـ”رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، إلى جانب دعوات لإنهاء الصراعات في السودان وليبيا”.

الكاتب والمحلل السياسي مالك عبيد، قدّم في حديثه لـ “وكالة أنباء تركيا”، رؤية نقدية حادة للقمة، معتبرًا أنها “لم ترقَ إلى مستوى التحديات التي تواجهها المنطقة، خاصة في غزة”.

وأكد عبيد أن “استمرار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، رغم المناشدات العربية والدولية، يكشف عن عنجهية وغطرسة الاحتلال الإسرائيلي واستخفافه بالقرارات الدولية”.

ورأى أن “مخرجات القمة، رغم تركيزها على وقف العدوان وإعادة إعمار غزة، تبقى حبرًا على ورق بسبب غياب آليات تنفيذية ملزمة”.

وأضاف أن “تخصيص 600 مليون دولار لتنظيم القمة كان بمثابة إسراف وتبذير”، مشيرًا إلى أن “هذه الأموال كان يمكن أن تُستخدم كمساعدات مباشرة للشعب الفلسطيني الذي يواجه مجازر وحشية وحصارًا خانقًا”.

وركزت القمة بشكل كبير على القضية الفلسطينية، حيث دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى عقد مؤتمر دولي في القاهرة لتمويل إعادة إعمار غزة، وطالب حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بـ”تسليم السيطرة على القطاع للسلطة الفلسطينية”.

كما أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على “ضرورة إنقاذ غزة من الإبادة الجماعية”، مشيرًا إلى “بشاعة الأوضاع الإنسانية في القطاع”.

ومع ذلك، يرى مراقبون أن تنفيذ هذه القرارات يواجه عقبات كبيرة بسبب استمرار العدوان وغياب بيئة سياسية وأمنية مناسبة لإعادة الإعمار.

من جانبه، رأى الباحث السياسي حسام البرم أن “القمة تناولت قضايا حساسة تشمل غزة وسوريا والسودان، لكن مخرجاتها تحمل طابعًا رمزيًا وسياسيًا أكثر من كونها عملية”.

وأشار البرم في حديثه لـ “وكالة أنباء تركيا”، إلى أن “غياب بعض الدول العربية عن القمة قد يكون مرتبطًا بعدم رضاها عن مناقشة قضايا مثل النفوذ الإيراني أو القضية الفلسطينية التي تُعتبر مزعجة لإسرائيل وحلفائها”.

وأكد أن “جامعة الدول العربية تفتقر إلى جهاز تنفيذي أو آليات ملزمة، ما يجعل قراراتها مجرد توصيات غير ملزمة للدول الأعضاء”.

ومع ذلك، اعتبر البرم أن “القمة كانت جيدة نسبيًا لأنها تناولت قضايا تمس الشارع العربي بشكل مباشر، على عكس القمم السابقة التي ركزت على خلافات ثنائية أو قضايا هامشية مثل الخلافات الحدودية”، وفق تعبيره.

ولفت إلى أن “دعم القمة لملفات مثل غزة والسودان يعكس موقفًا سياسيًا جامعيًا، لكنه يبقى محدود التأثير في ظل غياب آليات تنفيذية، حسب قوله.

القمة العربية الرابعة والثلاثون في بغداد، رغم طموحاتها الكبيرة وتكاليفها الباهظة، لم ترقَ إلى مستوى التوقعات في تقديم حلول عملية لأزمة غزة، وفقًا للخبراء.

وبينما يرى المحلل السياسي مالك عبيد أن “الأموال كان يمكن أن تُستخدم بشكل أكثر فاعلية كمساعدات مباشرة”، يعتبر حسام البرم أن “القمة حققت موقفًا سياسيًا رمزيًا يعكس هموم الشارع العربي”.

ومع استمرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة، تبقى الأنظار متجهة نحو الخطوات العملية التي قد تتبع هذه القمة، سواء من خلال تنفيذ خطة إعادة إعمار غزة أو تعزيز الضغط الدولي لوقف العدوان الإسرائيلي، في حين يبقى السؤال: هل ستتحول التوصيات إلى أفعال ملموسة؟

 

زر الذهاب إلى الأعلى