تقاريرحدث في مثل هذا اليوممميز

تركيا التي وقفت مع لبنان.. منذ زمن الدولة العثمانية (تقرير)

تقف تركيا إلى جانب لبنان وتدعمه بوجه الأزمات التي تعصف به دون تردد

هذا العام، تأتي ذكرى استقلال لبنان عن الاحتلال الفرنسي، أو ما يسميه البعض “انتداب”، وهو مثقلٌ بأزمات سياسية واقتصادية غير مسبوقة تهدد جميع مناحي الحياة.

من الدولة العثمانية إلى الاستقلال عن فرنسا

في 22 من تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام، يحتفل اللبنانيون بذكرى إعلان استقلال لبنان بعد 23 عاما من الاحتلال الفرنسي الذي امتدّ منذ إعلان لبنان الكبير في 1 أيلول/سبتمبر 1920 وحتى الاستقلال عام 1943.

يشكّل لبنان أحد البلدان التي نتجت عن الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية، ففي عهد الدولة العثمانية، كانت متصرفية جبل لبنان ولاية عثمانية مستقلة عن بقية الولايات، تتمتّع بحكمٍ ذاتيّ ومعاملة خاصة من قبل السلطان.

التقسيمات التي طرأت على المنطقة وفق اتفاقية سايكس ـ بيكو لترِكة الدولة العثمانية، حظيت بتأييد عصبة الأمم في قراراتها الصادرة عام 1920 التي أجازت نظام الانتداب على المناطق العثمانية المتفككة، بحجة المساعدة بإنشاء مؤسساتٍ للدول الجديدة، غير أن الواقع بعد ذلك عكس حقيقة أن الانتداب الفرنسي ما كان إلا احتلالاً مبطّناً سيطر على مقدّرات البلد وصادر قرارها السياديّ.

وبقصد توسيع المتصرفية، ضمّ الفرنسيون عدداً من المدن الساحلية، وجبل عامل، وسهل البقاع والسهول الشمالية، فتحولت المتصرفية إلى ما أطلق عليه الجنرال غورو “دولة لبنان الكبير”.

وبعد صراع سياسيّ زمن الانتداب، اتّحد المسيحيون والمسلمون اللبنانيون فيما عُرف بالميثاق الوطنيّ اللبناني، وأعلنوا استقلال لبنان تحت اسم الجمهورية اللبنانية.

تحديد يوم الاستقلال في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1943، جاء تخليدا لذكرى الإفراج عن قادة حكومة الاستقلال الوطنية التي أجبرت فرنسا على منح لبنان استقلاله، وكان أبرز أعضائها رئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح.

لكنّ هذا الاستقلال لم يكتمل إلا بانسحاب القوات الفرنسية من لبنان في 31 كانون الأول/ديسمبر 1946، وهو التاريخ الذي بات يُعرف بـ عيد الجلاء في لبنان وسوريا، احتفاءً بجلاء آخر جندي فرنسي عن البلاد.

البصمات العثمانية في لبنان

لم تتمكن فترة الاحتلال الفرنسي ولا ما بعدها من استقلال، ولا الحرب الأهلية ولا حتى جولات العدوان الإسرائيلي على لبنان، من إخفاء البصمات العثمانية في لبنان.

ففي الهندسة المعمارية، تقف العديد من الصروح شاهدةً على حقبةٍ من الازدهار الذي عاشه لبنان في ظلّ الدولة العثمانية، من ذلك السراي الحكومية أي مقر الحكومة اللبنانية، والأبنية العثمانية المذهلة في جمالية فنونها المعمارية وسط العاصمة بيروت، إضافةً إلى السوق العثماني في مدينة طرابلس شمال لبنان، وغيره من الصروح والأبنية التي تعمد السلطات التركية إلى ترميمها تباعاً ليعود لها رونقها.

وفي الثقافة، لا تزال هناك الكثير من الوجوه المشتركة أو الناتجة عن التبادل الثقافي بين اللبنانيين والعثمانيين، وأبسط هذه الأشكال هو المفردات التركية التي يردّدها اللبنانيون، في مقابل المفردات العربية التي بقيت في اللغة التركية حتى اليوم، إضافةً إلى التشابه في المطبخين اللبناني والتركي في العديد من التفاصيل والأكلات.

تنسحب البصمات التركية في لبنان على وجود عائلاتٍ من أصلٍ تركي، ومنها من ما زالت إلى يومنا هذا تتحدث اللغة التركية العثمانية، كما هو حال قرية الكواشرة في قضاء عكار شمال لبنان.

اقرأ أيضا.. الجيش اللبناني: رئيس أركان الجيش التركي أكد دعمنا بظل الظروف الاقتصادية

 العلاقات التركية اللبنانية

على الرغم من إخراج لبنان من العباءة العثمانية، إلا أن المرحلة ما بعد استقلاله عن فرنسا فتحت المجال لعلاقاتٍ جيدة بين الجمهورية التركية والجمهورية اللبنانية.

لم يخلُ الأمر من فترات فيها عرفت خلالها العلاقات بين البلدين توتراً، نتيجة استخدام الأراضي اللبنانية والحدود السورية اللبنانية من قبل تنظيم PKK الإرهابي وما يطلق على نفسه “تنظيم الجيش الأرمني السرّي لتحرير أرمينيا (ASALA)”.

غير أن اتخاذ تركيا موقفاً معارضاً لسياسات الكيان الإسرائيلي الاحتلالية، وزيارة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري لتركيا، أسّسا لعهدٍ من التقارب في العلاقات التركية اللبنانية.

وطوال السنوات الماضية، لم تتوانَ تركيا عن مدّ يد العون للبنان حكومةً وشعباً، رغم أنها واجهت اتهاماتٍ وما تزال بأن لها أطماعاً وطموحاتٍ باستلام زمام الأمور في هذا البلد الشرق أوسطيّ الصغير.

هذه الاتهامات لطالما استُعملت من قبل أعداء التفاهمات التركية اللبنانية، ممن لا يناسبهم تعزيز التقارب بين البلدين، ليس في كل الحالات خوفاً على سيادة لبنان، بل انطلاقاً من رعاية مصالح دول أخرى اعتادت قطاعات معينة في الفسيفساء اللبنانية على التبعية لها، وفي مقدمتها فرنسا والسعودية وإيران.

المساعدات التركية للبنان

رغم الاتهامات المذكورة، التي ذهبت بعض الجهات إلى حدّ الادّعاء أن “تركيا تؤسس خلايا إرهابية شمالي لبنان بهدف فصله عن لبنان والسيطرة على قراره ومقدّراته”، تتابع تركيا إدارة ظهرها إلى هذه الترّهات واتّباع صدق النيّة في التعامل مع لبنان.

يبرز الفرق بينها وبين غيرها من الدول التي تخصِّص مريديها بالمساعدات والحماية، فرنسا تتدخل في الشأن اللبناني بحجّة رعاية المسيحيين والمملكة العربية السعودية بحجة رعاية السنّة، وإيران بحجة رعاية الشيعة.

وأكثر من ذلك، تربط هذه الدول صراحةً أو من تحت الطاولة، تقديمَ حمايتها ومساعداتها بتقديم “فروض الطاعة” لها وتركها تتدخّل في القرارات السيادية والسياسية وصولاً إلى كل مفاصل الحياة اللبنانية.

أما تركيا، فالمعروف عنها أنها لم تتدخل يوماً في القرار اللبناني، ولم تسعَ إلى الدخول إلى ساحته من بوابة احتضان مسلميه السنّة مثلاً، كما يحاول البعض أن يروّج، بل تتابع تقديم الدعم والمساعدات لجميع الأطراف والمكوّنات، دون تفرقة بينهم على أساس الدين أو العرق أو الإثنية أو الولاء، وهو ما يؤكده المسؤولون الأتراك في مناسبات عديدة.

هذه السياسة جعلت تركيا محبوبةً لدى قطاعات واسعة من الشعب اللبناني، إذ لم تشكّل يوماً طرفاً في الصراع السياسي في البلاد، ولم تضغط على أي طرف باتجاه تنفيذ أجنداتٍ خاصة بها، بل على العكس من ذلك، يمكن القول إنها تتصرّف بحساسية عالية في هذا المجال وفق سياسة ترفض الصدامات وبناء العداوات.

وعلى هذا الأساس، تقدم تركيا للبنان المساعدات فضلاً عن الدعم المقدّم للاجئين على أراضيه لتخفيف أحمالهم عن الدولة اللبنانية المنهكة أصلاً.

وتشمل المساعدات التركية للبنان أوجهاً عدة، أبرزها تشييد المستشفيات والمدارس وأعمال الترميم والبناء، عبر وكالة التعاون والتنسيق TİKA ومؤسسات أخرى مثل جمعية “حجر الصدقة Sadakataşı” وهيئة الإغاثة التركية İHH، في العديد من المناطق اللبنانية دون انحياز إلى فئة دون غيرها.

المبدأ نفسه تتبعه أنقرة في تقديم المنح للطلاب اللبنانيين، حيث تستقطب كل عام عدداً لا بأس به من الطلاب اللبنانيين المتفوقين للدراسة في جامعاتها الحكومية والخاصّة، عبر تخصيص منحٍ دراسية لهم بعضها يمكن أن يصل إلى 100% من تغطية المصاريف.

وفي ظل أزمة “كورونا” قدّمت “تيكا” مساعدات طبية للبنان هي عبارة عن مستلزمات من ملابس واقية للجسم وأخرى للوجه، ونظارات، وأقنعة N95، ومواد أخرى.

وعقب انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020، بدأت المساعدات التركية للبنان تأخذ منحىً أوسع وأكثر شمولاً، حيث قدّمت أنقرة فور وقوع الكارثة موادّ إغاثية إنسانية وطبية بتعليمات من الرئيس رجب طيب أردوغان.

كما كانت تركيا سبّاقة في إرسال فرق البحث والإنقاذ التابعة لهيئة الإغاثة والكوارث والهلال الأحمر التركي، لمساعدة اللبنانيين على تخطّي كارثة انفجار المرفأ.

وفي الفترة التي تلت، توسّعت المساعدات الغذائية والطبية أكثر فأكثر، وتتابعت الهِبات التركية بالمليارات على لبنان، فاستفاد الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والمواطنون على حدٍ سواء من مئات الأطنان من هذه المساعدات.

واعتبارا من عام 2015، أدرجت تركيا لبنان في “برنامج المساعدة العسكرية الخارجية التركي”، كما تعهّدت خلال مؤتمر “روما 2” في مارس/آذار 2018، بدعم القوات المسلحة اللبنانية عبر توسيع مساعداتها العسكرية للمؤسسات الأمنية اللبنانية.

اقرأ أيضا.. رئيس الحكومة اللبنانية: نقدر اهتمام تركيا ودعمها الدائم للبنان

زيارة تشاويش أوغلو والتعهد بالدعم

في الفترة الأخيرة، أخذت الأزمة اللبنانية تتعاظم، حيث زاد من وطأتها مقاطعة معظم الدول الخليجية للبنان لأسباب سياسية.

لكن تركيا أكدت استمرارها بدعم لبنان، وتجلّى ذلك بشكلٍ أكثر وضوحاً لدى زيارة وزير خارجيتها مولود تشاويش أوغلو إلى بيروت في 16 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، حيث تعهّد بِاسم تركيا بالعمل على مساندة لبنان إنسانيا وغذائيا والسعي إلى دعمه اقتصاديا وتعزيز التبادل التجاريّ والتعاون في مجال السياحة، كما أطلق مبادرة لحلّ المشاكل الإقليمية التي يمرّ بها لبنان، لتخفيف الضغط عنه قدر الإمكان.

اقرأ أيضا.. كاتب تركي يرد على افتراءات الرئيس اللبناني: هذا ما فعله العثمانيون للبنان

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى